رحالة الذين زاروا فلسطين بقلم: عصام سمير دلول
تاريخ النشر : 2019-09-10
رحالة الذين زاروا فلسطين
أهداف الدراسة :
تهدف هذا البحث إلى الكشف عن مدى التعرف على رحالة الذين زاروا فلسطين:

- التعرف علي اهم رحالة الذين زاروا فلسطين و مدي تأثيرهم في تأسيس في فلسطين لهم .
- تهدف الي مدي اهم رحالة الذين زاروا فلسطين في مجال المفكرين و اساليب و منهجهم.
- تهدف من الاغراض رحالة الذين زاروا فلسطين التي سوف يحققها في فلسطين من حضارية و تاريخية و الاجتماعية و الاقتصادية ؟
المنهج المستخدم :
اعتمد الباحث في الدراسة على المنهج البحث التاريخي، وإعطاء صورة توضيحية عن أغراض وأهدافها وما ترتب عليها من نتائج ، مع الوضع في الاعتبار اعتماد الباحث على المنهج التاريخي لتوثيق الوقائع التاريخية .
أهمية البحث :
- معرفة رحالة الذين زاروا فلسطين وأوسعهم نشاطا ومن الذين عملوا بحماس في سبيل نصرة تاريخية في فلسطين.
- بما يحصل من رحالة الذين زاروا فلسطين و اهمية و تاريخها .
- تهتم في كشف طبيعتهم وتفكيرهم وآراءهم رحالة الذين زاروا فلسطين .

رحالة الذين زاروا فلسطين
مقدمة :
كان معظم المؤرخين العرب جغرافيين، وغالبية مؤلفاتهم يمكن تصنيفها في ما يعرف بالجغرافية التاريخية، ومع أن معظم هؤلاء ولد وعاش في العراق أو فارس أو الأندلس، وقلَّ منهم من ولد وأقام في فلسطين، بيدَ أن نصيباً وافراً وغزيراً مما ألَّفوه من كتب أو قاموا به من رحلات كان حول الأرض المقدسة. ولعل من أقدم من زار فلسطين وكتب عنها المؤرخ الجغرافي ابن خُرداذْبَة 205-280هجري، وهو مؤلف كتاب" المسالك والممالك"، وقد كان جل اهتمامه بالطرق والجباية والمسافات، فذكر المسافة بين كل بلدة وأخرى، مبتدئاً ببيت المقدس حتى وصل الى الفسطاط في مصر، ووصف كور طبرية، وبيسان، وصفورية وعكا، والرملة واللد ونابلس وقيسارية وغزة من المدن والقرى في فلسطين، حيث قام بتحديد المسافات بينها.
وفي الربع الأخير من القرن التاسع الميلادي الموافق للقرن الثالث الهجري، ألَّف المؤرخ الجغرافي أحمد بن إسحاق اليعقوبي 231-318 هجري كتاب "البلدان" بعد ان ساح في الأقطار الإسلامية شرقها وغربها، وكان جُلَّ اهتمامه في الجانب الإحصائي الطوبوغرافي والسكاني، على عكس الجغرافيين والمؤرخين الذين سبقوه الذين تركز اهتمامهم في العجائب والأساطير. فذكر اليعقوبي في كتابه المذكور منطقة الغور ومدينة واريحا - كما يلفظها أهل منطقة القدس - وأهلها قوم من قيس وفيها جماعة من قريش، ويسهب في ذكر مدينة بيت لحم وعلاقة السيد المسيح بها، فضلاً عن ذكره لمدينة طبرية وحمامتها المعدنية واللد والرملة ونابلس وبها أخلاط من العرب والعجم، وهكذا حتى يصل الى جنوب فلسطين في رفح وحدود العريش.(1)
وذهب المؤرخ الجغرافي أحمد بن يحيى البلاذري 279هجري الى أبعد من ذلك، حين أرخ في كتابه"فتوح البلدان"للأخبار المحلية في فلسطين سواء العسكرية او السكانية وعن تطور الأبنية الشهيرة. وفي القرن الرابع الهجري، الموافق للعاشر الميلادي سطع اسم المؤرخ الرحالة البحاثة علي بن الحسين المسعودي 346 هجري، وكان من أهم كتبه"التنبيه والإشراف"، حيث ظهرت فيه عمليات البحث الموسعة في مناطق كثيرة في العالم الإسلامي وخصوصاً فلسطين، ثم جاء معاصره الجغرافي الرحالة أبو إسحاق الاصطخري 346 هجري مؤلف كتاب"صور الأقاليم"وقد أولع بالأسفار، وقد أتى على ذكر كثير من مناطق فلسطين ومدنها، وقام بتوصيف أشجارها والفواكه هناك، كما وصف الغور ونخيله وعيونه ومناخه، فضلاً عن ذكره لمدينة طبرية وعيونها الحارة التي تفيد في الشفاء من الكثير من الأمراض المستعصية.(2)
__________
1) أبي محمد قاسم بن علي الحريري(ت 516ه) ، منظومة في النحو، دار الكوثر للنشر و التوزيع ،ص31.
2) محمد جميل الشطي، مختصر طبقات الحنابلة، مطبقة الترقي بدمشق،ص52.
ومن المؤرخين الذين طافو في فلسطين وذكروها في كتبهم المؤرخ الرحالة محمد بن حوقل 367 هجري ، وتشير المصادر التاريخية الى انه طاف في البلاد الاسلامية لمدة ثمان وعشرين سنة. ومن أشهر الجغرافيين الذين طافو البلاد الاسلامية في القرن الرابع الهجري الموافق للعاشر الميلادي، الجغرافي شمس الدين ابو عبدالله محمد بن احمد بن أبي أبكر البناء البشاري المعروف بالمقدسي لأنه ولد في القدس 336-380 هجري، وهو القائل عن نفسه"سميت بستة وثلاثين اسماً دعيت وخوطبت بها، مثل مقدسي وخرساني ومصري ومغربي وفلسطيني... الخ، وذلك لكثرة البلاد التي حللتها"، وكتابه الشهير هو"أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"وهي من أهم الكتب التي تصف الدول الإسلامية، ولم يفته ذكر مذاهب السكان في فلسطين وتجارتهم، فضلاً عن ذكره لأهمية الصناعة والأعياد في كل بقعة من زواياها، وقام بتقسيم تضاريس فلسطين الطبيعية الى أربعة صنوف، وعندما تحدث عن المدن والقرى في فلسطين، أشار الى كل معلم تاريخي وجغرافي.
وفي القرن السادس الهجري الموافق للقرن الحادي عشر الميلادي، ظهر المؤرخ والرحالة الفارسي ناصر خسرو 394-481 هجري ، وضمَّن في كتابه"سفر نامة"اخباراً عن اجتيازه للمدن الفلسطينية في طريقه لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة، وقام بتوصيف عكا وطبرية ومدينة حيفا في الساحل الفلسطيني، وضمن الكتاب أيضاً وصفا للحرم القدسي الشريف، حيث تطرق الى معلومات دقيقة تعتبر حتى أيامنا هذه من أدق المعلومات حول الحرم القدسي الشريف للباحثين في التاريخ والجغرافية، وألقى الضوء أثناء سفره على الكثير من الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لفلسطين قبل غارة الصليبيين عليها.
وتميز القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي بالكتابة عن جغرافية فلسطين أكثر من غيرها، ومرد ذلك الى استيلاء الصليبيين على بيت المقدس وقسم كبير من هذه البلاد المقدسة، ومن أبرز الكتاب الذين كتبوا عن فلسطين في تلك الفترة الرحالة الأندلسي ابن جبير540-614 هجري حيث زار مدينة عكا الساحلية، كما زار بيت المقدس بعد فتحه من قبل صلاح الدين الأيوبي، وقد عنى الرحالة المذكور بالنواحي الاجتماعية ولاقتصادية، وقد أفاد عدد كبير من الجغرافيين من بعده.(1)
ومن الرحالة والجغرافيين الذين كتبوا عن فلسطين وقلبها مدينة القدس المؤرخ علي بن أبي بكر الهروي في القرن السادس الهجري 611 هجري ومن أهم كتبه التي تضمنت شرحاً وتوصيفاً لطبيعة فلسطين وجغرافيتها كتاب "الإشارات الى معرفة الزيارات"، وقد أفاد من كتاب الهروي كثير من الرحالة والمؤلفين، منهم ابن العديم 588-660 هجري والمؤرخ ابن شداد 613-684 هجري، وأشارت الدراسات المختلفة إلى أن ياقوت الحموي 574-626 هجري قد استفاد الى حد كبير من كتب الهروي، وكان الحموي زار فلسطين مرتين وقال في تعريفها"إنها آخر كور الشام من ناحية مصر، قصبتها بيت المقدس، ومن أشهر مدنها عسقلان والرملة وغزة وقيسارية ونابلس وأريحا، وقد بين النطق الصحيح لكل معلم جغرافي في المناطق المذكورة.
__________
1) البغدادي، المصدر السابق، مجلد1،ص544.
استمرت الرحلات الى فلسطين، ففي القرن الثامن كان ابن بطوطة 703-779 هجري الملقب بأمير الرحالين قد زار فلسطين وأقام فيها في طريقه الى الحج مرات عدة، وفي كتابه"تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"وصف دقيق لجغرافية فلسطين. ومن جغرافيي القرن الثامن الهجري أيضاً برهان الدين بن فركاح، وقد خصَّ فلسطين في اثنين من كتبه بقدر كبير ووافٍ في مجالي الجغرافية التاريخية والآثار المختلفة، وبرز في القرن التاسع الهجري اسم أبو البقاء يحيى بن شاكر بن الجيعان 814-885 هجري، حيث الف كتاب"تاريخ قايتباي"شرح من خلاله رحلة الملك الاشرف قايتباي 815-901 هجري الى سورية سنة 882 هجرية على شكل يوميات، وقد تضمنت بعض المعلومات الجغرافية عن المدن الفلسطينية التي زارها كغزة والناصرة وصفد في الجليل الفلسطيني.(1)
توالت الرحلات والكتابات من جانب الجغرافيين والمؤرخين المسلمين خلال القرنين القرنين التاسع والعاشر الهجريين، فكان كتاب "الانس الجليل بتاريخ القدس والخليل "للمؤرخ الباحث مجير الدين عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن العليمي الحنبلي المقدسي 860-928 هجري من أهم الكتب التي وصفت القدس والخليل والحروب التي دارت هناك، وتمت عملية تسجيل لوقائع مختلفة في تلك المناطق، في مقابل ذلك اقتصرت الكتابات الجغرافية في القرن الحادي عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي على الأماكن المقدسة في فلسطين، ومن أشهر الكتابات الجغرافية في تلك الفترة، ما كتبه الشيخ مصطفى أسعد أحمد الدمياطي اللقيمي مؤلف كتاب" سائح الأنس برحلتي لوادي القدس" سنة 1143 هجرية، وكذلك ما كتبه عبدالغني بن إسماعيل النابلسي 1050-1143 هجري في كتابه "الحضرة الانسية في الرحلة القدسية "الذي استفاض فيه في شرح ما شاهده في مدن فلسطين: عكا والناصرة ونابلس والقدس والرملة ويافا وعسقلان وغزة وخان يونس وذلك أثناء رحلته الى فلسطين سنة 1101 هجرية.(2)
مما تقدم يظهر أن موقع فلسطين الجغرافي المهم، وكثرة المقدسات فيها، والنشاطات المختلفة لأهلها من صناعة وزراعة وبناء، جعلها حاضرة في أهم كتابات الرحالة المسلمين خلال القرون الماضية، الأمر الذي يتطلب من مراكز البحث الفلسطينية والعربية على حد سواء إعادة البحث في مزيد من الكتابات التاريخية والجغرافية حول فلسطين وترجمتها الى لغات عدة ونشرها لدحض الأفكار الصهيونية التي تحاول تزييف تاريخ فلسطين العربي والإسلامي.
__________
1) محمد جميل الشطي، مختصر طبقات الحنابلة، مطبقة الترقي بدمشق،ص56.
2) إسماعيل باشا البغدادي، هداية العارفين، أسماء المؤلفين وأثار المصنفين،ص78.



