عارية العباسيين عبد الله القصير بقلم: رائد محمد الحواري
تاريخ النشر : 2019-09-09
عارية العباسيين عبد الله القصير بقلم: رائد محمد الحواري


عارية العباسيين
عبد الله القصير
عندما نتقدم من المدارس الأدبية نجد أن الواقع/الظرف له أثره على إيجاد هذه المدارس، فقد وضعت أسسها الفكرية معتمدة على تحليلها/رؤيتها للواقع، وهنا يستوقفنا كتاب "الخراب" لنصري الصايغ التي تناول فيها الحرب الأهلية اللبنانية بشكل مجنون، من هنا يمكن أهمية الشكل الأدبي الذي من خلاله نستطيع أن نصل إلى الفكرة، فالشكل أحدى الوسائل التي يعبر فيها الكاتب عن سخطه/نقمته على الواقع/الظرف.
تعد هذه المجموعة من الأعمال الأدبية التي تناولت الحرب بطريقة (مجنونة) وهذا ما يجعلها مجموعة متميزة، فقتامة الخراب والقتل في النزاعات الأهلية تُفقد المتقاتلين الكثير من القيم والاخلاق فيمسون وحوش برية لا يحركها إلا قانون الغاب، "عبد الله القصير" يستحضر النساء في العيد من قصصه كتأكيد على وحشية الاقتتال والمتقاتلين، في قصة "ترجمة بسيطة لحب مشرقي" نجد صورة لهذا الجنون/لعبث الحرب، القصة تستخدم كلمات "وننننن ونننننن وننننننن" التي تترجم فوريا من مجهول "أخشى أن هناك ما يقف عائقا في المستقبل علاقتنا" ص17، تستمر هذه العلاقة بين الحبيبين حتى تصل إلى: "ونننن ونننننن وننننننن المترجم الفوري بين سطوة الشهوة وشعوره بالغيظ يا حبيبي لا تفعل بي ذلك.. أيها الوقح/الكلمة الأخيرة أضافها المترجم س عنده" ص18، وهذا (التدخل الفض) من المترجم يعبر عن سخط القاص على الواقع، وكأنه من خلال تدخل المترجم الفج يعبر عن التغييرات القبيحة التي تجري على ارض الواقع، وهنا يدخلنا القصاص إلى (حواجز المجتمع) التي يضعها امام الحبيبين: "بقول لها بعد أن جرد ماموسته من كلسونها تعالي معي قليلا.
ـ وماذا عن ناموس طائفتنا "القرص" ... وماذا عن طائفتنا؟ أخشى أن ينشب نزاع بيت أهلي وأهلك إن كشفوا سر علاقتنا.
ـخراء على طائفتي وطائفتك... تعالي إلى هنا يا عمري" ص18، الألفاظ "كلسونها، خراء" تعبر عن غضب القاص ونقمته على ما يجري، فيكون بذلك قد استخدم طريقتين ليعبر عن سخطه: دخل الفض للمترجم، وألفاظ نشاز، لكن هل يكفي هذا أم أن هناك وسائل أخرى يستخدمها "عبد الله القصير"؟.
يتقدم بنا القاص أكثر من علاقة الحبيبين، حتى يكتمل اللقاء بالتوحد الجسدي بينمها: " ـ نهاد أنا في ورطة لنم أعد عذراء.. ماذا أفعل؟
ـ حبيبتي أنا مستعد لتحمل المسؤولية كلها.. في أسوء الأحوال يمكن أن أصطحبك إلى طبيب يرتق لك بكارتك" يدخل دخيل لا أحد يريده أو يرغب فيه: "تتساقط القذائف بكثرة يقترب نهاد من الفتاة المذعورة يضمها بقوة... تسمع أصوات اقدام تصعد على سلم المبنى... صراخ رجال.. إطلاق رصاص داخل المبنى" ص19، يتم اقتحام المكان من قبل الدخلاء، ويكون مشهد الحبيبين بهذا الشكل: "المترجم الفوري: أين كلسوني العنكبوتي يا حبيبي؟ رميته في مهب رياح تلك المروحية المشؤومة.ـ الحرب على أشدها في الخارج.. وأنتما تمارسان الجنس؟ ... هل تعيشان خارج الزمن؟ مكا اسمك أيتها العاهرة؟" ص20، وهنا يدخل حدث جديد على الخط، صراع المتقاتلين الذي فض على الحبيبين خلوتهما، "لتكن القنبلة جاهزة للاستخدام في حال عرفوا مكاننا.
ـ حاضر سيدي" ص200، وفي نفس يجري حديث بين الحبيبين: "المترجم الفوري: حبيبي أشعر بالجوع يبدو أن ممارسة الجنس تجعل جوفنا خاويا تماما.
المترجم الفوري : لا تخافي يا حبيبتي أرجو أن تقبلي دعوتي للطعام، إن جلد تلك الفتاة العارية يبدو شهيا هيا إلى القرص والمص ولتذهب طائفتناإلى الجحيم.
يتجه الناموس والناموسية إلى الفتاة ويبدآن بامتصاص ما يقدران من دمها. ورغم الخوف جعلها تفقد الإحساس بأي شيء، إلا أنها شعرت بألم القرص على عنقها ..فضربتها بيدها وكادت أن تقتلهما" ص21، جعل الجثة تتحرك وتقوم بحركات تدافع عن نفسها يشكل فكرة مجنونة، وهذا مؤشر إلى قذارة الحرب والخراب الذي تحدثه في الناس وفي المكان.
يخم اقاص القصة بمشهد مدهش: ومات هيب إلا ربع ساعة حتى هبط الهدوء على المكان.. كان الجميع موجودا وغير موجود، الفتاة العارية في حضن حبيبها يسبحان بدمائهما، الضابط أيضا تلقى جسده وابلا من الرصاص، كان ميتا وفوقه ثلاثة من الجنود مقتولين أيضا... وإلى جانبهم جنود من الأعداء الذي انقضوا عليهم.. تهشم المكان بأكمله ودمر تمازجت الدماء ببعضها.
نظر الناموس الأزعر إلى ناموسته الخائفة وقال
ـ ونننن وننننن وننننننن
ـ ونننننن وونننننننن وننننننن
لقد قتل المترجم الفوري أيضا" ص21و22، قفلة صاعقة على مستوى الشكل وطريقة التقديم والفكرة، فالقصاص استخدم أشكال أدبية تخفف من وقع الحرب على المتلقي، وهذا ما يجعل المجموعة رائدة في تناولها للحرب.
مثل هذا الطرح لا يأتي إلا من كاتب يحسن فن كتابة القصة ويعرف المخارج والمداخل التي يُوصل بها الفكرة، وإذا تقدمنا من المجموعة كاملة سنجدها تتناول الحرب وأثرها على الإنسان وعلى المكان، لكن ومن باب الأمانة الأدبية نقول قصة "حواجز" كان ضعيفة ولا ترتقى لمكانة بقية المجموعة.
المجموعة صادرة دار نون للنشر، راس الخيمة، الامرات العربية، الطبعة الأولى 2015.