هدية بقلم:عدنان جاركجي
تاريخ النشر : 2019-10-09
هدية


قال الصديق :
في يوم جلست من على شرفتي ، أتأمل الطريق والناس ، أنظر كيف تسير الأيام بهم بعدما سارت بنا من قبل ..
أردت أن أرتجل وأُملي حديث ذكرياتي على نفسي ثم أنشره على من حوالي..
لكني شعرت أنّ كل شيء يطالبني بالصمت.. لأنني مهما أروي وأحدِّث ، لن تكون إلا أخبار قد اندرست واندرس معها أهلها..
فلا مكان لزهرة خريفية بين روضة الأزهار الربيعية..
فإن لم تُخبر عنها أوراقها.. أعلنت الورود بروائحها وقالت لها بلغة عطرها : أن لا مُقام لكِ بيننا..
وبينما كنت أحاول أن أفك قيد قلبي لأطلقه من أحزانه.. رأيت عصفوراً "يهدل" بجناحه يريد أن يحط على الجانب من شرفتي..
لمحت في عينيه أثر دمعة سقطت لتوها وبللت ريش قلبه..
ورأيته يميل برأسه نحو جناحه .. فدققت فإذا هو مكسور الجناح..
ما أدري ما الذي جعلني أميل بيدي وأمسح بها على قلبي..
ألا ما أشبه جناح هذا الطائر بقلبي...
فتهللت نفسي وانتفضت..
كأنما هبط عليها زائر كبير..
ضيف كريم..
ورأيتني أقوم بحق الضيافة على تمامها..
وأرعاه رعاية أهل الفضل والإحسان..
وكان هذا شيئاً غريباً على مثلي...
فانطلقت به إلى أهل الاختصاص.. أطلب لديهم الشفاء لجناحه..
وأطلب لقلبي الجزاء الحسن..
لعل مسحة يد الطبيب التي تصلح كسر الجناح.. يكون جزاؤها أن تُجبر كسر قلب..!!!
لبث هذا الطائر على شرفتي ما شاء من أيام شفائه..
ثم انطلق يشق الهواء بجناحيه..
فقلت لنفسي : ألا يدرك هذا الطير بغريزته معنى الشكر والامتنان..!؟
ألا رف على قلبي بجناحيه رفة المعروف والإحسان..؟
فاسترجعت واستغفرت..
فلن يكون المعروف معروفاً.. ولا الإحسان إحساناً.. إذا ما طُلب لهما الجزاء..
ومهما يكن بهذا الطائر.. فلن يكون أهلاً لأطلب منه جزاء عملي..
ولن يكون على وجه هذه البسيطة.. كائناً من كان.. أن أضع بين يديه معروفي ليُوفيني جزاء ما أصبو إليه..
وأكمل الصديق :
أتُراك واجد قوة على هذه الأرض مهما عظُمت ودقت.. أن يكون لديها القدرة.. على الولوج إلى داخل هذا القلب فتمسح أحزانه وتحول دارته إلى مسرح كبير يُقام ويُجسد عليه روايات وقصص الأفراح والسعادة..!؟
فعدت أرقب الطريق والناس..
كغريب حط من سفر بعيد.. يتفرَّس في الوجوه.. لعله يحظى بمعنى صديق قديم.. لا يزال على عهده..
صادف أن أحدهم جعل يسير ويردد الالتفات كأنه يبحث عن أحد ما.. أو شيء ما..
فرابني أمره واستفزني الفضول..
فعلى أثر وجهه وملامحه..رفقة الطفولة والشباب..
فحزَّ في قلبي تجاهله لي.. ومروره مرور الغريب تحت شرفتي..
مرَّت أيام.. وكلما رأيته أنعى إلى نفسي موت الصداقة..
فقلت أخرج وأستجم.. لعلي أنشط وأتخفف من وهم الإخلاص والوفاء..
فإذا بشخص أعرفه..
يعترضني بشدة.. ويهزني بقوته..
ويزف لي لهفة صديق يضرب الأيام بحثاً عني..
فلما أضاء لي رسمه واسمه..

عرفت أنه ذاك المار من تحت شرفتي.. بعدد أيامٍ.. ما أريد أن أعدها وأحصيها..
فإذا الصداقة ما تزال حية..
وإذا بذاك الطائر يحط على غصن شجرة خضراء..
ويرسل لي بعينيه.. هدية..
ما أحب أن أفتحها... إلا يوم أن ألقى ربي...
فانصرف الصديق وانصرفت.. وأنا أستل من قلبه معاني السعادة...
عدنان جاركجي