وَدَّعَت أَهْلِي وَصَعِدْتُ إلَى الطَّائِرَة . كُنْت سَعِيدًا جِدَّاً سَوْف أُسَافِر لِأَكْمَل دراستي بِالْخَارِج . لَم أَحْزَن لِفِرَاق أَهْلِي كَثِيرًا لِأَنِّي ساُسافر لِتَحْقِيق حُلَم لطالما حَلَمْت بِه . . جَلَسَتْ عَلَى مَقْعَدِي فِي الطَّائِرَة . طَلَبَت مِنَّا المضيفة رَبَط حِزَامَ الأَمَانِ وَإِغْلَاق الأَجْهِزَة الإِلِكْتِرُونِيَّة اسْتِعْدَادًا للإقلاع . أُغْلِقَت هاتِفِي وربطت الْحِزَام . أَحْسَسْت برعشة تَسْرِي فِي جَسَدِي . . خَوْفٌ شَدِيد تملكني فِي تِلْكَ اللَّحْظَةَ وَكُنْتَ عَلَى وَشَكِ النُّزُولِ مِنْ الطَّائِرَة رَغْم أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ الْمَرَّةَ الْأُولَى الَّتِي أُسَافِر فِيهَا . . بَدَأَت الطَّائِرَة بِالْإِقْلَاع شَيْئًا فَشَيْئًا وَأَنَا أَرْجُف مِنْ الْخَوْفِ . . شَعَرْت بِأَنَّ هُنَاكَ خَطْبًا مَا . . سَوْف يُحَدُث شيئ سَيِّئ . . أقْلَعَتِ الطَّائِرَةُ وَلَمْ يُحْدُثْ شيئ . اِبتسَمت بقلق و طمأنت نَفْسِي بِأَنَّ كُلَّ شيئ عَلَى مَا يُرام . . مَضَتْ سَاعَةٌ عَلَى إقْلاعُ الطَّائِرَةِ حِين سَمِعْتُ صَوْتَ انْفِجَار فِي الطَّائِرَة . . صَرَخَت تِلْقائِيّا . . أدْرَكْتُ أنَّ إحساسي لَمْ يَكُنْ خَاطِئًا . كَانَت المضيفات يَطْمْئِنّ الرّكَاب وَصَوْت بُكَاء الْأُمَّهَات وَالْأَطْفَال مَسْمُوعًا إلَى حِينِ صُرَاخ أَحَد الرّكَاب قَائِلًا أنَّ الطَّائِرَةَ تَحْتَرِق . صُمْت الْجَمِيع لوهلة . . أَسْرَعَت أَنْظُرُ إِلَى النَّافِذَة لَأَرَى مُحَرِّك الطَّائِرَة يَحْتَرِق . لَمْ أَتَمَالَك نَفْسِي وَبَدَأَت بِالْبُكَاء وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الرّكَاب ليتبعوني بِدُورِهِم . لَم أهْدَأ اعْتَقَدُت أَنَّ الْبُكَاءَ سَوْف يَجْعَلَنِي أَبْقَى عَلَى قَيْدِ الْحَيَاة. . دَقَائِق قَلِيلِه مَرَّت حِين بَدَأَت الطَّائِرَة بالاهتزاز ثُمّ السُّقُوط . . شَعَرْت بِرَغْبَة فِي التَّقَيُّؤ كُنْتُ أَخَافُ حِينَ يَذْكُرُ أَحَدُهُمْ شَيْئًا يَتَعَلَّق بِالْمَوْت أَمَامِي وَهَا أَنَا أَرَى الْمَوْتَ بِعَيْنِيّ . . لَم أَتَوَقَّع أَبَدًا أنْ أَمُوتَ هَكَذَا . بِحَادِث طَائِرَة . . بَدَأَت بِالِاسْتِغْفَار وَقِرَاءَة مَا أَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ . لَا أُنْكِرُ أنِّي لَفَظْت بَعْضِ الْكَلِمَاتِ بِشَكْل خَاطِئٌ . . أُغْلقَت أُُذْنِي بِيَدِي وَحَضَنَت نَفْسِي . . اِسْتَمْرَرْت بِالِاسْتِغْفَار وَالْبُكَاء وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إلَّا أَنْ شَعَرْت بإصطدام الطَّائِرَة بِالْأَرْض . . اسْتَيْقَظَت مفزوعاً لَمْ يَكُنْ حُلْما جَمِيلا لِشَخْص طائرته بَعْدَ سَاعَاتٍ قَلِيلِه . . ولأكون صَادِقًا لَمْ أَرْغَبْ بِالذَّهَاب وَلَكِنَّهَا رَحْلِه لِلدِّرَاسَة لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُضَيّعَ هَذِه الْمِنْحَة الدِّرَاسِيَّة إنِّي احتاجها وَإِلَّا سَوْف اجْلِس بِجَانِب وَالِدِي فِي الْمَصْنَع أَتَعَلَّم مِنْ هَذَا وَذَاكَ لانجح فِي عَمَلِ ما . . نَظَرْت لِلسَّاعَة إَنَّهَا مَا زَالَتْ السَّادِسَة إلَّا عشرُ دَقَائِق مَا زَالَ لَدَيّ مَا يُقَارِبُ الأربع سَاعَات فطائرتي فِي الْعَاشِرَةِ وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ أَصِلَ باكرا إلَى الْمَطَار تَحَسُّبا