الفصل الاول
اهمية الرحلات التي زارت فلسطين

المبحث الاول
أدب الرحلات الدينية

المبحث الثاني :
أشهر رحلات الدمشقيين إلى فلسطين وبيت المقدس


الفصل الاول
اهمية الرحلات التي زارت فلسطين
تمهيد :
حملت مدينة القدس عبر تطورها التاريخي، وصولاً إلى عصرنا الحاضر، عدة أسماء، منها أورشـليم، وتعني مدينة السلام، يبوس نسبة إلى سكانها اليبوسيين الأوائل، المدينة، إيليا كابيتولينا، إيليا، بيت المقدس، القدس الشريف، دار السلام والقدس.
ويذكر أهل اللغة أن معنى القدس والقُدُس ــ بسكون الدال المهملة وضمّهاــ هو الطهر والبركة، والتقديس هو التطهير والتبريك وتنزيه الله تعالى عما لا يليق بذاته العليّة عزّ وجلّ.
ومن الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) الذين دخلوا بيت المقدس إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب وداوود وسليمان وموسى وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد.(1)
ومن الصحابة (رضوان الله عليهم) عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وأبو الدرداء عُوَيمر بن عجلان، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وابناه عبد الله وعبيد الله، ومعاذ بن جبل، وأبو ذر الغفاري، وسمرة بن جندب، وسلمان الفارسي، وخالد بن الوليد، وعياض بن تميم، وعبد الله بن سلام، ويزيد بن أبي سفيان، وأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر.
ومن التابعين (رحمهم الله) كعب الأحبار، وهو مخضرم، وعبيد عامل عمر بن الخطاب على بيت المقدس، وعمير بن سعيد، ويَعْلَى بن شدّاد بن أوس، وجُبير بن نُفير الحضرمي، وأبو نُعَيم المؤذن، وأبو الزبير المؤذن، وأبو سلاّم ممطور الحبشي، وعبد الرحمن بن تميم الأشعري، وقَبيصَة بن ذُؤَيب، وعبد الله بن مُحَيريز، وهانئ بن كلثوم، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز، ورابعة العدوية . (2)
ونظراً إلى ما تتميز به مدينة القدس من أهمية دينية تاريخية وحضارية، فقد حظيت بمكانة مرموقة في الوجدان العربي، ومنذ صدر الإسلام اهتم الرحالة العرب الذين وفدوا فلسطين على مر العصور بزيارة أماكنها المقدسة ومعالمها التاريخية ونالت مدينة القدس القسط الأوفر من عنايتهم ، وقد دون بعضهم صفحات بالغة الأهمية عن رحلاتهم، وفي طليعتهم من رحالة أهل الشام والأندلس والمغرب الذي زاروا القدس أبو بكر بن العربي الذي زارها سنة 485 هـ وابن بطوطة الذي زارها سنة 662 هـ. أما أكثر الرحلات إثارة للجدل فهي رحلة الإمام الشيخ محيي الدين بن عربي الذي ولد بمرسية سنة 560هـ واستقر في فاس عام 591 هـ ،
___________
1) مجير الدين العليمي، الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مكتبة المحتسب، ج1 ص38.
2) عبد الحميد ، رافت ، الآداب الرحلات الي بلاد الشام ، ط1، 1990م، دار النور للنشر و التوزيع ،ص88.
ثم رحل لأداء فريضة الحج في سنة 598 هـ ووصل بغداد عام 601 هـ ، وقصد القاهرة سنة 603 هـ وجادل فقهاءها في وحدة الوجود وكادوا يبطشون به لولا ان السلطان العادل الأيوبي تدخل وحماه فعاد إلى بغداد سنة 608 هـ والتقى بالسهروردي ، ثم غادر القاهرة إلى حلب فاحتفى به السلطان الظاهر غازي ، وأخيراً استقر به المقام في دمشق حتى توفي رحمه الله عام 638هـ ، وفيها ألّف كتابيه الشهيرين (فصوص الحكم) و(الفتوحات المكيّة).
المبحث الاول
أدب الرحلات الدينية
من أشهر الرحلات التي قام بها أهل الشام إلى فلسطين تلك التي ذكرها المربي والأديب المقدسي أحمد سامح الخالدي(1896-1951م) في كتابه الشهير «رحلات من دمشق إلى القدس»، وقد صدر الكتاب في طبعته الأولى في مدينة يافا عام 1946م، وأعيدت طباعته ضمن سلسلة (آفاق ثقافية مقدسية) التي أصدرتها الهيئة العامة السورية للكتاب بمناسبة اختيار القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009م، وقد قدم لهذه الطبعة وأعدها الأديب خيري الذهبي الذي يقول عن هذا الكتاب: "في كتابنا هذا شكل جديد من أدب الرحلات والرحلات الدينية تحديداً أي الشكل المبسط من الحج، والحج طقس موجود في الكثير من الأديان".‏
ويستعرض الكتاب أربع رحلات دينية من دمشق إلى بيت المقدس، قام بها في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري (السابع عشر ميلادي)، ثلاثة أعلام هم، الشاعر الصوفي والمؤلف الشهير والرحالة عبد الغني النابلسي الدمشقي، وكانت رحلته من دمشق إلى بيت المقدس وما حواليها ذهاباً واياباً في عام (1101هـ-1689م)، والشيخ مصطفى البكري الصديقي الدمشقي، وهو باحث ورحالة وتلميذ للنابلسي، قام برحلتين الأولى عام (1122هـ-1710م) والثانية في (1126هـ-1714م)، وأما الرحالة الثالث فهو الشيخ مصطفى أسعد اللقيمي، ولد في دمياط سنة (1105هـ-1693م) ونزل دمشق وفيها توفي عام (1178هـ-1764م)، وقد قام برحلته التي أسماها "سوانح الأنس برحلتي لوادي القدس" عام (1143هـ-1730م)، وهو من مريدي الشيخ مصطفى البكري، وقد اجتمع به القدس. (1)
ويعلق الذهبي على هذه الرحلات بقوله:‏
«يا حبذا لو أن النابلسي والبكري والدمياطي وصفوا لنا البلاد وصفاً موضوعياً أكثر مما فعلوا، ولكن هؤلاء الثلاثة هم من شيوخ التصوف ومن البديهي أن يقصدوا من سياحتهم الزيارة والتبرك، إذن فقد انصرف همهم الأول إلى زيارات الأماكن المقدسة وقبور الأنبياء والصحابة والتابعين والأقطاب حتى إنهم تجنبوا بالفعل الاتصال بالمناسب والاحتكاك بهم إلا رجال الطرق وما شابهم فكانوا يقضون أكثر أوقاتهم في التعبد وقراءة الأوراد والاجتماع بالأقطاب والمتصوفين، فقد كان هؤلاء هم قطب الرحى في ذلك القرن وما بعده.‏
__________
1) خير الدين الزركلي، الأعلام و رحلات ، المطبعة العربية في القاهرة،109.
‏ "سلام على الإخوان في حضرة القدس"
ولد عبد الغني النابلسي ونشأ في دمشق، وأغلب الظن أنه من أحفاد النابلسيين الذين وفدوا إلى دمشق أثناء الحروب الصليبية مع بني قدامة هرباً من الخضوع لحكم الصليبيين فقطعوا ضاحية قريبة من دمشق هي التي ستسمى فيما بعد الصالحية، أما تاريخ ولادته فهو 1641م ووفاته 1731م.
وهو شاعر صوفي وعالم بالدين والأدب، رحل إلى بغداد وعاد إلى سورية وزار فلسطين ولبنان ومصر والحجاز لكنه استقر في دمشق وفيها توفي.‏ (1)
له مصنفات كثيرة جداً منها:(شرح فصوص الحكم لابن عربي) و(إيضاح الدلالات في سماع الآلات)،‏ و(الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية- ط) و(تعطير الأنام في تعبير الأنام).
وقد زار النابلسي في رحلته إلى فلسطين الأماكن المقدسة وسجل للحياة الثقافية والاجتماعية وغيرها في المدن التي مر بها.‏
وللنابلسي قصيدة تعد من أشهر القصائد التي نظمت عن مدينة القدس في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وعنوانها «سلام على الإخوان في حضرة القدس» وفيها يقول:
سلامٌ على الإخوانِ في حضْرةِ القدسِ
ومن مُحِيتْ آثارُهمْ في ضِيا الشّمسِ
سقى اللهُ أياماً بهمْ قد تقاصرتْ
وليلاتِ وصْلٍ بالمسرّةِ والأُنسِ
سترْتُ الهوى إلاّ عنِ القومِ فارتقى(2)
فؤادي إلى غيبٍ عنِ العقلِ والحسِ
سريرٌ من التحقيقِ يسمو بأهلِهِ
على العرشِ في أوجِ الُعلا وعلى الكُرسي
سَريتُ بهِ ليلاً إلى رفْرفِ المنى
وبي زُجَّ في النورِ الذي جلَّ عن لبس
__________
1) مجير الدين العليمي، الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مكتبة المحتسب، ج1 ص32.
2) محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية،ص46.
سماءُ التجلي بالبُراقِ صعِدتُها
وقد غبتُ عن جسمي الكثيفِ وعن نفسي
سأهدمُ ما تبني العقول لأهلِها
من الفكرِ في أرضِ الخيالاتِ والحَدْسِ
سريعاً إلى أسرارِ روحٍ شريفةٍ
عن النوعِ قدْ جلّتْ ودقّتْ عن الجنسِ
سباني جمالُ الوجهِ والكلُّ هالكٌ
وعِلْمي تسامى عن كتابٍ وعنْ دَرسِ
سُروري وأفراحي خُروجي عنِ السوى(1)
وإني من الحقّ الوجود على الأسِ
ومن يوميات رحلة الشيخ النابلسي نقتطف وصفه لسور بيت المقدس يقول:‏
« .. سور بيت المقدس سور جديد متين مشيد قوي الأركان، عظيم البنيان، يحيط بالبلد كلها، وعرها وسهلها مبني بالشيد والحجر المنحوت وفي داخله جميع الأماكن والبيوت، وقد أخبرنا أنه من بناء السلطان الملك المظفر سليمان خان ومن المعروف أن الملك المعظم عيسى بن العادل أخا صلاح الدين أرسل من دمشق كما جاء في أبي الفداء، الحجارين والنقابين إلى القدس فخرب أسواره (616-1219م) وكانت قد حصنت للغاية وذلك على زعمه خوفاً من استيلاء الفرنجة عليها.‏
وفي سنة (626هـ 1228م) سلم الملك الكامل القدس للامبراطور فردريك على أن يستمر سورها خراباً ويكون الحكم في الرساتيق لوالي المسلمين ويكون للافرنج من القرايا ما هو على الطريق من عكا إلى القدس.‏ (2)
ويعدد لنا الشيخ عشرة أبواب لسور القدس منها: باب العمود من جهة الشمال وباب آخر يسمى باب الداعية الموصل إلى حارة بني زيد وباب يسمى باب دير السرب، وباب الساهرة ومن جهة القبلة باب المغاربة وباب صهيون (باب داود) ومن جهة الغرب باب صغير لصق دير الأرض وباب المحراب المعروف بباب الخليل وباب الرحبة.‏
__________
1) مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة ،كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون،ص37.
2) سامح ، عبد العزيز ، رحلات في بلاد الشام ، ط2، دار الصفا للنشر و التوزيع،ص57.
وهذه الأبواب هي ذات الأبواب التي يعددها الحنبلي في كتابه الأنس الجليل الذي ألف سنة (901هـ).‏
المبحث الثاني :
أشهر رحلات الدمشقيين إلى فلسطين وبيت المقدس
الرحلة الثانية والثالثة التي يقف عندهما الكتاب قام بهما الشيخ مصطفى البكري الصدِّيقي المولود في دمشق ( 1099هـ1688م) ، وهو تلميذ النابلسي، متصوف على الطريقة الخلوتية، وقد سكن في القدس بعد زيارته لها وتزوج فيها، وألَّف كثيراً من كتبه هناك، وأكثرها في موضوع التصوف، ومنها انتقل إلى حلب فبغداد، فمصر، فالقسطنطينة، فالحجاز، ومات بمصر في العام(1162هـ1749م).(1)
وتشمل رحلتا البكري وصفاً من دمشق إلى بيت المقدس وما حواليه ووصفاً للساحل الفلسطيني، وقد أسمى الرحلة القدسية الثانية (الخطرة الثانية..الأنسية للروضة الدانية القدسية).
أما الرحلة الرابعة فهي للشيخ مصطفى أسعد اللقيمي، وقد بدأ رحلته يو الثلاثاء من ذي القعدة عام (1143هـ-1764م) انطلاقاً من ثغر دمياط مخترقاً شبه جزيرة سيناء فغزة فالرملة فيافا فالقدس وما حواليها ثم رجوعاً إلى دمشق، فصيدا فقبرص.
ومن أشهر رحلات الدمشقيين إلى فلسطين وبيت المقدس في القرن العشرين رحلة علاّمة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي (1866-1914م) عام 1903م، وهي تعد أول رحلة يقوم بها رحالة عربي إلى القدس الشريف مستخدماً القطار وسيلة للنقل، ووصف المشاعر المقدسة في هذه المدينة وصفاً يرتقي إلى المصنفات الكلاسيكية الكبرى التي وضعت عن مدينة القدس خلال القرون الهجرية العشرة السابقة.
وكذلك رحلة الصحفي والكاتب محمد كرد علي الدمشقي المولد عام 1876م (أصله من أكراد السليمانية-من أعمال الموصل)، وفي هذه الرحلة يوثق محمد كرد علي رحلة (العثمانيين) الأخيرة التي قام بها أنور باشا (وزير الحربية العثماني) ورفيقه جمال باشا (قائد الفيلق الرابع المرابط في بلاد الشام) أواخر العهد العثماني إلى فلسطين بطلب من الأخير.(2)
ورحلة خير الدين الزركلي المولود في بيروت عام 1893م لأبوين دمشقيان، والمتوفي عام 1976م، وكانت رحلته التي أسماها (ما رأيت وما سمعت) عام 1920م. ورحلة الشاعر والسياسي خليل مردم بك عام 1923م، والتي كانت ضمن رحلة له شملت بلاد الشام،ونشرها على حلقات في الجرائد الدمشقية، وقام عدنان مردم بك بجمع أخبار هذه الرحلة في كتاب أصدره قبل سنوات بعنوان (دمشق والقدس في العشرينات).
__________
1) محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية،ص42.
2) خير الدين الزركلي، الأعلام و رحلات ، المطبعة العربية في القاهرة،ص30.
ورحلة الكاتب والصحفي الدمشقي بشير كعدان (1913-1988م) التي قام بها عام 1945م، ويذكر تيسير خلف في موسوعته القيمة (رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين -8-مجلدات، الصادرة عن دار كنعان للدراسات والنشر/دمشق 2010) أن هذه الرحلة هي "آخر رحلة إلى فلسطين قبل احتلالها".(1)
وأخيراً نذكر رحلة الرياضي الدمشقي عدنان بن حسني تللو المولود في دمشق عام 1918م والتي قام بها على متن دراجته النارية عام 1957م متوجهاً من دمشق إلى لبنان ثم رجع إلى سورية وانطلق منها إلى الأردن، وفي صباح يوم الأحد 27 شباط 1957 بلغ مدينة القدس وفور وصوله إليها زار الحرم الشريف وما حوله من المنشآت وقد وصفه قائلا :
«وللحرم عشرة أبواب مفتوحة وأربعة مقفلة وفيه عدة سبل وخمس وعشرون بئرا ً عذبة وله أربع مآذن عالية، وعدة أروقة ومكتبة ومتحف، ويوجد في الحرم مسجد الصخرة الشريفة التي يقدسها المسلمون لعلاقتها بالإسراء والمعراج.. ويقال : أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو الذي بنى مسجد الصخرة وأظهره بهذا الشكل الرائع»، ثم زار الرحالة تللو معالم مدينة القدس التاريخية والأثرية والدينية ووقف طويلا تكتنفه مشاعر الهيبة أمام الصخرة الشريفة وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى، و يقول الرحالة أنه حل ضيفا على رئيس بلدية القدس روحي الخطيب الذي استقبله وأكرمه وأحاطه بالرعاية الموفورة، وفي نهاية زيارته زوده المكتب الإسلامي في القدس بالعديد من الصور التي تظهر فظائع الصهاينة ووحشيتهم لعرضها في البلدان التي ستشملها رحلته».(2)

