في كل شامة دمشقة بقلم: محمد شحاته حسين
تاريخ النشر : 2019-10-08
في كل شامة دمشقة بقلم: محمد شحاته حسين


في كل شامة دمشقة و بستان و مصلى
و نفحة من جرة عطر أندلسية
و سطر منمق كوفي من ديوان كاتب يريد الإلتحاق بركب الخليفة
ما تلك العيون إن ما سقتني من نورها
كم تعاطيت الكلام و القصائد
أقسم أنني كتبت مئات القصائد للجرائد و
للمتعة الشخصية
و لم أر جمهورا في عصر الكهرباء يقرأ غير ما يبثه الإعلام بقوة
و أنا يا صديقتي درست الآداب و الهندسة و التجارة
و لم أحصل على شهادة واحدة
كلما تورطت في صف قلت ليس صفي
أنا ابن التجارب لا ابن ما تحققه التجارب

ليس في كتاباتي أي لمسة سحرية
سوى أنني كغيري أرى للشئ وصف باطني
ووظيفة مستترة

ما أتى عصر الكهرباء لينير لنا الطريق
بل جاء يكشف عهر عشرات القرون
و جهل آلاف الظنون
و سخافة الذين تكلموا نيابة عن الكواكب و النجوم

ومازالوا يسطرون لي مجد الأندلس و حضارة العثمانيين و أعمدة الرخام

كانت كل سفينة تخرج من بين أيدي النجارين
تعود من أوربا و سواحل الهند بعشرات المخطوفات و المخطوفين

إني و مازالت أحتفظ بوصف لكل حاكم عربي
خليفة الأقوياء أمير الخاطفين

هل تتخيلين كيف صار مخطوفا أمير
هل كانت له ملامح عندما يجلس في السرير
ملفوفا بالجواهر و الحرير
أم ما تميز الوجهاء وجهه

يدخل مجلسه القضاة و قادة الجند و الشعراء
أني أظن أن شاعرا كان يصف الأمير
كان يشرب قبلها كأسين من الخرس

...
آمنت أنني محاصر بآلاف الكتب
و أنني محاصر بالملايين من أبناء السديم
و كلما اتخذت كتابا صديقي وجدت فيه خنجر

هل تعرفين ما معنى الخناجر بين الدفاتر
حينما تجلسين على ضفة النهر في الأصيل
و تقرأين عبارة وتسرحين
فيقفز في صدرك خنجر من الصفحة الخمسين

تسع و أربعون صفحة من الخداع
و بقية الكتاب إما إجهاز على الجريح أو حرق القتيل

كم مرة قام مقتول من الموتى و لم يعرف أنه قام

لو كان أثر خناجر الدفاتر عين تراه
لوجدنا الوجوه كالمصافي
و الصدور كالمصافي

و من له جرح نافذ في فخذه
فقد نسي و وضع الكتاب مرة جانبه
كم خنجر تسلل من كتاب كأفعى
كم امرأة شهيدة بالسم ماتت بعدما قرأت كتابا

هي أمة تحمل وزر إماء النساء
صراعات في العروق
نصف هويتنا خاطف و نصفها مخطوف
و أعرف الملايين ممن يخوضون حروبا داخلية

لماذا صدري فجأة يشتعل
لأن نصفي الأبوي خاطف ونصفي الأمي مخطوف
مازالت أمهاتنا تثور
و لولا براءة الزرقاء و طيبة الزرقاء
لما حنت على ابن الخاطفين ولا أطعمته
.
ما نحب اختياره للأم و كيف نأخذ ما اخترناه للأب
لذا تجد أننا نختار زهر الربيع و روح التلال الخضر و القمر البديع
لكننا نمد أياديا من رماح ونار ورصاص

تعاسة الجبابرة الجماد حين يحبون الأشياء اللطيفة
لذا نجيد الأسى حين نجلس ساعة وحدنا تماثيلا من حديد وفي أكفنا و على كلاليب أجسامنا الزهور المحطمة

معطرون نحن بالسحق و التمرغ
لكن ما من زجاجة عطر حقيقية سليمة في دولابنا

نحتال حين نظن أننا أجدنا الإحتفاظ بروح الربيع لأنفاس الشتاء الباردة
و ما حصلنا على العطر إلا لأننا ما عرفنا كيف نجني الزهور

جميلة جدا زهرة البلاستيك الكبيرة التي يحملها برفق وليد السديم

كم زجاجة من باريس تكفي وكم معطف من الفراء يغطي الشدوخ

أقسم أننا جيل لو رمونا في حقول الزهور عاريين
لصرخنا من الكي
لا أدري كم يدوم الصراخ
لكنني أدري أننا لن نخرج من هناك إلا بآثار الجراح

يوم ينام من قتل الأوز على بحيرة القمر
على سرير جراحة التجميل
اتصلوا له بشرطة المدى
قبل أن يعيش بيننا مجملا
يخدع الفتيات بعهره الفكري

.
لكن هناك كّلاب صغير دائما يفضحه
يخرجه عن الوداعة
يستدعي لأجله ألف علبة مرهم
ليقذف المسوخ التي أكلت خصيته
في فرج عذراء مخطوفة بالخداع

...
لا تلوميني فإني عابر من ذلك الباب الأسود
كنت في رحلتي كساحر كمقاتل كفارس كميت
كم مرة ادعيت أني ميت من فرط عشقي للزمن
لبست أكفانا و ثيابا كثيرة
عبرت أياما كسم الخياط
و ما كنت الجمل
كثيرا ما سرت عاريا كالحقيقة
كيف أفلت من لدغ الخناجر

كم مرة قفزت في الماء بثيابي كاملة
مدعيا أنني انزلقت
و تركت تيار المياه يجرني بعيدا عن صحبة من الخاطفين

يا شمس يا أصيل
يا عصرا تفلت عن جادة التكوين
لست أنت الغريب
فكل عصر يشبهك
إنما الغريب من رآك و أنكرك

فحلقك أوسع من مدى يدي وقدمي
ما اسمك مي
لو مددت نفسي ألف مرة في حلقك الواسع لن أكون حشرجة ولا شوكة مستعصية
بل سأنزلق و حينها سأدعي أني ما انزلقت
بل دخلت طواعية لأرى مصدر الصوت
و كلي رجاء أنك يوما ستعطس عطسة الخلاص

(الشريف اليافعي)