لِأَيّ ظَرْفٌ . . تَنَاوَلَت فطوري وتأكدت مِن حقائبي و رَكِبَتْ إلَى الْمَطَار . . وَدَعَت أَهْلِي كَان الْوَدَاع يُشْبِهُ مَا رَأَيْته فِي حُلْمِي اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ شَعَرْت بِاضْطِرَاب في معدتي ورجفة فِي قَلْبِي شَعَرْت بِأَنِّي سأعيد رُؤْيَة الحُلِمِ مَرَّةً أُخْرَى وَلَكِنْ سأعَايشُه في الْوَاقِعِ . . صَعِدَت للطائرة وَتَحَدَّثَت مَع مُضِيفَة رأيتها قادمة وَطَلَبَت مِنْهَا أَنَّ يتِمَّ التَّأَكُّدُ مِنْ الْمُحَرِّك قَبْل الْإِقْلَاع . . اِبتسَمَت بِضِيق واجابتني أَنَّهُ قَدْ تَمَّ التَّأَكُّدُ مِنْ كُلِّ شَيِّ فَلَا دَاع للقلق . . جَلَسَتْ فِي مَقْعَدِي قَرَأْت الْمُعَوِّذَات لطالما عودتني وَالِدَتِي عَلَى قرائتها كَانَتْ تَقُولُ دَائِمًا أَنَّهَا ستحميني مِنْ أَيِّ مَكْرُوهٌ كَانَ سيصيبني . . أغمضت عَيْنِيّ وَلَعنَت وَضَعْنَا المادي لَعنَت الْفَقْر لَوْ انّنَا أَغْنِيَاء لمَا اضْطُرِرْت إلَي مِنْحَه دِراسِيَّة، لَكُنْت ادرس بَيْن عائلتي الْآنَ وَمَا كُنْتُ سأعيش هَذَا الرُّعْب الذي اعايشه حَالِيًا . . بَدَأَت الطَّائِرَة بِالْإِقْلَاع لَمْ أَتَمَالَك نَفْسِي وَبَدَأَت بِالْبُكَاء . . بَدَأ الرِّكَاب يَنْظُرُونَ إلَيَّ بَعْضُهُم يَضْحَك وَالْآخَر غَاضِبٌ وَقَلِيلٌ مِنْهُم قَام بتهدئتي . . لَم اتوقف عَنْ الْبُكَاءِ حَتّى قَالَتْ المضيفة أَنَّهُ تَمَّ قَطْعَ نِصْفِ الْمَسَافَة ! . . لَم أَقْطَع نِصْف الْمَسَافَةِ فِي حُلْمِي لَقَد سَقَطَت الطَّائِرَةِ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ إقْلاَعُهَا وَلَكِن الْآنَ قَدْ مَرَّ اربعُ سَاعَات عَلَى الْإِقْلَاعِ . . تَنَفَّسَتْ الصّعَدَاءَ . . سَخِرْت مِنْ نَفْسِي عَلَى تصرفي الطفولي واعتذرت لِلَّذِين ازعجتهم وشكرت مِن هَدّا مِن رُوعِي . . جَلَسَت انْتَظَر مَوْعِد الْهُبُوط اُنْظُر لساعتي وَانْظُر للنافذة بَيْن الْحِين وَالْآخَرُ إلَى أَنْ أَعْلَنْت المضيفة عَن وصولنا . . نَزَلَتْ مِنْ الطَّائِرَة وتنفست الصّعَدَاء ..ابتسمت شاكراً .. لَم أَمت لَمْ يحْدث شَيّ للطائرة . . رَأَيْت الرّكَاب يَنْظُرُونَ إلَيَّ وَ يتهامسون لَمْ أُُرِدْ أَنْ أُُحْرَجَ أَكْثَر فَأَسْرَعَت فِي خُطَاي . . إلَّا أَنْ رَأَيْت فَتَاة كَانَت مَعِي فِي الطَّائِرَة وَتَجْلِسُ فِي المقْعَدِ الْمُجَاوِر لمقعدي تَتَحَدّث مَع صديقتها أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ عُطْلٌ فِي الطَّائِرَة وَإأن الْمُحَرِّك كَان يُفْتَرَض أَنْ يَنْفَجِرَ وَلَم يُرِدْن المضيفات أَن يخبرو الرّكَاب خَوْفًا مِنْ ردود أَفْعَالِهِم . . حِين سَمِعْت هَذَا شَعَرْت بِأَن ثَلْج قَد سُكِبَ عَلَى قَلْبِي وَلَمْ أَشْعُرْ بِقَدَمِي شَعَرْت بِاخْتِنَاق كَان يُفْتَرَض أَنْ نَمُوت عَلَى هَذِهِ الرِّحْلَة كَمَا حَصَلَ فِي حلْمِي وَلَكِنْ لَمْ نَمُت . . لَمْ أَجِدْ تَفْسِير لِمَا حَدَثَ وَلَكِن أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ أنْ مَا حَصَلَ كَانَ هَدْيُةٌ مِنْ اللَّهِ لِمَنْ أَغْفَلَ عَنْ عِبَادَتِهِ و اِبْتَعَدَ عَنْ طَرِيقِ هِدَايَتِه . . وَهَذِه الْهَدِيَّة هِي هَدِيَّةٌ لَا تَقْدّرُ بِثَمَن يَحْتَاجُهَا جَمِيعِنَا عِنْد مجئ يَوْم الْوَعِيد .
نور باسر العجرمي
مَا تَراه ولنْ تَراه بقلم: نور ياسر العجرمي
تاريخ النشر : 2019-08-30