__________
1) مجير الدين العليمي، الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مكتبة المحتسب، ج1 ص22.
2) مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة ،كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون،ص39.
الفصل الثاني
رحالة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن
بن محمد العليمي المقدسي

المبحث الاول:
حيا ة و شخصية عبد الرحمن بن محمد العليمي المقدسي
المبحث الثاني :
دوره في اكتساب العلم
المبحث الثالث :
دوره في التأليف
المبحث الرابع :
المنهج الأحمد في تراجم الإمام أحمد


الفصل الثاني
رحالة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العليمي المقدسي
المبحث الاول : حيا ة و شخصية عبد الرحمن بن محمد العليمي المقدسي
اسمه ونسبه:
هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العليمي المقدسي، الحنبلي أبو اليمن، مجير الدين، العمري، المنتهي نسيه إلى عبد الله بن الخطاب. والعليمي نسبه إلى جده سدي علي بن عليل المشهور بعلي بن عليم.(1)
ولادته وأساتذته:
ولد العليمي في مدينة القدس عام 860هـ/1456م،وبعد أن بلغ سن التعليم تعهده والده بالرعاية والتوجيه، وقد أخذ عنه جملة من العلوم، كما اختلف على جماعة من أهل الفضل والعلم للاستفادة والتحصيل، كان منهم:
الشيخ تقي الدين عبد الله بن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ تقي الدين إسماعيل القرقشندي المقدسي الشافعي (783-867 هـ-/1384-1475م) درس عليه ملحة الإعراب وأجازه وكان ما يزال دون الست سنين، وهو أول شيخ عرض عليه العليمي وتشرف بالجلوس بين يديه ( لأن الدراسة كانت تتم في حلقات ضمن المساجد، حيث يتحلق الطلبة أمام الأستاذ وحواليه).(2)
الشيخ شهاب الدين الحافظ العلامة أبو العباس أحمد بن القاضي زين الدين عمر العميري الشافعي ( 832-890هـ/1429-1486م) وكان ممن أخذ الحديث عن الحافظ بن حجر العسقلاني، ودرس عليه الفقه وأجازه فيه.
الفقيه علاء الدين علي بن محمد الغزي المقري الحنفي كان من العلماء المقيمين بالقدس، درس فيها قرأ عليه القرآن الكريم وهو ابن عشر سنين وختمه أكثر من مرة على يديه وأجازه.
__________
1) مجير الدين العليمي، الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مكتبة المحتسب، ج1 ص5.
2) مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة ،كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون،ص36.

شيخ الإسلام كمال الدين أبو المعالي محمد بن الأمير محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي (822-900هـ/1419-1496م)من تلاميذ الحافظ بن حجر العسقلاني تتلمذ عليه العليمي في الفقه وأجازه.
قاضي القضاة نور الدين، أبو الحسن علي بن إبراهيم البدرشي البحري المالكي المصري (ت878-هـ/1474م) بالقدس الشريف درس عليه الفقه والنحو.
الشيخ العلامة المحقق شمس الدين أبو المساعد محمد بن عبد الوهاب الشافعي المقدسي (ت873-/1469م)أجازه بالفقه.(1)
الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن زين الدين عبد الرحمن الأنصاري الخليلي الشافعي (819-873هـ/1415-1469م)وأجازه بالفقه أيضا.
الشيخ العلامة المقري المحدث شمس الدين محمد بن موسى ابن عمران الغزي المقدسي الحنفي، شيخ القراء بالقدس (794-873هـ/1395-1469م) سمع عليه صحيح البخاري وأجازه.
الشيخ محمد بن أبي بكر السعدي القاضي الحنبلي (836-900ه/1432-1496م)من أعلام القاهرة وعلمائها درس على يديه فيها بعد أن أمضى فيها عشر سنين للدراسة والتعليم بدءاً من العام (880ه/1476م).
المبحث الثاني : دوره في اكتساب العلم
تحصيله العلمي:
يمكن أن نقسم حياة العليمي إلى فترتين دراسيتين الأولى وهي التي تبدأ منذ السنوات الأولى لتلقيه العلم على يد نخبة من العلماء الأفاضل في مسقط رأسه القدس الشريف، ودامت هذه الفترة حتى عام (880هـ/1476م)حيث انتقل إلى مصر.(2)
__________
1) جرجي زيدان، كشف الظنون، ، ج1 ص305.
2) إسماعيل باشا البغدادي، هداية العارفين، أسماء المؤلفين وأثار المصنفين،ص77.
ليتابع تحصيله العلمي هناك على يد جمهرة من كبار العلماء المشهورين وقتذاك في مدارسها، أسوة بباقي علماء وتلاميذ هذه الأمة، لأنه كان من ديدن طالبي العلم الارتحال إلى مناهل العلم بحثاً عن العلماء الأقران مهما نأت الديار وبعدت المشقة، فالمهم لقاء عالم مشهور والتتلمذ على يديه ومن ثم الحصول على إجازة بالعلم الذي يقوم بتدريسه، فذاك هو غاية النصر العلمي لطالب العلم.(1)
ارتحل صاحبنا العليمي إلى مصر، حيث الأزهر الشريف، يمثل واحدة من كبريات الجامعات الإسلامية في حينه وما يزال، وبالإضافة إلى عشرات المدارس العلمية الكبيرة والذائعة الصيت في محلات وأحياء القاهرة، التي يقصدها الطلاب من كل حدب وصوب.
امتدت إقامته هناك قرابة العقد من السنين، تلقى فيه العلم على أيدي مجموعة كبيرة من علمائها وأعلامها المشهورين، كان منهم العام السعدي، عاد بعدها على موطنه وقد حصل على قسط كبير من العلم ونال العديد من الإجازات العلمية في العديد من الفنون العلمية المعروفة كاللغة والفقه والحديث والنحو و علوم القرآن وغيرها والتي أثرت فيما بعد على مسيرته العلمية تأليفاً وتدريساً وقضاء لأنه عمل في القضاء حال عودته وظل في تلك الوظيفة حتى غادر الدنيا إلى رحاب ربه.
المبحث الثالث : دوره في التأليف
العليمي المؤلف:
رغم انصرافه إلى ممارسة مهنة القضاء في القدس الشريف وحتى وفاته إلا أنّ هذا المنصب وتقاليده وشؤونه وشجونه لم تكن لتصرف صاحب العقل الوقاد والذهن النشط والفكر العبقري عن متابعة الدراسة ومن ثم الكتابة والتأليف، فخاض غمار هذا الميدان، وولج باب هذا الفن من أوسع أبوابه وهو الواثق من نفسه، المتمكن من تحصيله فقدم لنا مجموعة كبيرة من المؤلفات تدل على سعة اطلاع وتبحر في العديد من الفنون العلمية منها التفسير والتراجم والتاريخ والتي تدل أيضاً على غزارة في الإنتاج رغم مشاغله الوظيفية التي كانت وبلا شك تستنزف جهداً فكرياً كبيراً وقتاً من حياته...(2)
__________
1) محمد بن ناصر العبودي ، رحلات و زيارات الي فلسطين ، ط2، 1990، دار الفكر للنشر و التوزيع ،ص121.
2) انيس منصور ، أدب الرحلات ،ط3،دار المنار للنشر و التوزيع ،ص92.

