وقفة مع التجربة الانتخابية الأخيرة في تونس بقلم:محمد شركي
تاريخ النشر : 2019-09-18
وقفة مع التجربة الانتخابية الأخيرة في تونس بقلم:محمد شركي


وقفة مع التجربة الانتخابية  الأخيرة في تونس

محمد شركي

الحديث عن التجربة الانتخابية الأخيرة في تونس يقتضي منا التذكير بثورة الربيع التونسي التي وضعت حدا لفترة الحكم الشمولي الفاسد ، ومهدت لأول تجربة ديمقراطية  في تاريخ تونس بعد استقلالها ، وهي تجربة كشفت عن رهان الشعب التونسي على الإسلام كحل للخلاص من الفساد السياسي الذي أفسد عليه حياته ، وتجلى هذا الرهان في التصويت على حزب النهضة  الذي يتبنى المرجعية الإسلامية ،والذي ظلت قيادته  المعارضة للنظام المنهار تعيش في المنفى طيلة حكمه المستبد  لتونس .

ولا بد من التذكير بما عرفته ثورات الربيع العربي من تآمر عليها بعدما كشفت عن رهان الشعوب العربية  في بعض القطارعلى الإسلام  لمواجهة الفساد السياسي من خلال التصويت  في أول انتخابات ديمقراطية تلت الثورات والحراك على أحزاب تتبنى  مرجعية إسلامية أو ترفعها كشعار .

ولقد أخذ التآمر على ثورات الربيع العربي وهو عبارة عن ثورات مضادة أشكالا مختلفة تراوحت بين انقلاب عسكري دموي في مصر على الشرعية والديمقراطية لمصادرة نتيجة أول تجربة ديمقراطية بعد عقود من حكم العسكر المستبد ، وبين تحويل الثورات إلى حروب أهلية وطائفية مدمرة  كما هو الحال في ليبيا واليمن ،وبين دعم نظام شمولي كان على وشك الانهيار كغيره من الأنظمة الفاسدة  وهو النظام السوري ، وبين ما يمكن تسميته بانقلابات انتخابية في أقطار أخرى كما وقع في تونس  حيث فاز  فيها حزب  يتبنى المرجعية  الإسلامية ولكن أرغم على تقاسم تدبير الشأن السياسي  مع أحزاب أخرى لم تحقق ما حققه من نتائج في الانتخابات  ، ولم يجد بدا من قبول الأمر الواقع تجنبا لمصير كمصير حزب الحرية والعدالة  المصري ، وهكذا لم يتمكن حزب النهضة من تطبيق برنامجه السياسي بسبب المضايقات المفروضة عليه من طرف أحزاب علمانية حرصت على تمرير قرارات  متجاسرة على الإسلام ومست بمصداقيته عند من صوتوا عليه.  

ومعلوم أن التآمر على ثورات الربيع العربي من خلال استهداف الأحزاب المتبنية للمرجعية الإسلامية مصدره الغرب  العلماني الذي صنع مخابراتيا عصابات إجرامية إرهابية وظفت لتشويه الإسلام بما ارتكبته من فظائع باسمه افتراء عليه ، وفي نفس الوقت استعملت كذريعة للإجهاز على  تلك الأحزاب التي أصبحت تتهم بأنها تنهل من نفس المرجعية الدينية لتلك العصابات الإجرامية بالرغم من أنها تبرأت منها وأدانت أعمالها الإجرامية وتشويهها للإسلام  وهي تصرح بتبني الاعتدال ، و قد خاضت التجارب الديمقراطية  مع غيرها من الأحزاب بما فيها العلمانية المتطرفة . واستغل الغرب سمعة العصابات الإجرامية السيئة التي بثها في بؤر التوتر خصوصا في منطقة الشرق الأوسط لاختراع  عدو سماه الإسلام السياسي ، وهو يعتبر مصدر تهديد لعلمانيته ، وللأنظمة العربية الموالية له، والتي تولت  نيابة عنها الإجهاز تخطيطا وتمويلا على التجارب الديمقراطية في البلدان التي سقطت فيها أنظمة فاسدة وأفرزت الانتخابات فيها الأحزاب المتبنية للمرجعية الإسلامية  ، وهي المقصودة بتسمية الإسلام السياسي .

وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن فهم ما أفرزته نتائج الاقتراع الأخير في تونس لاختيار رئيس خلفا للرئيس الراحل الذي كان يعتبر لدى البعض من فلول النظام المنهار بينما يعد  لدى آخرين موفقا بين  مختلف الأحزاب السياسية  بما فيها حزب النهضة وغيره من الأحزاب العلمانية  التي تقاسمت معه تدبير شؤون البلاد.

ولقد أثبتت نتيجة الاقتراع عزوف الشعب التونسي عن المشاركة فيه باعتبار نسبة التصويت التي لم تتجاوز 45 في المائة حيث اختار أكثر من نصف المسجلين وعددهم سبعة ملايين ونصف عدم المشاركة في التصويت، وكان ذلك تعبيرا عن فقدان الأمل في حصول تغيير في وضع البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهو ما كان الشعب يراهن عليه  بثورته على الفساد ، وما تلاها من تجربة ديمقراطية فشلت أو بالأحرى أفشلت ، لم تحقق له ما كان يصبو إليه .

والتصويت على مرشح مستقل يرى فيها بعض المحللين أنه فقدان ثقة في الأحزاب السياسية  الكبرى بما فيها حزب النهضة الذي كان ضحية مؤامرة خارجية عربية وغربية شوهت سمعته لدى الناخبين ، وجعلتهم يفقدون الثقة فيه مع أنه تم التضييق عليه مما حال دون  قدرته على تطبيق برنامجه السياسي الذي وعد به الناخبين  . وكيف يثق الناخبون الذين صوتوا عليه وفي فترة تدبيره للشأن العام تم تمرير قرارات لم تمرر من قبل  وهي تمس الإسلام في الصميم ، وكان ذلك بسبب تنازلاته أمام ضغوط الخارج الداعم لحزب محسوب على النظام المنهار وقد تسمى باسم جديد ، ولأحزاب علمانية لها حساسية مفرطة تجاه كل ما له علاقة بالإسلام .

وأخيرا نشير إلى أنه في الظرف العربي الحالي  من المتوقع أن تحذو شعوب عربية أخرى حذو الشعب التونسي في عدم الإقبال على التصويت للتعبير عن فقدان الثقة في انتخابات لا ينتظر منها أن ترقى إلى  طموحاتها وما تنتظره منها من تغيير في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية  .