الانتخابات الإسرائيلية بين الأيديولوجيات واستطلاعات الرأي بقلم:أ‌.عادل ياسين
تاريخ النشر : 2019-09-11
الانتخابات الإسرائيلية بين الأيديولوجيات واستطلاعات الرأي بقلم:أ‌.عادل ياسين


الانتخابات الإسرائيلية بين الأيديولوجيات واستطلاعات الرأي

إحدى الركائز الرئيسة التي تعتمد عليها الأحزاب السياسية في معركتها الانتخابية وسعيها لإقناع الناخب لكسب صوته هي الرؤية الشاملة والأيديولوجية الخاصة بها والتي تُميزها عن غيرها من الأحزاب ؛ إلا أن ما تشهده الحلبة السياسية في إسرائيل وخصوصا في المعركة الانتخابية الحالية يُجسد وبوضوح غياب الأيديولوجيات وتلاشي الفروقات, فلا تكاد تُميز بين موقف للمعسكر اليميني وموقف معسكر الوسط واليسار حيث باتت السمة الغالبة هو الانجرار خلف استطلاعات الرأي وملائمة مواقف الأحزاب حسب ما يميل إليه غالبية الجمهور وذلك على قاعدة " ما يطلبه الناخبون" وليس أدل على ذلك هو موافقة زعماء التيارات الدينية القومية على ترأس وزيرة العدل السابقة آيليت شاكيد زعامة حزب (إلى اليمين) لأنها تحظي بقبول أكثر في الشارع الإسرائيلي رغم تعارض القرار  مع طابع وخصوصية التيارات الدينية القومية لكونها علمانية وامرأة, هذه الحالة تُعتبر هامشية مقارنة بما يحدث في حلبة الصراع بين الأحزاب السياسية  والتي تتمحور حول عدة مسارات أهمها:

أولا: الانزياح الواضح للجمهور الإسرائيلي نحو اليمين بجميع تصنيفاته العلمانية والدينية أدى إلى احتدام الصراع بين الأحزاب السياسية لنيل رضاه وإظهار مدى تمسكهم بالمواقف اليمينية التي تنسجم مع ميوله ورغباته، ومن الملاحظ بان زعماء حزب "أزرق أبيض" الذي يُصنف ضمن معسكر الوسط باتوا يرددون نفس الشعارات التي يرددها زعماء اليمين المتطرف, كالتعهد بعدم إخلاء مستوطنات والاحتفاظ بغور الأردن واعتبار القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل, بل إن أحزاب الوسط واليسار على حد سيان لم تجرؤ على ذكر حل الدولتين واقتصرت على إبداء موافقتها لتجديد المفاوضات  للتوصل إلى اتفاق مبدئي وليس نهائي والتأكيد على ضرورة تقديم المساعدة للسلطة الفلسطينية لإعادة فرض سيطرتها على غزة.

ثانيا: فشل نتنياهو في تشكيل حكومة برئاسته واضطراره للتوجه لصناديق الاقتراع مرة أخرى خلال عام واحد أدى إلى احتدام الصراع على أصوات الجمهور اليميني حتى داخل الأحزاب اليمينية وقد استخدموا مصطلح (يساري) الذي يرمز إلى السلام كمصطلح معيب لتشويه صورة الخصوم، ومن المفارقات العجيبة هو اتهام نتنياهو للمتطرف ليبرمان بأنه يساري واتهام اليميني المتطرف بتسئيل سموترتش لنتنياهو بأنه يسعى لتشكيل حكومة يسارية رغم أن حكومته من أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل.

ثالثا: التهافت على أبواب المنتديات الخاصة بالشواذ الجنسيين " المثليين" لاسيما وأن الدراسات تشير إلى أن نسبتهم توازي 14 مقعد في الكنيست وهو العدد الذي تحلم بعض الأحزاب والكتل الوازنة الحصول عليه, وقد دفعت هذه المعطيات بقادة الأحزاب للمسارعة في تقديم الوعود والتعهدات بمنحهم المزيد من الحريات, حتى لو تعارضت مع مبادئهم فها هو ليبرمان الذي هاجمهم قبل فترة يعلن بأنه سيشكل تيار خاص بهم , أما نتنياهو فقد عين المثلي أمير أوحانا وزيرا للعدل , كما ترأس نيسان هورفيتس زعامة حزب ميرتس وتولى إيتسك شمولي منصب رفيع في حزب العمل , ومن الغريب بأن حزب اليمين الجديد الذي يتبنى رؤية دينية قومية قد أبدى تأييده ومساندته للقرارات التي تمنحهم حرية العمل.

رابعا: الارتفاع الحاد في نسبة المتعاطين لأحد المواد المخدرة "الكنابيس" حيث تضاعفت نسبتهم في إسرائيل أربع مرات خلال الأعوام الماضية لتصل إلى 30% تقريبا، أدى إلى تسارع قادة الأحزاب للتعهد بشرعنة استخدامها تحت مسميات وذرائع متعددة؛ بل إن حزب " زهوت " جعل من هذه القضية محور لدعايته الانتخابية رغم طابعه الديني.

ما ذكرناه آنفا هو غيض من فيض وزاوية واحدة من زوايا المشهد السياسي في إسرائيل, أما ما تحتويه الثنايا فيدل على تعقيدات المشهد أكثر وأكثر لاسيما وأن بعض الأحزاب الوازنة تشمل على تيارات لا تخلو من التناقضات وعلى جماعات ضغط داخلية لتحقيق مصالح خاصة كتيار سائقي الدراجات النارية وممثلوا الشركات الصناعية والمطارات وغيرها , مما يفسر أيضا سبب حل الحكومات قبل انتهاء مدتها القانونية وعجزها عن اتخاذ قرارات مصيرية كقضية التجنيد وإجراءات تقديس حرمة السبت وغيرها من القضايا الشائكة كما يدل على تراجع المنظومة السياسية في إسرائيل وفعاليتها.

أ‌.                 عادل ياسين
مختص بالشأن الإسرائيلي
مسئول القسم الإسرائيلي في فضائية القدس سابقا
  [email protected]