ومع كل هذا وذاك، انصرف العليمي إلى الكتابة والتأليف وقدم لنا مجموعة قيمة من المؤلفات التي غطت عدداً منة الميادين العلمية.
أ-العليمي المفسر:
وضع العليمي تفسبراً للقرآن الكريم في مجلدين أسماه صاحب الأعلام: فتح الرحمن في تفسير القرآن، في حين أشارت إليه بقية المصادر التي تطرقت إليه، على أنه تفسير جليل على القرآن العظيم، وهو يشبه في تفسيره تفسير الإمام البيضاوي.
إن مساهمة العليمي هذه في تفسير القرآن الكريم لتدل دلالة أكيدة على أنه كان يملك من المؤهلات العلمية والإمكانيات الثقافية حصيلة كبيرة تمكنه وتؤهله لخوض واحد من أكثر الميادين الإسلامية حساسية ودقة من جهة، ومن جهة أخرى تشير على أن صاحبها يمتلك ناصية كبيرة من العلم، وإلا لما جرؤ على الإقدام على مثل هذا العمل الشاق العظيم.
ب- العليمي المؤرخ:
قدم العليمي عدداً من المؤلفات التاريخية المتعددة الطرائق والأساليب والمواضيع، والتي صار فيها على نهج السالفين من المؤرخين الإسلاميين، فكان هناك كتب تاريخية تعني بالتراجم، وأخرى بالتاريخ العام مرتبة حسب السنين وتاريخ المدن وغيرها.
لقد كان الجانب التاريخي عند العليمي الأغزر إنتاجاً والأكثر كماً، ورغم قلة هذه المصادر العددية، إلا أنها تقدم لنا مادة وفيرة غنية بما تحويه من المعلومات التاريخية الهامة التي تغطي أكثر من موضوع، ومن مؤلفاته في هذا الميدان كان:

__________
1) جرجي زيدان، كشف الظنون، ، ج1 ص302.
2) ابن بطوطة ، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، دار النفائس ،ص32.


المبحث الرابع :
المنهج الأحمد في تراجم الإمام أحمد:
وهو كتاب ترجم فيه للسادة العلماء أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وقد أودع العليمي في مؤلفه هذا، تراجم العلماء الحنابلة، وتوجد من هذا الكتاب نسخة مخطوطة في المكتبة التيمورية، ويقع في مجلدين يضم خمسمائة وثلاثة وعشرين صفحة، اتبع فيه المؤلف نهجاً جديداً خالف فيه النهج المألوف الذي كان يعتمد على الأبجدية في حين يقدم لنا العليمي في كتابه هذا طريقة جديدة ألا وهي ترتيب المترجم لهم حسب سني الوفاة، وهو باب جديد في طرائق تدوين التاريخي الإسلامي. وقد طبع هذا الكتاب غير مرة.(1)
التاريخ المعتبر في أنباء من غبر:
وهو كتاب تاريخي كبير عمد فيه العليمي إلى تدوين التاريخ بدءاً من آدم عليه السلام وحتى العام 896ه/1492م مرتباً على السنين، سلك العليمي في منهج تأليفه التاريخي في مؤلفه هذا نفس النهج الذي كان يتبعه واتبعه المؤرخون الإسلاميون السابقون أمثال شيخ المؤرخين الطبري، من حيث اعتماده على الحوليات ونحى نفس المنحى باعتماده الحديث عن نشأة الكون والحديث عن الأنبياء منذ عهد آدم وحتى خاتم المرسلين /محمدص/. إلا أن العليمي قصر همه في كتابه هذا على ذكر الحوادث العجيبة والوقائع الغريبة على وجه الاختصار.
3- إتحاف الزائر وأطواف المقيم المسافر: ذكره عدداً من المؤرخين الذين ترجموا له وكذلك البغدادي في هداية العارفين.
4- الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: وهو أهم كتب العليمي، والذي ذاعت شهرته بسببه وقد تناول في هذا المؤلف الكبير في مواده، والغني في محتوياته ومعلوماته، التاريخ المفصل لكل من مدينة القدس والخليل. ومع أنه قد سبقه في هذا المجال العديد من المؤرخين والرحالة والجغرافيين وغيرهم الذين دونوا الكثير من الجوانب التاريخية عن بيت المقدس.(2)
__________
1) ابن جبير ،رحلة ابن جبير أو تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار، ط2، 1997،دار الفكر للنشر و التوزيع،ص194.
2) محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية،ص45.
أمثال أبي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت207هـ/822م) في كتابه فتوح الشام، وأحمد أبي يعقوب اليعقوبي (ت284هـ896م) في تاريخ اليعقوبي، والطبري(ت310هـ/922م) في تاريخ الأمم والملوك، وابن البطريق المؤرخ المسيحي المشهور (ت328هـ-/940م)في كتاب نظم الجوهر، والاصطخري( ت346هـ/958م) في مسالك الممالك، والمسعودي (ت346هـ-958م) في مروج الذهب، والمقدسي البشاري (ت380هـ-989م) في أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، وابن عساكر مؤرخ الشام المشهور (ت571هـ/1175م)في تاريخ ابن عساكر وأسامة بن منقذ (ت584هـ/1188م) في الاعتبار، والعماد الأصبهاني في الفتح القسي، وياقوت الحموي في معجم البلدان ت(626هـ/1122م)، وابن الأثير في التاريخ الكامل ت(630هـ/1233م) وأبو شامة المقدسي الدمشقي في الروضتين في أخبار الدولتين ت( 665هـ/1266م)، والنورية والصلاحية، وأبو الفرج ابن العبري (ت685هـ/1286م) في تاريخ مختصر الدول، وابن فضل الله العمري (ت749هـ/1348م)في مسالك الأبصار في مسالك الأمصار، وابن خلدون(ت808هـ/1405م)في السلوك لمعرفة دول الملوك، وابن شاهين المقدسي(ت873هـ/1469م)في زبدة كشف الممالك، وابن تغري بردى أبو المحاسن(ت874هـ/1470م)في النجوم الزاهرة في محاسن مصر والقاهرة، وشمس الدين السيوطي في كتابه إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى.(1)
من خلال هذا الكم الهائل من الدراسات توفرت للعليمي مجموعة كبيرة من المعلومات حول القدس والخليل، استفاد منها في دراسته التي قام بوضعها باسم الأنس الجليل، على الرغم من أن هذه الدراسات لم تتصدَّ لموضوع القدس والخليل بشكل مستقل وإنما جرى الحديث عنها في واحد من السياقات أو المواضيع الجاري الحديث عنها، أما في كتاب العليمي، فالأمر مختلف،حيث إن جل الكتاب قد خصص لمعالجة ودراسة تاريخ البيت المقدس والخليل، يضاف لذلك أن هذه الدراسة جاءت من واحد من أبناء المدينة الذين عاشوا فيها، وترعرعوا فوق ترابها، ورضعوا لبانها، ودرسوا في مدارسها.(2)
__________
1) ابن تغري بردى أبو المحاسن(ت874هـ/1470م)في النجوم الزاهرة في محاسن مصر والقاهرة،ص32.
2) البغدادي، المصدر السابق، مجلد1،ص544.

وتتلمذوا على علمائها وأعلامها، فمعلوماته جاءت مبينة على دراسة متعمقة، وإطلاع شخصي، سواء على الأماكن أو الأشخاص، والمعلومات المدونة، ويشير العليمي في مقدمة كتابه إلى الأسباب والدوافع التي حدث به لاختيار هذا الموضوع وحفزته على الكتابة عن تاريخ بيت المقدس فيقول ( وإنما دعاني لذلك أن غالب بلاد الإسلام قد اعتنى بها الحفاظ وكتبوا ما يتعلق بتاريخها مما يفيد أخبارها الواقعة في السابق وبيت المقدس لم أطلع له على شيء من ذلك يختص به وغنما ذكروا في التواريخ أشياء في أماكن متفرقة، ورأت الأنفس متشوقة إلى شيء من هذا النمط الذي قصدت فعله) ومن المعلوم أن الكثير من المدن العربية الإسلامية قد قيض لها العديد من الدارسين الذين أولوها مزيداً من الرعاية والاهتمام، فدونوا عنها الكثير من الدراسات المفصلة والشاملة، كما هو الحال مع دمشق وابن عساكر، وحلب وابن عديم،وحماة وأبو الفداء، وبغداد والخطيب، ونسرين وبخارى وسمرقند والقاهرة وغيرها، أكثر من يطاله العد والحصر إلا أن القدس، رغم أهميتها، وأنها مدينة مقدسة للديانات السماوية الثلاث، فلم تنل مثل هذه الدراسات المستقلة والتفصيلية، فيكفي دمشق تاريخ ابن عساكر والخطيب البغدادي الذي دون تاريخ بغداد أو تاريخ مكة المكرمة للأزرقي وغيرها، لذا كان للعليمي دوافعه الذاتية للإنطلاق في مشروعه، ومن ثم المساهمة بعمل لم يسبقه عليه أحد من قبل، وهذا ما دعا البعض إلى القول)) وظني أنه لم يصنف في مثله ولم يوجد في بابه نظير) وبدأ العليمي جمع كتابه في الخامس من ذي الحجة سنة 900ه وفرغ في ترتيبه وجمعه في دون أربعة أشهر رغ العوارض التي صرفت المؤلف عن الإستمرار في مشروعه مدة شهر لم يكتب فيها شيئاً.(1)
طبع هذا الكتاب أكثر من مرة وربما هو الوحيد من مؤلفات العليمي التي طبعت، والطبعة الأولى كانت بالمطبعة الوهابية في مصر عام 1283ه في مجلدين ضما سبعمائة واثنتا عشر صفحة من القطع المتوسط، ونظراً لأهمية هذا السفر العظيم، فقد جرت ترجمته إلى اللغة الفرنسية على يد الأستاذ هنري سوفار وطبع في باريس عام 1876م، ثم أعيد طباعته في عمان عام 1973م في مجلدين ضما ثمانمائة وثمانية وأربعين صفحة من القطع العادي، لكن بدون تحقيق كامل ودقيق.(2)
__________
1) جرجي زيدان، كشف الظنون، ، ج1 ص305.
2) محمد جميل الشطي، مختصر طبقات الحنابلة، مطبقة الترقي بدمشق،ص56.

