جدل النهضة والتغيير، حوارات في الفكر العربي المعاصر بقلم: رائد محمد الحواري
تاريخ النشر : 2019-09-12
جدل النهضة والتغيير، حوارات في الفكر العربي المعاصر بقلم: رائد محمد الحواري


الحوارات واللقاءات في كتاب
"جدل النهضة والتغيير، حوارات في الفكر العربي المعاصر"
أحمد الشريقي
الحوار واللقاء مع الآخرين هو ما يميز الإنسان/المجتمع المنفتح والقادر على مواكبة العصر والحداثة، في القران الماضي كانت هناك مجموعة من الكتب صدرت تناولت أفكار وتحليلات مختلفة حول مجموعة قضايا مصرية في المنطقة العربية، منها كتاب "حوارات، كتاب ومثقفين يناقشون كريم مروة" والذي فتح آفاق أمام القارئ ليتعرف على مجموعة الأفكار والرؤى حول مجموعة من القضايا، واجزم أن مثل هذا الأدبيات تنقصنا ونحن في أمس الحاجة إليها، لأنها تؤكد وتدعو إلى التحرر من الأفكار والتحليلات الجاهزة والمطلقة، فيمكن أن نجد هنا موقف/تحليل جيد يتوافق معي/معنا وآخر لا، وهذا يجعل صاحب الفكرة/التحليل يقترب منا حتى لو كان مختلف أيديولوجيا/فكريا معنا/معي، فالحوار والقاء هو الوسيلة الأهم في ردم الفجوات وبناء الجسور في المجتمع وبين الأفراد، من هنا تكمن أهمية كتاب "جدل النهضة والتغيير، حوارات في الفكر العربي المعاصر".
الكاتب "أحمد الشريقي" أجرى مجموعة من اللقاءات مع كلا من "الطيب تيزيني، برهان غليون، حسن حنفي، رضوان السيد، سالم يفوت، فهمي جدعان، محمد الانصاري، منير شفيق" وهؤلاء مختلفين/متباينين في المنطلقات والأيديولوجية ولكنهم متفقين على الأزمة، لهذا نجدهم يتناولون الأزمة/المشكلة من زوايا مختلفة ويرسمون/يضعون اشارت للحل، وبالتأكيد هي ليست حلول مطلقة، وهذا ما يفتح الأبواب أمام القارئ ليكون مشاركا في التحليل والوقوف أمام الأزمة والحل، وليس مجرد متلقي لتعليمات/أفكار مقدسة، فيمكنه أن يتعمق/يتوغل أكثر فيما يقدمه المتحدث من أفكار، ليكون متفوق ومتجاوز ما تم طرحه.
سنقدم شيء مما جاء في الكتاب، متعلق بالأزمة/المشكلة/الواقع في المنطقة العربية والرؤية للخروج من الأزمة، يبين "الطيب تيزيني واقعنا بقوله: "... ويجب أن نلاحظ هنا أنه ما إن أخذت هذه التجربة النهضوية العربية بالسقوط حتى بدأ هناك مشروع آخر يأخذ في الصعود كجيب من جيوب الامبريالية، وهو المشروع الصهيوني، وهنا أحب أن ألفت إلى أحد أهم الكتب، هو كتاب المفكر السوري اللبناني نجيب العازوري "يقضة الأمة العربية" 1903 والمؤتمر الصهيوني عقد عام 1897، لاحظ هنا التوقيت" ص25و26.
ويقول برهان غليون عن أزمة حركة التغيير/النهضة: "...إذن علينا أن نحددها ما هي أهدافنا بالضبط، هل نريد حضارة متميزة عن الغرب؟ هل نطمح إلى تنمية تجعلنا قريبين منه؟، هل نطمح إلى مشاكلنا اليومية؟، عندما يستخدم الباحثون العرب المشروع النهضوي فإنهم يتحدثون كما و أنهم يريدون أن يقولوا إن هناك حضارة عربية متميزة كانت في السابق وينبغي إعادة إحيائها، لكنهم لا يقولون كيف، وعلى أية أسس، وإذا ما كانت هذه الحضارة مختلفة أم لا."ص40.
ويحدثنا "حسن حنفي" عن الأنظمة الرسمية العربي وطريقة استخدمها للدين: "..والسلطان الذي تنقصه الشرعية السياسية، يأتي ليطلبها من الدين ومن الشرعية الدينية، فالدين أسهل وسيلة لإضفاء الشرعية، وتهادي الالقاب، الرئيس المؤمن، أمير المؤمنين" ص50.
