الطريق إلى سدات بقلم:شقيف الشقفاوي
تاريخ النشر : 2019-09-19
الحلقة الاولى

الحلقة رقم 01
من روايتي الثانية
( الطريق إلى سدات )
إنها المفارقة المتوهجة بلهب الانتظار و قد تآكلت جوانبها المترامية الأطراف خلف هذه الهضبة التي سميت حين ذاك بالاسم الذي تحمله الآن ، اختلف الناس في انتسابها لتلك المراحل التي عاش فيها أجدادنا و أجدادكم أيضا ، انتسبت في انسابها لهم و خلدت اسماءهم التي قد ترمز في مفهومها للصراعات الدامية التي عاشتها على مر التاريخ ، فالديس هذه النبتة البرية المرتبط أساسا في رمزية المنطقة ، و تلك الأكواخ المتناثرة على السفوح من أولاد عميور و أولاد الطالب و الدراوش ثم أولاد علال و أولاد زكري، لم تكن سوى هذه التضاريس الملتوية نحو المجهول و الفراغ الذي يحتويها ، و هذه الأحداث الأليمة التي عاشت فيها على الدوام ، لقد تنكرت الأيام و الأحداث لعدد كبير من القابعين في الظل و السكون ، و ماتوا دون أن تتحقق أحلامهم الصغيرة في العيش الكريم بسلام بعيدا عن الحقد الذي سكن قلوبهم و التوجس وقد نخر عقولهم ، كانت القمم مأهولة بتلك الحياة البدائية البسيطة الممزوجة بالألم و الصبر و الحلم لغد جميل و أفضل ، لكن هذا اليوم تأخر عند جيل أجدادنا ، و انخرط فيه آباؤنا بنفس الحلم الذي تحول إلى وهم بعدما غادر الاروبيون القرية و تركوها غارقة في ظلام دامس من الفقر و الجهل و الخرافة ، فخضعت ذليلة لمنطق القوة في تقاسم البنايات و المساكن و الأراضي و حتى الأرصفة التي خلفها الكولون و أتباعه العرب المنتفعين بخدماتهم الدنيئة للاستعمار ، كيف استفاقت مدام جورج على فجيعة العودة و الاستسلام للأمر الواقع و النزوح ثانية إلى بلادها ، و التفريط في النزل الوحيد الذي تحول فيما بعد إلى مقر للبلدية ، و المخمرة التي استسلمت ملكيتها للصراعات العقائدية في تحريم بيع الخمر و استهلاكه ، إلى أن تهدمت أسوارها و بقيت شاهدة على حقبة من التاريخ عمر على فراغات و هوة من التناقض في التفكير و التصور و الاعتقاد ، لم يكن جدي يوسف ليمتلك مطحنة للقمح في مركز الشقفة و قد منحتها له جراء أمانته و صدقه و تفانيه في العمل ، لكن بعد غيابها الاضطراري استجابة لاتفاقيات إيفيان باعها وصرف ثمنها ، إنها الفوضى التي اكتسحت تلك البدايات و جرجرتنا إلى هذه النهاية التي نعيشها الآن ،

وقف عمي الشريف بن عميرش (براح القرية ) على جانب الطريق واستطال بالرصيف و استنجد به ، مد بصره في الفراغ ، يتأمل نهاية الأرض الممتدة بلا حدود حيث تلامس الأفق في نهاية سلسلة جبال سدات و بعدها الفراغ الرابض خلف القمم المتراصة مثل أنياب حادة في فم ذئب أصابه السعار ، تيسبيلان ثم أفوزار فجبل عميرة الذي يتوسد حقول و مروج الكنار ، و من الجهة الأخرى هضاب الشقفة و قد استسلمت للبور و الإسمنت و أكياس النيلون العالقة بالأحراش ، لم تعد تلك البساتين التى خلفتها مدام جورج تنبض بالنماء و الحياة مثلما تركتها عند النزوح العكسي نحو الشمال ، ولم تعد النوادر قائمة على حواشيها و أطرافها الشمالية بعدما جرفها العائدون من الجبل و حولوها في البداية إلى ملعب ، ثم تقاسموا بقية الأراضي و استولوا على تلك البنايات المؤثثة التي تخلى عنها ماني و بوليث و لدريان ، حتى الأشجار التى تركوها قطعت و استغلت أخشابها في تضييق المعابر و الممرات بين أكواخ البؤس في حي لعسالة و بقية الأحياء ، إنها الكارثة التي زحفت على القرية الصغيرة القابعة في السكون و انتزعت منها براءتها و عفتها و حولتها إلى خراب و ركام ،
رفع بن عميرش كفيه و صهل في التيه منذرا بإعلانات الحاكم الوطني الجديد الذي استنسخ الانقلاب ، و قاد الثورة إلى الجنون
سرى صوته في السوق و في الأحياء المتاخمة ، و انتشر الخبر في المسامات المغلقة بالخوف ، ترى لماذا تكررت نفس الأحداث و رجفت كل القلوب المتوجسة بهول المآسي ،
_ يا أولاد الحلال أسمعكم بالخير و العافية ،،،، فاسمعوا يا أهل الخير

.../...
يتبع

شقيف الشقفاوي