المقاومة الفلسطينية ودروس حزب الله بقلم: عماد عفانة
تاريخ النشر : 2019-09-12
المقاومة الفلسطينية ودروس حزب الله بقلم: عماد عفانة


المقاومة الفلسطينية ودروس حزب الله

كتب: عماد عفانة

اعتادت المقاومة الفلسطينية أن تسجل سبقا في كثير من المحطات العربية، وأن تمثل نبراسا وقدوة ومثالا يحتذى لكثير من حركات التحرر التي بالمناسبة حققت غالبيتها أهدافها فيما تراوح المقاومة الفلسطينية مكانها لأسباب ربما خارجة عن قدرتها.

كان للمقاومة الفلسطينية في لبنان تاريخ طويل من النضال قبل تأسيس حزب الله، وخاضت كما خاض صراعا صفريا من المحتل الصهيوني دفاعا عن لبنان ولتحرير الجنوب اللبناني ونجح بقوة السلاح، وانسحب العدو تحت النار ودون اتفاق.

على عكس المقاومة التي كان يقودها الراحل أبو عمار التي أنجزت انسحابا مشروطا للاحتلال من الأرض المحتلة.

وراكم حزب الله الخبرات حتى بات يوصف بانه عدو ذكي وعنيد وخصم شديد المراس، وتطور الأداء السياسي لهذا الحزب حتى بات وكأنه يحكم لبنان حتى دون أن يجلس على مقعد الرئيس في بعبدا.

تطور في الأداء وتطور في الخطاب للحزب نجح في أن يجبر "إسرائيل أن تجلس على "رجل ونص" في انتظار تنفيذ حزب الله تهديده بالرد على غزوة طائراتها المسيرة في بيروت، الأمر الذي شكل ردعا وردا وتوازن غير مسبوق كان أكبر حقيقة من الرد الذي نفذه الحزب على الأرض.

تطور لم نرى مثيلا له في اداء المقاومة الفلسطينية، فمعادلة حزب الله كانت تضع ضرب جنوب لبنان مقابل ضرب شمال الكيان، وضرب بيروت مقابل ضرب تل ابيب وحيفا، وضرب شمال لبنان مقابل ضرب ايلات والنقب، وتضع المساس بمنصات الغاز اللبنانية مقابل المساس بمنصات العدو في البحر، ثم توجه نصر الله بوضع حد لاستباحة سماء لبنان بقرار اسقاط المسيرات في سماءه.

حقيقة لا تقاس قدرات حزب الله العسكرية بقدرات المقاومة الفلسطينية، فالحزب تقف خلفه إيران تمويلا وتسليحا وتدريبا وتخطيطا، ولديه معابر وسماوات مفتوحة للدعم والاسناد الأمر الذي تفتقر له المقاومة الفلسطينية بشدة.

كما أن الحزب فضلا عن كونه مكون أساسي من مكونات نظامها السياسي، فإنه تمكن سياسيا من استمالة أركان الدولة اللبنانية، فلديه تنسيق عالي المستوى مع رئيس الدولة، وتنسيق ميداني مع أجهزة الدولة المختلفة وجيشها، ويحاول ألا يستفرد بقرار قد يدخل الدولة في حالة حرب تجر عليه مزيد من الويلات مستخلصا العبر من حرب 2006م.

في حين تفتقر المقاومة الفلسطينية أصلا إلى كيان سياسي متماسك لديه الجرأة فضلا عن القدرة على تشكيل ظهير سياسي للمقاومة الفلسطينية.

 فوجود هذا الكيان المتمثل بمنظمة التحرير انتهى بإلغاء ميثاقها كانون الأول 1998م، أما وريثتها المتمثلة بالسلطة فهي عمليا مكبلة بالاتفاقات التي حولتها عمليا إلى مجرد وكيل أمني للاحتلال، واستمرار وجودها بات مرتبطا ارتباطا شرطيا بأداء هذا الدور.

فقدرات المقاومة الفلسطينية ربما تسمح لها عمليا أن تضرب مدن جنوب الكيان كلما ضرب العدو غزة، لكن هل غزة المحاصرة والمستنزفة تحتمل عمليا الردود المدمرة من ترسانة العدو الهائلة!

بالطبع لا، لكن في المقابل فان الجمهور الصهيوني أيضا لا يحتمل استمرار تنقيط الصواريخ على مدنه وعلى مصالحه الحيوية، الأمر الذي ربما بات على المقاومة دراسته لجهة تغيير المعادلات والصعود درجة في سلم توظيف الفرص المتاحة.

ربما تشظي الجغرافيا السياسية الفلسطينية لا تتيح للمقاومة الفلسطينية التي باتت محصورة عمليا في قطاع غزة أن تشكل وحدها اليد الرادعة للمحتل كلما اعتدى مدن وقرى الضفة المحتلة، أو كلما اقتحم قطعان مغتصبيه الأقصى المبارك.

 لكن في المقابل ربما المؤامرة الكونية على انهاء المقاومة الفلسطينية قبل ان تتمكن من تنفيذ مثل هذه المعادلة، يشكل دافعاً كبيراً لها لإعادة دراسة جدوى لعب هذا الدور لاستثمار فائض القوة التي باتت تمتلكه، ليس فقط لكسر الحصار عن غزة وتحصيل مشاريع لسكانها أو دعم مالي متقطع لفقرائها من قطر او من غيرها.

فالمقاومة الفلسطينية في غزة لم تكن للدفاع عن غزة، بل لتحرير كل شبر من فلسطين، وإذا كنا غير قادرين على ذلك الآن فلا أقل من ارباك المحتل وهز أركانه على كل شبر من فلسطين المحتلة، في وقت ليس للمقاومة فيه ما تخسره.

المقاومة سبقت حزب الله في عملية قصف الباص بالكورنيت، وتعمدت عدم وقوع قتلى صهاينة بهدف استثمار العملية سياسياً لا جر المنطقة الى حرب جديدة، وهو تماما ما فعله حزب الله، لكن مع فارق أن عملية الحزب أرست قواعد اشتباك جديدة، فيما عملية المقاومة في غزة لم تفعل.

كما ان المقاومة الفلسطينية ربما باتت بحاجة لاستثمار سياسي يضعها في واجهة مشهد التمثيل الفلسطيني عوضا عن السلطة التي بات بقائها مصلحة "اسرائيلية"، لتصبح المقاومة هي من تدافع عن مدن الضفة وعن الأقصى المبارك، وعن الأغوار، وحتى عن الأسرى في سجون العدو، تماما كما تدافع عن غزة، وتجبر العدو على وقف توسعه الاستيطاني، ربما بدك مغتصبة مقابل زرع أخرى جديدة في أرضنا، وضرب تل أبيب كلما ضربت غزة، وتشويش حياة مغتصبيه كلما داهم منزلا او اعتقل العدو فلسطيني في أي قرية أو مدينة.