ويقدم "رضوان السيد" رؤيته في مسألة الهوية بقوله: "... وأنا أرى أن مسألة الهوية لا تتجدد ذاتيا وداخليا، بل لا بد من التجديد بالتفاعل، فإذا صرنا داخل العالم وشاركنا فإنه يمكننا أن نغير فيه من خلال المشاركة الفاعلة فيه لصالح هويتنا ومصالحنا...ابحث في الهوية هو كالبحث في جنس الملائكة... ولذلك ما قد يكون عنصرا ثابتا من أمس أو أول من أمس، قد لا يكون كذلك اليوم، وما يكون ثابتا وفاعلا قد يصبح اليوم غير فاعل وهامشيا" ص60 و61.
ويقول "سالم يفوت" في عين المضوع، الهوية: "...لأن الهوية لا تتحدد في الماضي، بلا تتجدد أيضا بالمستقبل، وثقافتنا عبر تاريخينا كانت معولمة، ولوعدنا إلى عناصرها ومكوناتها لوجدناها غير عربية أصيلة... أتت من هذه الرغبة في النكوص إلى الوراء، كالصبي يهرب من كل شخص غريب ويعود إلى أحضان أمه، علينا أن نتعلم من التاريخ أن المشي والجري إنما يكون إلى الأمام وليس إلى الخلف" ص73و74.
"فهمي جدعان" يجد الحل في: "...لم اتطلع إلى بناء منظومة فكرية وأيديولوجية جاهزة، أعتقد أن عصرنا لم يعد يحتمل مثل هذه المشاريع. ولا أعتقد ان ما ينقصنا الأيديولوجية الجاهزة الكاملة، يمكننا أن نبني الأيديولوجية في أيام واسابيع، لكن الأهم هو كيف نطبقها في إطار مجتمعي سياسي ... لا أريد أن أربط نفسي بمشروع جاهز، ومشروعي عمل يومي، لأنه مرتبط بالكشف عن معارف جديدة بتعديل أنماط سلوك بتوجيه أفعالنا وجهة الجدى والمنفعة" ص82.
وعن واقع المثقف يقول "محمد جابر الأنصاري":"...فمعلوم لنا أن السلطة السياسية لا ترتاح لوجوده أصلا ولا تعطيه الحرية... لست من انصار إعطاء المثقف الدور الرسالي والاستشهادي المبالغ فيه، واعتقد ان دوره الحقيقي هو معرفي في الدرجة الأول...كثير من الماركسيين قدموا تضحيات لكنهم ذهبوا ضحايا لتصورات وتشخيصات خاطئة. فإذن البداية بالنسبة لرسالة المثقف هي تشخيص الواقع كما هو، ثم الدعوة بعد ذلك لمواجهته" ص94.
ويتحدث "منير شفيق" عن تجربته في الحزب الشيوعي الأردني:" ...إنني صرت أطالب الحزب بالاستقلالية عن الاتحاد السوفياتي، ... والاجتهاد بعقولنا، فنكون مسؤولين عما نصيب أو نخطئ فيه، لا أن نصيب حين يصيب الاتحاد السوفياتي أو الصين ونخطئ حين يخطئون... وإذا بسلسة من الموضوعات تتكون لدي مخالفة لخط السوفيات وخط الحزب بالطبع، ومن ذلك: مسألة الموقف من الدولة العبرية. وكان رأيي أن نعتبر وجودها غير شرعي ونرفض الاعتراف بقرار التقسيم... ثم هناك الموقف من الوحدة العربية... فالمهم هو الوحدة وفي ظلها يمكن أن تصحح السياسات ويدافع عن الديمقراطية وإطلاق قوى الشعب" ص108.
مثل هذا الأفكار المتشعبة والمتنوعة بالتأكيد تفتح الأبواب أمام القارئ للاجتهاد والتفكير، ليكون مفكرا وفاعلا وليس مجرد وعاء لتعبئة وحفظ ما يُضع فيه، ومن هنا تكمن اهمية التنوع والتعدد، فهي أحد أهم الوسائل التي تحرر الإنسان/المجتمع من التكفير/التخوين/الانزواء.
الكتاب من منشورات أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى .2002