قراءة أولية في الإنتخابات التونسية بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2019-09-18
قراءة أولية في الإنتخابات التونسية بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة 

قراءة اولية في الإنتخابات التونسية

عمر حلمي الغول 

شهدت الجمهورية التونسية تجربة الإنتخابات الرئاسية الثانية يوم الأحد الماضي الموافق 15 ايلول / سبتمبر الحالي (2019)، وفي قراءة أولية لتجليات العملية الإنتخابية، وقبل ظهور النتائج النهائية لها، يمكنني ان اسجل بعض الملاحظات الهامة، التي عكستها الإرادة الشعبية التونسية في الإنتخابات، ومنها: اولا نجحت تونس في وضع اقدامها على أرض الديمقراطية بقوة، حيث شهدت عرس ديمقراطي نزيه وشفاف، وبعيد عن اية تشوهات في عمليات الإقتراع، ومارس التونسيون حقهم الديمقراطي بحرية كاملة؛ ثانيا حملت التجربة الإنتخابية مفاجأت عدة خرجت عن الصور النمطية، التي سادت في اوساط النخب والشارع والمراقبين المحليين والعرب والعالميين. وتجازوت الإفتراضات والسيناريوهات التبسيطية، التي روجها المتنفذون في المشهد السياسي خلال الحملة الإنتخابية؛ ثالثا إتجهت بوصلة الناخب التونسي نحو قبلة جديدة، عنوانها توجيه صفعة لكل المرشحين من المستوى السياسي؛ رابعا وصفعة ثانية لكل النخب الحزبية، وكأن ما حملته النتائج الأولية تشير إلى رفض الشارع التونسي لحالة التشظي والتوالد غير المسبوق، ولا المالوف لنشوء وتأسيس وتشكيل الأحزاب السياسية، وهو ما ارهق الشارع التونسي، وكفره بكل المكونات الحزبية، وباتت من وجهة نظره بمثابة طفح مرضي شوه القيمة الحقيقية للحزبية، وأفقدها الأهمية والضرورة، التي تحتاجها الشعوب، وهو ما يمكن ان يطلق عليه مرض "حزب الشخصلونيا"؛ خامسا عدم تمكن قوى اليسار الوطني الديمقراطي من تمثل نبض الشارع، بل العكس صحيح، حيث تبين وفق النتائج الأولية، ان تلك القوى  كانت بعيدة جدا عن الجماهير، ولم تتمكن من حشد قواها في بوتقة واحدة، مما افقدها ثقة الفقراء والمسحوقين والفئات والشرائح الإجتماعية والطبقية ذات الصلة من العمال والفلاحين والحرفيين وحتى الطلبة، ليس هذا فحسب بل ان التيار الديني المحافظ وممثلي النهضة إحتلوا موقعا متقدما عنهم؛ سادسا كما ان المقترعين التوانسة سجلوا عتبا على الإتحاد العام للشغل، ولم يقبلوا إعلانه حياديته، ولا طريقة همسه للتصويت لشخص بعينه، مما اثار سوء فهم من قبل الشارع لموقف الإتحاد وزعمائه. وهذا الإفتراق النسبي بين الشارع وزعماء الإتحاد سيترك بصمته مستقبلا على العلاقة التبادلية بينهما، لا سيما وان حركة النهضة سعت عن سابق تصميم وإصرار على تشويه مكانة الإتحاد وزعيمه الطبوبي؛ سابعا الإنخفاض الكبير في نسبة المصوتين (45,2%) حسب معطيات لجنة الإنتخابات المركزية يعكس إستياء وقنوط الشارع من المرشحين عموما والسياسيين والحزبيين خصوصا، وكأن الجماهير التونسية شاءت إرسال رسالة للنخب السياسية والحزبية عنوانها "أعيدوا النظر بأليات عملكم، وبسياساتكم، وإبتعدوا عن شخصنة الأمور والقضايا العامة"؛ ثامنا ردت الجماهير التونسية الشجاعة الإعتبار لكل من قيس سعيد ونبيل القروي، اللذين حظيا بأعلى نسبة تصويت حتى الآن، وحتى لو لم يذهبا بالمحصلة النهائية للجولة الثانية، مع ان الإتجاه العام لعمليات الفرز للصناديق تشير لصعودهما وتبؤهما مركز الصدارة في المشهد الإنتخابي. بالتالي جاء التصويت لصالحهما ردا على عملية الإعتقال للقروي، وايضا تعزيزا لقيس الرجل، الذي تميز عن الأخرين برفضه الحصول على تمويل حملته الإنتخابية، ولم يقم المهرجانات، ولا رفع اليافطات والشعارات البراقة الكبيرة، وخاض حملته بواسطة سيارته الخاصة، ولقاءاته مع بسطاء الناس والطلبة في المقاهي والجامعات. 

حتى كتابة هذا المقال مساء يوم الأثنين الموافق 16/9/2019 لا يمكن الجزم ايهما الأوفر حظا بخوض الجولة الثانية للإنتخابات، ومن الفائز بمقعد الرئاسة التونسية القادمة، وإن كانت مؤشرات الفرز تشير لشخصين بعينهما (سعيد والقروي). لكن تجربة تونس الإنتخابية، كانت غنية، وفيها دروس هامة سياسية وإجتماعية وقانونية وثقافية وحزبية، على النخب التونسية ان تستلهمها، وتدونها في صحيفة من ذهب لتستخلص دروسها وعبرها، وتتعلم منها، وتعيد النظر بتجربتها القائمة. 

لكن الدرس الأهم في التجربة، هو التأصيل للخيار الديمقراطي، والشفافية والنزاهة في العملية الإنتخابية. واتمنى لتونس التوفيق والنجاح والمزيد من التقدم لبناء تونس الديمقراطية الحديثة.

[email protected]
[email protected]