التواصل الاجتماعي والحوار المجتمعي .. صراع الجيل بقلم:حامد بدر
تاريخ النشر : 2019-09-11
نحن لم نكن نعرف التواصل الاجتماعي الطبيعي، إلا حينما تخاطبنا، وكسرنا جمود السكون، فكانت حالة من الحراك الاتصالي، حملت في طياتها كل المشاعر والرسائل على مختلف أنواعها "البسيطة، والمعقدة، والمسهب، والمقتضب، .. إلخ"، فهدفت حين هدفت إلى تحقيق غاية المجتمع الكبرى وهي درء الانعزالية، وأن لا يكون الفرد في هذه الدنيا وحيدًا، وبخاصة أنه هو الذي سعى أن تكون هناك علاقة بينه وبين الآخر، منذ نزول آدم وحوّاء على هذه الأرض.
لقد بدأت الحياة بالتخاطب، حتى نزول آدم على الأرض بدأ بحوار بينه والشيطان، لم يكن فقط عصيان بل كان نقطة بدء، إذ أن الحوار كان البداية، لا يمكن الجزم بعدم أهمية ذلك الحوار لبدء جديد.

إن اليوم وبعد سنين طويلة من التطور، صار هذا التواصل الاجتماعي نعمة ورفاهية كبيرة حققت وفرة في المعلوماتية، وكذلك العلاقت الإنسانية بين الأفراد والأطراف في شتى الكيانات، جاوزوا سويًا حدود الدول، إلا أنها صارت في ذات الوقت تمثل قلقًا لكيانات أكبر حجمًا، وبخاصة حين شاب هذه الوسيلة التفاعلية بامتياز، الكثير والكثير من الأزمات .. كالإرهاب الإلكتروني، وبث الشائعات، .. وغيرها من العديد من جرائم الإنترنت والاستخدام غير المشروع لشبكتها العالمية منذ بداية نشأتها (WWW)، في وقت كانت الحكومات – وأخص العربية – قد فقدت أغلب مصادقيتها لدى الشعوب – وأقول مصداقيتها لا صدقيتها – فالمعيارين هنا يختلفان.
بعد فترة من توغل شبكات التواصل الاجتماعي داخل شتّى المجتمعات (وأخص العربية)، صارت الأزمة تتبلور بشكل كبير، فصار الحوار المجتمعي (والذي تعرفه منظمة العمل الدولية أنه يشمل جميع أنواع التفاوض أو التشاور وتبادل المعلومات بين ممثلي الحكومات وأصحاب العمل والعمال بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية) المتلفز (المنقول عبر التليفزيون)، الذي شابه الكثير من الشوائب والمعالجات الخاطئة، ينتقل إلى الحوار التفاعلي عبر التواصل الاجتماعي، الذي للأسف لم يوفر ضوابط لذلك الحوار "مضمونًا وشكلاً" جديرين بالثقة حتى الآن، وبخاصة بعد سن القوانين (المانعة والحاجبة)، والتي مثلت (محاذير) ولم تمثل معايير تحدد أمان وإمكانية استمراره الحر والمتحرر من سيطرة الروتين.
في بعض المجموعات (Groups) التي تضمها شبكات التواصل الاجتماعي، تجد تعليمات وتحذيرات من أبرزها "إزدراء الأديان – السب والقذف - التعرض لما يثير الفتن"، لكنها أيضًا تعاني من افتقاد ضمان تواصل حر، صحيح أنه لا حرية مطلقة، لكن أيضًا صارت تعاني هذه الشبكات من افتقاد الثاقف (الرغبة في استيعاب ثقافة الآخر). فيقول علماء الاجتماع أنه حين ينتقل الأفراد عبر الحدود الوطنية يواجهون تحديات حول الاعتراف بنظام التواصل الفعال وطرق التعلم المختلفة بإقامة علاقات مع الآخرين.
إلا أن مجموعات التواصل الاجتماعي وابرزها Face Book، حققت إمكانية أخرى صادت من البدهيات صارت تحقق إمكانية الإفصاح عن الرأي وتكوين جماعات ومجموعات يتم من خلالها طرح الآراء المختلفة، ومحاولة تحدي هذا العائق السابق، لتتحول هذه المجموعات إلى مؤتمرات مصغرة تضم مختلفي الثقافات والإيديولوجيات المتنوعة.
في ذات اللحظة لم تزل المؤتمرات التي تحاول الحكومات والكيانات الكبرى تدشينها كل يوم، تضم في إطارها أشخاص معينين، أو بالأخص أشخاص لهم مميزات خاصة، وكذلك أشخاص ذوى معايير خاصة جدًا تتناسب وطبيعة هذه المؤتمرات، وخاصة وزان هذه المؤتمرات تُبث عبر التليفزيون، فتصير الحوارات وطرح التساؤلات ذات طابعًا بروتوكوليًا، فتفتقد التشجيع والتأييد المناسب لحجمها، حتى و إنْ اكتسبت المصداقية لدى المجتمع بكل أطيافه، وبالأخص الشباب.

الحقيقة أن هذه المؤتمرات الشبابية والتي يحاضر فيها كبار الشخصيات ويحاورون الشباب في قضايا خطيرة، تفتقد الكثير من الواقعية وتأييد أطياف أغلب المجتمع لها، فيصر كل منها بمثابة عُرْسًا يتباهي بما فيه من تنسيق وفخامة.
وعلى النقيض لا نجد أيضًا عبر وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي، إطارً أو معيارًا ضامنًا لتواصل فعال، ودائم، وموثوق فيه.

مثلت هذه الحالة السابقة صراعًا ليس فقط بين طبيعتين لوسيلتين أو نوعيتين من النتواصل متباينتين في الخصائص، بل صراع بين (مستخدم فعّال) لشبكة وهمية يصطحب قضية فعَّالة، وآخر (منضم) في عُرس حقيقي تجسدت في جنباته كل الدعائم وإمكانية (الاتصال المواجهي والجمعي)، مفتقدًا لروح القضية الفعّالة.

وأخيرًا:
على الحكومات وكبرى الكيانات، أن لا تسعى فقط لسن قوانين (محاذير) مقيدة لمستخدمي التواصل، بل عليهم محاولة الاستيعاب وتكوين جيل جديد يتلاشى بين أفراده هذا الصراع..

فأنّى يتحقق وكيف؟