محتويات الكتاب:
يتناول الكتاب بالتاريخ المفصل لمدينتين من كبريات المدن الفلسطينية وأكثرها شهرة على الصعيد الديني، وذلك من خلال عدد كبير من الفصول، وقد حدد الإطار العام لمخططه التأليفي وفق النقاط التي أشار إليها في مقدمة كتابه حيث يقول(( أما بعد فهذا مختصر استخرت الله تعالى في جمعه،وسألته المعونة بفضله في ترتيبه وصنعه،يتضمن تاريخ البيت المقدس الذي هو على التقوى مؤسس،وقصة السيد الجليل،سيدنا إبراهيم الخليل،وأبنائه السادة الكرام وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام،عن لي أن أجمعه من كتب المتقدمين وأهذب ألفاظه من فوائد المؤرخين)) فهو يشير إلى أن هذا ليس أكثر من مختصر،يحاول فيه ومن خلاله تسليط الأضواء على بعض الجوانب التاريخية لهذا البلد العظيم الذي كان لحين من الزمن أولى القبلتين للمسلمين إليها تتجه أبصارهم الخاشعة وقلوبهم الخاضعة لرب العباد وتناول في الكتاب.. ((ما يتعلق ببيت المقدس من ابتداء أمره وبنائها وقع من أخباره وأبنائه من لدن سيدنا أدم عليه السلام إلى عصرنا هذا وهو آخر عام تسعمائة من هجرة النبي المصطفى خير الأنام)).(1)
ولم يكتف بتدوين تاريخ بيت المقدس وما توافرت له من معلومات، وإنما يقوم بتقديم نبذة عن أسماء المسجد الأقصى وكذلك أسماء الأنبياء والرسل الذين لهم أثر في المسجد حتى رسول الإنسانية النبي الأعظم محمد /ص/، ويستغرق هذا القسم حيزاً لا بأس به من الكتاب حيث يغطي حوالي 242 صفحة حتى فترة الفتح العمري للقدس، ويتحدث عن فتحها على أيدي المسلمين والتحولات التي حدثت فيها بعد ذلك، ولم يكتفي بهذا وإنما يعرج للحديث عن مجموعة من أعيان التابعين والعلماء والزهاد الذين قطنوا القدس أو كان لهم دور محدد في تاريخها حيث يذكر تراجم لخمسة وسبعين رجلاً، ينتقل بعدها للحديث عن فترة الحكم العباسي والصليبيين والفاطميين والأيوبيين ويتحدث مطولاً عن سيرة البطل الإسلامي صلاح الدين وما قام به من أجل تحرير ديار العروبة والإسلام من الاستعمار الصليبي .(2)

__________
1) محمد جميل الشطي، مختصر طبقات الحنابلة، مطبقة الترقي بدمشق 1339ه،ص74.
2) ابن تغري بردى أبو المحاسن(ت874هـ/1470م)في النجوم الزاهرة في محاسن مصر والقاهرة،ص35.

ويذكر أهم المعارك التي حصلت فوق أرض فلسطين ويختتم الجزء الأول من كتابه( طبعاً كان الكتاب كلاً واحداً جرى تقسيمه أثناء الطباعة) بوفاة السلطان صلاح الدين ومن بعد الملك الناصر وتسليم بيت المقدس سنة 626ه لملوك الإفرنج على يد الملك الكامل الأيوبي، وبعد ذلك يتحدث في الجزء الثاني من كتابه عن استعادة الملك الناصر بيت المقدس سنة سبعة وثلاثين وستمائة، ويذكر في هذا السياق((قال القاضي جمال الدين: ومررت إذ ذاك بالقدس متوجهاً إلى مصر ورأيت القسس قد جعلوا على الصخرة قناني الخمر للقربان، فالحكم لله العلي الكبير))..(1)
لكن لم يطل أسرها في يدي الفرنجة فسرعان ما تمكن الملك الصالح أيوب صاحب مصر من الاستيلاء على غزة والسواحل والقدس في اثنتين وأربعين وستمائة. وبعد أن استتب الأمر وعادت القدس لحظيرة العروبة الإسلامية، يتناول العليمي بالحديث المفصل صفة المسجد الأقصى وواقعه في عصره ومحتويات المسجد مثل بئر الورقة وحراب داود/ع/ وسوق المعرفة ومهد عيسى /ع/ وجامع المغاربة والصخرة الشريفة والقدم الشريف والمغارة وقبة السلسلة والمعراج ومقام النبي/ص/ والخضر/ع/ وقبة كل من سليمان وموسى/ع/ وطومار وحاكورة القاشاني فزاويتا البسطامية والصمادية، ثم يذكر بعض المواصفات التفصيلية عن المسجد، وهي التي أولاها الرحالة والجغرافيون العرب والمؤرخون جانباً من اهتمامهم، فكانوا يذكرون أبعاد المسجد بشكل مفصل ودقيق، ويشر لهذا بقوله((وأما ذرع المسجد فقد اجتهدت في تحريره وتوليت ذلك بنفسي وقيس بحضوري بالحبال فكان طوله قبلة بشمال من السور البلي عند المحراب المعروف بمحراب داود عليه السلام الحاصلة الرواق الشمال عند باب الأسباط ستمائة وستين ذراعاً بذراع العمل، التي تذرع الأبنية(2) في عصرنا غير عرض السورين وإن كان فيه زيادة أو نقص نحو ذراعين أو ثلاثة فهي لإضطرابات القياس لبعد المسافة فإني اقتسطت في تحريره وقيس بحضوري مرتين حتى تحققت صحة القياس. وعرضه شرقاً بغرب من السور الشرقي المطل على مقابر باب الرحمة إلى صدر الرواق الغربي الذي هو سفل مجمع المدرسة التنكزية أربعمائة ذراع وستة أذرع بذراع العمل غير عرض السورين )).
__________
1) البغدادي، المصدر السابق، مجلد1،ص544.
2) ابن جبير ،رحلة ابن جبير أو تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار، ط2، 1997،دار الفكر للنشر و التوزيع،ص196.

وتزداد أهمية هذا الكتاب جراء المعلومات القيمة التي يقدمها لنا المؤلف عن المسجد الأقصى، وكل ناحية من نواحي المدينة المقدسة، إذ لم يترك أي جانب وأي ناحية منها إلا وتناولها بالحديث الدقيق والمفصل، بين لنا أبواب الأقصى وسبب تسمية كل منها ومكان وجوده، حيث يبن أن عدد أبوابه((أحد عشر باباً يتوصل منها إلى المسجد غير باب الرحمة والتوبة والباب المسنود في السور الشرقي)) بل ويذكر الأئمة المرتبين في المسجد وترتيب صلاتهم ومكان ذلك.(1)
من الأمور الهامة التي يتطرق إليها مؤرخنا هذا في كتابه القيم هو المدارس والمشاهد الموجودة فيذكر أربعة وأربعين مدرسة وداراً للقرآن الكريم والحديث الشريف، والزوايا والترب الموجودة، ولم يكتف بذلك وإنما يذكر الكنائس والداريات من زمن الروم والتي بلغ عددها نحواً من عشرين مكاناً ويذكر الزوايا الموجودة وهي 16 زاوية وخمسة رباطات وثمانية ترب.
ويوضح أسوار المدينة ومحلاتها والخطوط(الشوارع) الموجودة في كل محلة (حي) من محلاتها، فمن حارات القدس المشهورة أيام المؤلف كان هناك حارة المغاربة وحارة الشرف(كانت تعرف قديماً بحارة الأكراد) وحارة العلم والحيادرة والصليتين واليهود والريشة وصهيون الجوانية والضوية وبين الحارثثم هناك حارة باب الحطة وهي من أعظم الحارات وأكبرها وأشهر خطوط المدينة ( الشوارع الرئيسة) هي خط داود عليه السلام ومرزيان ووادي الطواحين. ويتحدث بعد ذلك عن القلعة وعيون الماء الموجودة فيها مثل عين سلوان والمقذوفات وبئر أيوب ودير أبي ثور وطورزيتا وقبر مريم /ع/ وغير ذلك من الأمكنة الهامة والمقدسة لدى العديد من الطوائف الدينية.(2)
ينتقل بعد ذلك للحديث عن بيت لحم ومكانها، وبعض المعلومات المتوفرة في هذه المدينة ذات الصفة الدينية التي ولد فيها السيد المسيح/ع/، وكذلك مدينة الرملة واللد وعسقلان وغزة وأريحا ونابلس وصولا للمدينة الكبرى، مدينة الخليل، حيث يتناولها بشيء من التفصيل، حيث يشير للمدارس التي كانت موجودة وعددها ثلاث والرباطات وعددها أربعة والبيمارستان الوحيد،

__________
1) ابن جبير ،رحلة ابن جبير أو تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار، ط2، 1997،دار الفكر للنشر و التوزيع،ص197.
2) البغدادي، المصدر السابق، مجلد1،ص544.
ثم يعدد الزوايا الموجودة وعددها 25 زاوية، وست مساجد وكذلك حارات وأسواق الخليل وعيون الماء وكيفية منح تميم الداري /ر/ الإقطاع المشهور من قبل الرسول /ص/ فيها والقرى الواقعة ضمن ذلك الوقف ويذكر نسخة الكتاب رسول الله /ص/ الذي كتبه لتميم الداري بهذا الصدد.
من أهم الأمور التي يزخر بها هذا السفر القيم، تلك التراجم الوفيرة لعدد من الأعيان الذين تولوا الحكم في بيت المقدس بدءاً من الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب /ر/. ثم يتحدث عن الممالك بشيء من التفصيل وتسلسل حكم كلاً منهم حتى وقت تدوين الكتاب، ولا يفوته الحديث عن كل جديد وحادث يستجد إبان المدة الزمنية الجاري الحديث أة العمل والمنجزات التي يقوم بها أولئك السلاطين والحكام في المدينة المقدسة.(1)
ويدون بعدها تعريفاً بعدد من أعيان مدينة القدس وبلد الخليل منة المذاهب الأربعة، ومن ولي فيها المناصب الحكمية والوظائف الدينية، ومن عرف بالزهد والصلاح، وبعض ما وقع فيه من الحوادث والأخبار، في هذا الكتاب قائمة بالعلماء والأعيان تتضمن مشايخ الصلاحية منذ عهد السلطان صلاح الدين حتى وقته، وبعد ذلك يتحدث عن قضاة الشافعية والقدس والخليل ويذكر ترجمة ل66 شخصاً منهم. و70 فقهاء الحنفية، و32 من المالكية، و12 من الحنابلة، وبعد ذلك يورد وبشكل تفصيلي سلسلة النسب العمري، لأن المؤلف كما سبق الإشارة لذلك هو ممن يعودون بأصولهم على الخليفة عمر بن الخطاب /رضي الله عنه/، وينقل لنا التراجم لمن ولي النمظر والنيابة في بيت المقدس حيث يترجم ل51 أميراً وعالماً، ينتقل الكتاب إلى أمور حياتية أكثر واقعية وتكاد تكون يومية، لأنه يبدأ بتدوين الكثير من الحوادث المعاصرة والتي يشاهدها بعينه، فينقلها لنا بريشة رسام ماهر، سواء في القدس أو الخليل، كذلك خارج النطاق الزماني هذا، وانعكاسات كل تلك الحوادث عليه وعلى المدينتين(2)
__________
1) حسن ، عبد العزيز ، رحلات ، ط2، 1998، دار الفكر للنشر و التوزيع ،ص44.
2) ابن جبير ،رحلة ابن جبير أو تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار، ط2، 1997،دار الفكر للنشر و التوزيع،ص199.

