إلى رفيقي: قد عاش سعيدًا من صادف هذا المحبوب بقلم:حامد بدر
تاريخ النشر : 2019-09-16
إن الغربة التي سعينا للولوج إليها ذاتها التي أفردت المسافات بيني وبين ارفاق، فكم من غريب اشتاق لوطنه، وحاول العود إلى بلاده وأهليه وأصدقائه، حتى وإن لم يجني الكثير من الأموال، فذلك العودُ الأحمد، لكنها الغُربة داخل القطر الواحد التي جعلت من علاقاتنا رسائل عبر الاثير قد يطويها غلق الصفحات عبر مواقع التواصل.

استيقظت في مساء يومي، فعملي الذي أتقنه لا يعرف للصباحات سبيل، لأجد رسالة أرسلها ذلك الرفيق القديم، يسألني عن أمر جاد لا هزل فيه، كانت رسالته قصيرة، ولكنها في سرعتها كانت كالرصاصة أصابت لبي الذي انفجر ليستجمع كل ما بداخله من أفكار، مستدعيًا كل المشاعر الطيبة التي تهفو إليه النفس ويرقص لها القلب احتفاءًا وحُبورًا.

لقد كانت رسالته عادية جدًا أسلوبها لا يرقى لأكثر من الشكل الخبري الذي أعتاد عليه في يومي وأألُف عرضه عبر الوسائط المتنوعة، لقد أخبرني في مضمون ذيَّله بسؤال: "اعترفت لي بالحب .. ماذا تفعل لو كنت مكاني؟"، نظرت إلى حالة صفحته لأجده غير متاح للرد عليه مباشرةً، لقد كانت تلك الحالة في حد ذاتها فرصة لأفكر بعمق وأغلق جميع ما لدي من صفحات على موقع (GOOGLE)، وأعود برأسي مُغمضًا..

لقد بدى في طرحه قلقًا فهو الذي قد أرهقته التجارب وأخذ منه الجراح ما أخذ، هو ككل الشباب في وطننا العربي يُغشي اليأس على آماله، مقتولة أغلب طموحاته، التي بدأت منذ أن طلب من والديه السفر إلى إحدى المدن الساحلية، وكان الرد "غير ممكن"، حتى طموحه في أن يحب كما أراد.

لقد كنت في حيرة، أنا الذي أؤمن بأن اختيار رفيقة الحياة لا بد أن يخضع لمعايير لا تقل عن المعايير الدولية لاختيار العناصر الكُفء في أهم المناصب، أنا الذي قد قارب الثلاثين دون يدخل تجربة، وجدتني أرد عليه:

"أكون جنته عِوضًا عن جحيمه .. حبيبًا وسلمًا له بعد حربه .. قربه بعد الفراق .. أكون له الحليف ومسار الاتفاق ..
أكون أهله ويكون عشيرتي .. أكون حمايته ودفاعه .. سأمارس ضعفي للمرة الاولى أمامه، فكم من قوي يشتاق إلى ساعة يتخلص فيها من حمل عاتقيه..
أكتب له قصيدة في كل حين .. أجعله بطلاً للدواوين ..
من وجد رفيقًا من بعد عُزلة فاز بالحظ الجميل.

في الحقيقة يا رفيقي سأتحمل حينها المسئولية كاملة .. سأقبل بهزيمة الشيب في رأسي .. وخطوط الزمن في قسمات وجهي .. سأصنع معه الحواضر، كي أستعيدها ذكريات ..
تعلم .. سأقبل حينها تحكمات وسائل المواصلات دون ضجر .. سأبتسم لجاري السئيمُ السئيم في صبيحة يوم الثلاثاء .. سأقابل رئيسي في العمل كل يوم من بوجه بسوم .. ساعتها صدقني لن أبالي بتلك القرارات التعسفية .. سيكون همِّي في كل أسبوع أين وكيف نقضيا سويًا الـ (WEEK END) ..؟

سأصير ذلك الهادئ المتأني في اتخاذ القرارات .. سأتخلى عن ثوريتي .. سأمارس جنونًا من نوع آخر لم يكن مسموحًا لي بأن أمارسه من قبل، سأشتري في كل عام زهرة أهديها إليها يوم الاحتفال بالربيع، سأنظر كل يومٍ في مرآة عيونها كي أرى نفسي ذلك العاشق العشريني، سنكبرا سويًا .. سنتجاوزا حواجز الزمان .. سنصليا سويًا .. سنحب بعضنا البعض .. سنرعيا أطفالنا .. سنحرص على تعليمهما لغتين زائدتين عن العربية في وقت صارت الللغة الصحيحة عزيزة على النطق..
سأخطو معها نحو النهاية أو حتى النهاية ..

حينها سأكون ذلك الشخص الذي عنه أتحدث.
يا رفيقي .. قد عاش سعيدًا من صادف هذا المحبوب.
تحياتي ،، "