ويورد كذلك الفتن التي حدثت والحوادث المناخية والطبيعية كاحتباس المطر وسقوط الثلج والبرد والآثار الناجمة عن ذلك في القدس والإنشاءات العمرانية وخاصة في مجال المدارس وغير ذلك من الحوادث الهامة التي ينقلها لنا المؤلف بأمانة ودقة حتى سنة تسعمائة للهجرة، وكان يطمح متابعة عمله هذا، حيث يقول((وإنّ فسح الله في الأجل جعلت له ذيلاً، أذكر فيه ما يقع من الحوادث بالقدس الخليل وبلاد سيدنا إبراهيم عليه السلام وغيرها من أول سنة إحدى وتسعمائة إلى آخر وقت يريده الله سبحانه وتعالى فيما بقي لي من العمر..)).(1)
الأسلوب والمنهج:
اتبع مؤرخنا العليمي في مؤلفه هذا نهجاً يمكن أن نقول أنه يمثل نموذجاً مشتركاً جمع فيه أكثر من مدرسة وطريقة تاريخية مألوفة في التدوين التاريخي، ففي هذا الكتاب يتبع أسلوب مدرسة التاريخ الشامل ثم التدوين الحولي، وكذلك مؤرخي التراجم والرحالة الجغرافيون، كل ذلك حواه مؤلفنا هذا بين دفتيه، وصاغه العليمي بأسلوب دقيق، يمتاز بالرشاقة والعلمية والرصانة والأمانة العلمية، فهو يشير بداية بقوله ((عنّ لي أن أجمعه من كتب المتقدمين وأهذب ألفاظه من فوائد المؤرخين)) وفي كثير من الأحيان نجد العليمي يشير إلى مصادره وهذا يدل على أمانة وأخلاقية عالية، فهو يذكر L((فأذكرها طائفة من المذاهب الأربعة على حدة ليسهل على المطالع إذا أراد الكشف ويقرب عليه الإطلاع. فكل من وقفت له على ترجمة أو تاريخ مولد أو وفاة ذكرما تيسر من ذلك على وجه الاختصار واقتصر في ترجمة الرجل على ما عرف من محاسنه وأحواله المحمودة منة غير تعرض إلى شيء فيه انتقاصه أو ذمته فإنّ ذلك إثم لا فائدة منه، وقد اعتمد هذا الفعل القبيح غالب المؤرخين هو خطأ كبير.. ومن لم أطلع له على ترجمة ذكرت اسمه والعصر الذي كان فيه موجوداً وإن علمته..)).
من مزاياه التي يجب أن نشير إليها هي الدقة، فلم يكتف بنقل المعلومات التي كانت تنتقل إليه أو يسمعها أو يقرأ عنها في مؤلفات السابقين، وإنما كان يتحرى الدقة والصدق، ولنا في موضوع قياس طول وعرض المسجد الأقصى خير مثال على ذلك، وقد سبق الإشارة إليه.(2)
__________
1) البغدادي، المصدر السابق، مجلد1،ص547.
2) ابن جبير ،رحلة ابن جبير أو تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار، ط2، 1997،دار الفكر للنشر و التوزيع،ص196.

من ميزات هذا المؤلف أنه غني بالتراجم والمعلومات الدقيقة حول معلم كبير من المعالم العربية والإسلامية والتي لها دور ثقافي وحضاري وديني في حياة العرب والمسلمين، قدّر لها أن تسقط في أيدي العصابات الصهيونية التي تحاول طمس كل أثر عربي أو إسلامي في تلك المدينة المقدسة، وكذلك مدينة الخليل العريقة، لذا إن العودة إلى مثل هذه الكتب التراثية وإعادة بعث الحياة فيها وتحقيقها ونشرها بعد دراسة وافية يمكن أن تضع حداً للكثير من الافتراءات الصهيونية، لأن المؤلف عندما كتب تلك المعلومات كتبها بعيداً عن التعصب أو التهرب، فكان همه حفظ الحقيقة ونقلها مدونة دون أن يكون في ذهنه مجرد افتراض واحد إنها قد تؤول في مستقبل الأيام بأيدي واحدة من أكثر المجموعات البشرية حقداً وعنصرية وبربرية، ومن هنا فإن معلوماته الدقيقة لا يمكن أن يطعن بها من قبل أي فريق، رغم أن هناك الكثير من الحقائق الجلية والواضحة والتي تمكن الفكر الصهيوني الحاقد من تشويهها وتزيفيها بل وأكثر من ذلك إقناع قطاعات واسعة وعريضة من الناس في العديد من بقاع الكرة الأرضية بها.(1)
وما يفيدنا من هذا المؤلف أنه يقدم لنا صورة دقيقة،واضحة المعالم بينة القسمات،حول حدود المدينتين،والأحياء التي كانت تضمها كلاً منها،لأبنية والمدارس والمشافي والخانات والحمامات والزوايا والربط والترب والمساجد والكنائس من الأمور الهامة ثم يشير إلى التطورات المستجدة فيهما وخاصة وخاصة عند حديثه عن ربع القرن الأخير من القرن التاسع الهجري،الذي يحاول فيه المؤلف رصد التحولات الاجتماعية والعمرانية والإدارية السياسية في المدينة.ولعل النقطة الهامة والأخيرة التي وجد فيها (860-928ه/1456-1522م) عاش مدة زمنية من آواخر العهد المملوكي تزيد عن ستين عاماً، كما أنه عاصر بدايات الوجود العثماني(2)
__________
1) حسن ، عبد العزيز ، رحلات ، ط2، 1998، دار الفكر للنشر و التوزيع ،ص44.
2)مرجع السابق ، ص43.

في البلاد العربية وخضوع بلاد الشام والتي كانت مسقط رأسه تعتبر وما تزال جزءاً مهماً منها. لذا فهو شاهد إثبات على احتضار فترة هامة من تاريخ الممالك الإسلامية التي سيطرت على مصر والشام وولادة عهد (1)جديد امتد أربعة قرون كاملة. مما سبق، وبعد هذه الدراسة عن حياة وأعمال هذا المؤلف الكبير يمكن القول بثقة كبيرة أنه كان عالماً كبيراً من أعلام الأمة العربية والإسلامية، حاول أن يسهم في بعض الجوانب الثقافية والعلمية ونجح في ذلك نجاحاً كبيراً من خلال مؤلفاته التاريخية وتفسيره للقرآن الكريم، الأمر الذي يدل أيضا على سعة إطلاع وموسوعية عظيمتين، فحق له علينا أن نذكره، عرفاناً بعظيم جهده.(2)
__________
1) محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية،ص46.
2) حسن ، عبد العزيز ، رحلات ، ط2، 1998، دار الفكر للنشر و التوزيع ،ص44.

الفصل الثالث
رحالة ابن بطوطة


المبحث الاول :
حياة و شخصية رحالة ابن بطوطة


المبحث الثاني
إسهاماته

المبحث الثالث
الرحالة الأمين


المبحث الرابع
رحلته في فلسطين

الفصل الثالث
رحالة ابن بطوطة
المبحث الاول : حياة و شخصية رحالة ابن بطوطة

محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بَـطُّوطَة (ولد في 24 فبراير 1304 - 1377م بطنجة) (703 - 779هـ) هو رحالة ومؤرخ وقاض وفقيه مغربي لقب بـأمير الرحالين المسلمين. خرج من طنجة سنة 725 هـ فطاف بلاد المغرب ومصر والسودان والشام والحجاز وتهامة ونجد والعراق وفارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر وبعض الهند والصين الجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا. واتصل بكثير من الملوك والأمراء فمدحهم - وكان ينظم الشعر - واستعان بهباتهم على أسفاره.(1)
عاد إلى المغرب الأقصى، فانقطع إلى السلطان أبي عنان (من ملوك بني مرين) فأقام في بلاده. وأملى أخبار رحلته على محمد بن جزي الكلبي بمدينة فاس سنة 756 هـ وسماها تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، ترجمت إلى اللغات البرتغالية والفرنسية والإنجليزية، ونشرت بها، وترجم فصول منها إلى الألمانية ونشرت أيضا. كان يحسن التركية والفارسية. واستغرقت رحلته 27 سنة (1325-1352م) ومات في طنجة سنة 779 هـ/1377م حيث يوجد ضريحه بالمدينة القديمة. تلقبه جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها بـأمير الرحالة المسلمين الوطنيين.
في أول رحلة له مر ابن بطوطة في الجزائر وتونس ومصر والسودان وفلسطين وسوريا ومنها إلى مكة. وفيما يلي مقطع مما سجله عن هذه الرحلة:
«"من طنجة مسقط رأسي " يوم الخميس 2 رجب 725 هـ / 1324م " معتمدا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم. فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وَصَباً، ولقيت كما لقيا نَصَباً.»(2)
__________
1) جرجي زيدان، كشف الظنون، ، ج1 ص305.
2) محمد جميل الشطي، مختصر طبقات الحنابلة، مطبقة الترقي بدمشق،ص53.

ويعد ابن بطوطة أحد أهم الرحالة. قطع أكثر من 75,000 ميل (121,000 كم)، وهو رقم لم يكسره أي رحالة منفرد حتى ظهور عصر النقل البخاري، بعد 450 سنة.
حياته المبكرة وحجته الأولى

في القرن 13 أنتج كتاب للمطبوعات في بغدادمن قبل الواسطي مظهرة مجموعة من الحجاج في الحج.
ولد في طنجة سنة(703 هـ/1304م) بالمغرب. اسمه الكامل هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللواتي الطنجي بن بطوطة بن حميد الغازي بن القريش العلي، تسمّى باسم أمه بطوطة وهي في الأصل فطومة.(1) وكل المعلومات المتوفرة عن حياة ابن بطوطة مصدرها السير الذاتية المذكورة في سياق حكايات رحلاته. ولد ابن بطوطة في عائلة علماء في القضاء الإسلامي في مدينة طنجة بالمغرب في 25 فبراير 1304، خلال عهد الدولة المرينية. يرجع نسب ابن بطوطة إلى القبيلة الأمازيغية المعروفة بـ لواتة. وكأي شاب في سنه، كان بإمكانه الدراسة في مدرسة سنية مالكية على اعتبار أنه الأسلوب التعليمي الذي كان سائداً في شمال أفريقيا في ذلك الوقت. في شهر يونيو عام 1325 وفي عمر الحادية والعشرين، رحل ابن بطوطة من مدينته متوجهاً لمكة لأداء فريضة الحج في رحلة قد تستغرق ستة عشر شهرا. لم ير بعدها المغرب لمدة أربعٍ وعشرين عاماً.
"رحلت وحيداً. لم أجد أحداً يؤنس وحدتي بلفتات ودية، ولا مجموعة مسافرين أنضم لهم. مدفوع بِحكمٍ ذاتي من داخلي، ورغبة عارمة طال انتظارها لزيارة تلك المقدسات المجيدة. قررت الابتعاد عن كل أصدقائي، ونزع نفسي بعيداً عن بلادي. وبما أن والديَّ كانا على قيد الحياة، كان الابتعاد عنهما حملاً ثقيلاً علي. عانينا جميعاً من الحزن الشديد."(2)
سافر إلى مكة براً عبر ساحل شمال أفريقيا، قاطعاً سلطنة بني عبد الواد والحفصيين. وأثناء رحلته مر بكل من تلمسان، بجاية، وتونس التي مكث فيها ما يقارب الشهرين. انضم ابن بطوطة من أجل سلامته لقافلة؛ حتى يقلل من خطر هجوم الرحالة من بدو العرب. وقد اختار عروسا من مدينة صفاقس، والتي كانت الأولى في سلسلة زيجاته التي ميزت أسفاره.
__________
1) 1) سلامة ، عبد الرازق ، تاريخ بلاد الشام و اهم رحلات فيها ، ط3، دار الكوثر للنشر و التوزيع ،ص85.
2) إسماعيل باشا البغدادي، هداية العارفين، أسماء المؤلفين وأثار المصنفين،ص79.

مع بداية ربيع 1326، وبعد رحلة استمرت لأكثر من )3,500 كم 2,200ميلا) (1)وصل ابن بطوطة إلى ميناء الإسكندرية، والتي كانت جزءاً من إمبراطورية المماليك البحرية. وقد قضى عدة أسابيعٍ يزور فيها مواقع عدة في المنطقة، ثم توجه إلى داخل البلاد حيث القاهرة –عاصمة سلطنة المماليك- والتي كانت في ذلك الوقت أيضا مدينة كبيرة ومهمة. وبعد قضاء ما يقارب الشهر في القاهرة، اختار أن يسير من الطريق الأقرب له من بين طرق عديدة في الأراضي الخاضعة لحماية المماليك. ومن بين الطرق الثلاثة المعتادة والموصلة إلى مكة، اختار ابن بطوطة طريقاً لا يستخدمه المسافرون كثيراً، وضم رحلة إلى وادي النيل من خلال هذا الطريق، ثم إلى شرق ميناء على البحر الأحمر في عيذاب، ولكن عندما شارف على الوصول، أجبرته ثورة محلية في البلاد على الرجوع. عاد ابن بطوطة إلى القاهرة وقام برحلةٍ ثانية كانت هذه المرة إلى المماليك التي تسيطر على دمشق. قابل خلال زيارته الأولى رجل علم الذي تنبأ لهُ بأنه لن يصل إلى مكة المكرمة إلا من خلال السفر عبرسوريا، وكان لهذا التحويل ميزة إضافية حيث أن السلطات المملوكية لم تدخر جهداً في الحفاظ على المسار آمنا للحجاج؛ بسبب الأماكن المقدسة التي تقع على طول الطريق، بما في ذلك الخليل، والقدس، وبيت لحم. وبدون هذه المساعدة سوف يتعرض الكثير من المسافرين للسرقة والقتل.(2)
وبعد أن أمضى شهر رمضان في دمشق، انضم إلى القافلة المسافرة 1,500 كيلومترا (930 ميلا) إلى الجنوب، إلى المدينة المنورة، حيث قبر النبي محمد. وبعد أربعة أيام في المدينة سافر إلى مكة، حيث استكمل حجه وحصل على لقب "الحاج". وبدلاً من أن يعود إلى ديارهِ، قرر ابن بطوطة الاستمرار في رحلاته، واختيار الخانات كوجهته القادمة (الخانات المغولية في الشمال الشرقي).
_________
1) انيس منصور ، أدب الرحلات ،ط3،دار المنار للنشر و التوزيع ،ص90.
2) حسن ، عبد العزيز ، رحلات ، ط2، 1998، دار الفكر للنشر و التوزيع ،ص43.

كان أبوه فقيهًا يشتغل بالقضاء وكان يعد ولده ليكون خلفًا له، لذلك حفظ ابن بطوطة القرآن، ودرس العلوم الدينية، والأدب والشعر، فشبَّ تقيًّا، ورعًا، محبًّا للعلماء والأولياء، ولكنه لم يُتِمَّ دراسة الفقه بسبب رغبته في السفر والترحال؛ فكان خروجه إلى الحج، وهو في الثانية والعشرين من عمره، نقطة التحول في حياته، إذا ارتدى منذ ذاك الحين ثوب الترحال وأخذ يجوب أرجاء العالم الإسلامي، وحين خرج ابن بطوطة من (طنجة) سنة 725هـ/ 1325م قاصدًا الكعبة، وزيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم، لم يخرج مع قافلة الحج، بل خرج مع قوم لا يعرفهم، ولم يستقر مع جماعة منهم، فأخذ ينتقل من مركب إلى آخر، ومن قافلة إلى أخرى، فقد كان اهتمامه برؤية أصناف الناس، والغرائب التي يصنعونها هو شغله الشاغل.(1)
المبحث الثاني
إسهاماته
يظهر من خلال رحلات ابن بطوطة، مدى ترابط الأمة الإسلامية وقوة وحدتها حيث إنه خرج لرحلته الطويلة بمال قليل ولكن ترابط الأمة وتآخيها عمل على معاونته في رحلته، وإمداده بما يريد، كانت رحلته الأولى من سنة 725هـ/1325م إلى 749هـ/1349م وقضى فيها 24 سنة، ومر فيها بمراكش والجزائر وتونس وطرابلس ومصر ثم إلى فلسطين ولبنان وسوريا والحجاز، فحج حجته الأولى ومن مكة غادر إلى بلاد العراق وإيران وبلاد الأناضول، ثم عاد إلى مكة فحج حجته الثانية، ثم غادرها إلى اليمن ثم إفريقية الشرقية، ثم زار عمان والبحرين والإحْساء، ثم رجع مكة فأدى مناسك الحج.
__________
1) انيس منصور ، أدب الرحلات ،ط3،دار المنار للنشر و التوزيع ،ص91.
2)مرجع السابق ، ص92.

خرج ابن بطوطة إلى الهند وخراسان وتركستان وأفغانستان وكابول والسند، وتولى القضاء في (دلهي) على المذهب المالكي، ولما أراد السلطان محمد شاه أن يرسل وفدًا إلى ملك الصين خرج ابن بطوطة فيه، وفي عودته مر بجزيرة (سرنديب) والهند والصين، ثم عاد إلى بلاد العرب عن طريق (سومطرة) سنة 748هـ/ 1347م، فزار بلاد العجم والعراق وسوريا وفلسطين ومنها لمكة فحج حجته الرابعة إلى بيت الله، ثم رأى أن يعود إلى وطنه فمر بمصر وتونس والجزائر ومراكش فوصل فاس سنة 750هـ/ 1349م.(1)

وقد كان ابن بطوطة إذا ما ذَكَرَ ما تمتع به في حياته من نعمة وجاه يقول: (إنما كان لأنني حججتُ أربع حجات) ثم ما لبث أن قام برحلته الثانية بعد أن أقام في فاس فترة قصيرة لكنه وجد في نفسه شوقًا إلى السفر إلى بلاد الأندلس، فمر في طريقه بـ(طنجة) و(جبل طارق) و(غرناطة) ثم عاد إلى فاس، وفي سنة 753هـ/1352م كانت رحلة ابن بطوطة الثالثة إلى بلاد السودان، ثم مالي (تومبوكتو) وكثير من بلاد إفريقية ثم رجع إلى فاس، وظلت مدة عامين، فقد انتهت 755هـ/ 1354م.

كان لابن بطوطة معرفة بطب الأعشاب التي كان الناس يتداوون بها من الأمراض الشائعة، وكان يداوي نفسه بنفسه، ولقد أعانه على رحلته قوة بدنه، فكان يأكل أي طعام -عدا المحرمات- وقد أصابته الحمى أكثر من مرة، وكاد دوار البحر أن يهلكه لولا رعاية الله له، وقد استغرقت رحلاته أكثر من ثمانية وعشرين عامًا كشفت هذه الرحلات عن أسرار كثيرة من البلاد التي زارها ابن بطوطة، إذ يعد أول من كتب شيئًا عن استعمال ورق النقد في الصين، وعن استخدام الفحم الحجري وكان صادقًا في أغلب أوصافه، حتى إن المستشرق (دوزي) أطلق عليه(2)
__________
1) حسن ، عبد العزيز ، رحلات ، ط2، 1998، دار الفكر للنشر و التوزيع ،ص44.
2) انيس منصور ، أدب الرحلات ،ط3،دار المنار للنشر و التوزيع ،ص92.

المبحث الثالث
الرحالة الأمين
أتقن ابن بطوطة خلال رحلته اللغتين الفارسية والتركية، وقطع مائة وأربعين ألف كيلو متر، أكثرها في البحر، وتعرض للأخطار والمهالك في الصحاري والغابات، وقطاع الطريق في البر، وقراصنة البحر، ونجا مرارًا من الموت والأسر.

وقد كان ابن بطوطة سريع التأثر يدل على ذلك قوله: وعندما وصلت إلى تونس برز أهلها للقاء الشيخ (عبد الله الزبيدي) ولقاء الطيب ابن القاضي أبي عبد الله النفراوي فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال، ولم يُسَلِّمْ على أحد لعدم معرفتي بهم فوجدت من ذلك في النفس ما لم أملك معه سوابق الْعَبْرَة، واشتد بكائي، فشعر بحالي بعض الحجاج، فأقبل على بالسلام والإيناس ومازال يؤانسني بحديثه حتى دخلت المدينة، وأما حبه لوالديه فقد أفصح عنه أيما إفصاح حيث يقول في مقدمة رحلته: إنه تركهما فتحمل لبعدهما المشاق كما لقى من الفراق نصبًا، فلما عاد من رحلته الأولى وبلغه موت أمه حزن حزنًا شديدًا قطعه عن كل شيء، وسافر لزيارة قبر والدته.(1)
اتصل ابن بطوطة بالسلطان أبي عنان المريني، وأقام في حاشيته يُحَدِّثُ الناس بما رآه من عجائب الأسفار، ولما علم السلطان بأمره وما ينقله من طرائف الأخبار عن البلاد التي زارها أمر كاتبه الوزير محمد بن جُزَي الكلبي أن يكتب ما يمليه عليه الشيخ ابن بطوطة فانتهى من كتابتها سنة 1356م، وسماها (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) وقد ظلت رحلة ابن بطوطة موضع تقدير كثير من العلماء والباحثين فترة طويلة، وتُرجِمَت إلى اللغة الإنجليزية، ونُشِرَت في لندن سنة 1829م، وتُرجِمَت إلى اللغة الفرنسية، وطُبِعَت في باريس، وفي عام 1853م وتُرجِمَت إلى الألمانية، وطُبِعَت سنة 1912م، وكذلك تُرجِمَت إلى اللغة التركية.(2)
__________
1) خير الدين الزركلي، الأعلام و رحلات ، المطبعة العربية في القاهرة،ص39.
2) انيس منصور ، أدب الرحلات ،ط3،دار المنار للنشر و التوزيع ،ص92.
وفي عام 779هـ/1378م كان وداع ابن بطوطة للدنيا بمدينة طنجة، ومن يزور المغرب اليوم سيجد بمدينة طنجة دربا (طريقًا) اسمه درب ابن بطوطة حيث كان يعيش، وسيجد بالقرب من سوق طنجة ضريحه الذي دفن فيه. (1)


المبحث الرابع
رحلته في فلسطين
تتحدث الينابيع والآبار عن الجذور التاريخية التي تعود لحضارات وأصول قديمة قامت في محيطها ، والتي كانت تعتبر مصدراً لمياه السكان قبل أن يصبحوا مهجرين بعد توسع التجمعات السكانية .
تعتبر مياه الينابيع في مدينة الخليل مصدراً حيوياً كانت ولازالت حاضرة كدليل على حضارات مرت وسكنت مضى عليها الزمن.

مهند النتشة ممن يقطن شارع وادي التفاح بمدينة الخليل ،والحاضن لعين عرب ، "مهند" من السكان الأوائل ممن أقاموا بالقرب منها منذ عام 1946م يقول :" تعود أصول العين لما قبل أكثر من ألفي عام ،وحسب ما ورد في الروايات أنها ذاتها التي ذكرها ابن بطوطة في كتابته " سميت هذه العين باسم عين عرب لأن العرب كانوا يأتون إليها من الصحراء إلى مدينة القدس وترددوا حول هذه العين ،كانوا ينهضون من أذان الفجر ليأخذوا دورا ومعهم "جلان" لتعبئة المياه".(2)
__________
1) خير الدين الزركلي، الأعلام و رحلات ، المطبعة العربية في القاهرة،ص39.
2) ابن بطوطة ، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، دار النفائس ،ص143.


موسى حسن النتشة ممن ترعرعوا حول العين،ينهل من مائها متذكراً بعدما غير الزمان معالمها لمراسلة دنيا الوطن" كان يتحدث أهل الخليل عن البدو لفظ " عرب" وكان البدو أيام الصيف يسكنون بالقرب منها لسهولة الوصول للماء لري مزروعاتهم وسقاية مواشيهم ".

تنبع أهمية هذه العين منذ القدم لوقوعها وسط مدينة الخليل ،وتقريباً على طريق القدس_ السبع مصر ، وطريق الخليل _القدس .(1)

يُتابع النتشة حديثه لدنيا الوطن "لهذه العين أهمية كبيرة كانوا يصطفون الناس في طوابير لتعبئة الماء للشرب والزراعة ،أتذكر في سنوات السبعينات كانت جميع البيوت المحيطة للعين تصلها المياه عبر مواسير ممتدة من النبع لتصل كل المنازل".

قديماً كان البناء الذي يحوي العين يمتد حتى وسط الشارع المقام حالياً ، ومع توسعة البلدية للشارع عام 1988م صغر حجم العين للنصف ، توسعة أخرى اُجريت للشارع عام 1996م حددت شكل وحجم العين الموجود حالياً .

يُتابع موسى النتشة "كان حول العين حوض كبير يجتمع عليه الرعاة والأغنام من مختلف المناطق".
يبعد مصدر مياه النبع حوالي100متر ،تتدفق منه المياه من ثقب داخل الصخر على عمق سبعة أمتار داخل الأرض .(2)
__________
1) ابن بطوطة ، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، دار النفائس ،135.
2) محمد بن ناصر العبودي ، رحلات و زيارات الي فلسطين ، ط2، 1990، دار الفكر للنشر و التوزيع ،ص121.


تغيرت ملامح العين ، وملامح الشارع ، والطرق ، وتوسع الزحف السكاني ، وازدادت حاجة الناس للمياه ، قديماً كانت تنتج العين ما لايقل عن 100كوب يوماً بمعدل عشرة "تنكات"أما اليوم لا يزيد إنتاجها عن 40كوب بمعدل "تنكين ".(1)

تعاني العين اليوم من ضعف إقبال الناس عليها ، كما تعاني من إهمال في ترميم العين فلم تأخذ حقها كأرث حضاري قديم نَهُل منه الآلآف .

تبعد عين نيروخ مسافة 100م ،عن عين عرب ، تعتبر هذه المنطقة الأشهر في مدينة الخليل لإحتوائها على عيون وينابيع كثيرة.

يبلغ حوض مدينة الخليل وبئر السبع مساحة تبلغ 300كم مربع يضخ فيه مابين 20-21مليون متر مكعب سنوياً .

وتضم الضفة الغربية حوالي 300 ينبوع تتفاوت هذه الينابيع من حيث الشكل والحجم ودرجة الملوحة وصلاحية المياه.(2)

__________
1) خير الدين الزركلي، الأعلام و رحلات ، المطبعة العربية في القاهرة،ص39.
2) سامح ، عبد العزيز ، رحلات في بلاد الشام ، ط2، دار الصفا للنشر و التوزيع،ص51.

المصادر و المراجع :
2) ابن بطوطة ، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، دار النفائس .
3) ابن تغري بردى أبو المحاسن(ت874هـ/1470م)في النجوم الزاهرة في محاسن مصر والقاهر.
4) ابن جبير ،رحلة ابن جبير أو تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار، ط2، 1997،دار الفكر للنشر و التوزيع .
5) أبي محمد قاسم بن علي الحريري(ت 516ه) ، منظومة في النحو، دار الكوثر للنشر و التوزيع
6) مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة ،كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مكتبة المثنى بغداد، بدون تاريخ، مجلد 2ص 1818.
7) محمد جميل الشطي، مختصر طبقات الحنابلة، مطبقة الترقي بدمشق 1339ه،ص74
8) خير الدين الزركلي، الأعلام و رحلات ، المطبعة العربية في القاهرة 1345ه/1927م، مجلد 4، ص108.
9) جرجي زيدان، كشف الظنون، ، ج1 ص305، الشطي، المصدر السابق ص74، الأعلام ج4
10) إسماعيل باشا البغدادي، هداية العارفين، أسماء المؤلفين وأثار المصنفين، مكتبة المثنى، بيروت، مجلد1 .
11) البغدادي، المصدر السابق، مجلد1،دار النهضة للنشر و التوزيع .
12) مجير الدين العليمي، الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مكتبة المحتسب، عمان ، ج1 .
13) محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي، الفوائد البهية في تراجم الحنفية، مطبعة السعادة الأولى 1325ه، ص168، ج1.
14) سامح ، عبد العزيز ، رحلات في بلاد الشام ، ط2، دار الصفا للنشر و التوزيع .
15) محمد بن ناصر العبودي ، رحلات و زيارات الي فلسطين ، ط2، 1990، دار الفكر للنشر و التوزيع .
16) عبد الحميد ، رافت ، الآداب الرحلات الي بلاد الشام ، ط1، 1990م، دار النور للنشر و التوزيع .
17) انيس منصور ، أدب الرحلات ،ط3،دار المنار للنشر و التوزيع .
18) رامي ، عبد المنعم ، تاريخ رحلات الي بلاد الشام ، ط2، 1996، دار الصفا للنشر و التوزيع.
19) حسن ، عبد العزيز ، رحلات ، ط2، 1998، دار الفكر للنشر و التوزيع .
20) سلامة ، عبد الرازق ، تاريخ بلاد الشام و اهم رحلات فيها ، ط3، دار الكوثر للنشر و التوزيع .

تم بحمد الله
الخاتمة :

استمرت الرحلات الى فلسطين، ففي القرن الثامن كان ابن بطوطة 703-779 هجري الملقب بأمير الرحالين قد زار فلسطين وأقام فيها في طريقه الى الحج مرات عدة، وفي كتابه" تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"وصف دقيق لجغرافية فلسطين. ومن جغرافيي القرن الثامن الهجري أيضاً برهان الدين بن فركاح، وقد خصَّ فلسطين في اثنين من كتبه بقدر كبير ووافٍ في مجالي الجغرافية التاريخية والآثار المختلفة، وبرز في القرن التاسع الهجري اسم أبو البقاء يحيى بن شاكر بن الجيعان 814-885 هجري، حيث الف كتاب"تاريخ قايتباي"شرح من خلاله رحلة الملك الاشرف قايتباي 815-901 هجري الى سورية سنة 882 هجرية على شكل يوميات، وقد تضمنت بعض المعلومات الجغرافية عن المدن الفلسطينية التي زارها كغزة والناصرة وصفد في الجليل الفلسطيني.
توالت الرحلات والكتابات من جانب الجغرافيين والمؤرخين المسلمين خلال القرنين القرنين التاسع والعاشر الهجريين، فكان كتاب "الانس الجليل بتاريخ القدس والخليل "للمؤرخ الباحث مجير الدين عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن العليمي الحنبلي المقدسي 860-928 هجري من أهم الكتب التي وصفت القدس والخليل والحروب التي دارت هناك، وتمت عملية تسجيل لوقائع مختلفة في تلك المناطق، في مقابل ذلك اقتصرت الكتابات الجغرافية في القرن الحادي عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي على الأماكن المقدسة في فلسطين، ومن أشهر الكتابات الجغرافية في تلك الفترة، ما كتبه الشيخ مصطفى أسعد أحمد الدمياطي اللقيمي مؤلف كتاب" سائح الأنس برحلتي لوادي القدس" سنة 1143 هجرية، وكذلك ما كتبه عبدالغني بن إسماعيل النابلسي 1050-1143 هجري في كتابه "الحضرة الانسية في الرحلة القدسية "الذي استفاض فيه في شرح ما شاهده في مدن فلسطين: عكا والناصرة ونابلس والقدس والرملة ويافا وعسقلان وغزة وخان يونس وذلك أثناء رحلته الى فلسطين سنة 1101 هجرية.

الفهرس :
الآية قرآنية ..........................................................................................2
الاهداء................................................................................................3
التقدير و الشكر ......................................................................................4
أهداف الدراسة........................................................................................5
المنهج المستخدم......................................................................................5
أهمية البحث...........................................................................................5
مقدمة..................................................................................................6
الفصل الاول (اهمية الرحلات التي زارت فلسطين ) ..........................................10
المبحث الاول (أدب الرحلات الدينية) ...........................................................11
المبحث الثاني (أشهر رحلات الدمشقيين إلى فلسطين وبيت المقدس)......................... 14
الفصل الثاني (شخصية عبد الرحمن بن محمد العليمي المقدسي)...............................17
المبحث الاول (حيا ة و شخصية عبد الرحمن بن محمد العليمي المقدسي).....................18
المبحث الثاني (دوره في اكتساب العلم)...........................................................19
المبحث الثالث (دوره في التأليف)................................................................25
المبحث الرابع (المنهج الأحمد في تراجم الإمام أحمد).........................................26
الفصل الثالث ( رحالة ابن بطوطة )............................................................32

المبحث الاول (حياة و شخصية رحالة ابن بطوطة)............................................34
المبحث الثاني (إسهاماته).......................................................................35
المبحث الثالث (الرحالة الأمين)................................................................42
المبحث الرابع (رحلته في فلسطين)...............................................................40
قائمة المصادر و المراجع ....................................................................... 41
الخاتمة ..............................................................................................43
الفهرس .............................................................................................44

عصام سمير دلول
[email protected]