موعد مع الحلم بقلم:حنين سعيد عيسى
تاريخ النشر : 2019-08-26
موعد مع الحلم بقلم:حنين سعيد عيسى


" تَحّيكُ من الغيومِ البيضاءِ ملابسها , وتستعيرُ من بتلاتِ البنفسج لونَها الزاهي تُجهزُ كلكولين صغيرين لا يتجاوزُ طولهما الأصبع
تتأملهما وسعادتُها تماثلُ بهجةَ طفلٍ صغيرٍ بقدومِ عيدِ الفطرِ وهو يَعيهِ للمرةِ الأولى بين حينٍ وحينٍ تنظرُ لبطنها المتكورِ حديثاً تربت عليه وكانها تداعبها هي طفلةٌ تحملُ بينَ احشائها طفلةً
طفلةٌ بعمرِ العشرينَ تجلتها براءهٌ لم تغادر مهدها واتخذت من كلِ جزءٍ منها مستقر تظهر بضحكتها , بكينونتها , بغضبها , بتلك النظرةِ التي تسكنُ عينيها حين تُبرقان خجلاً متوارياً لترفرف أهدابَها سريعاً ترتسمُ ضحكةٌ سرعان ما تُخفيها بيدها الصغيرةِ الناعمةِ تخشى أن تَرّنَ بين الأرجاءِ وجيدٌ بإنها تفعل فلو تصاعدت لوقع الآخرون بأسوارِ سحرها .
وبينما هي منغمسةٌ بحُلمِها تكادُ تعانقهُ , تحيا أطوارهُ , ينمو جنينُ
الأمومةِ داخلها تشعر بها تشاركها تقاسيم يومها , تظنها بعض الأحيان بجوارها تستشيرها أي القطع تريد , تشاركها الليالي تتناولُ الفراولةَ الطازجةَ تغمضُ عينها تتذوقُ مذاقها الحلَّو الممزوجَ بقليلٍ من الحموضةِ , وتلك الطفلةُ تفعلُ مثلها , تقصُ عليها حكايةً جمعتها مع والدها تتعهدُ لها بحبٍ لن يَسعهُ الكون , دفءٌ يسكنُ قلبها يغارُ منهُ ربيعٌ ما زالَ يَسكنهُ البردُ وحريةٌ لم تحظى بها طيورٌ باسطةٌ أجنحتها بالسماء ! على اعتاب حُلمِها نُزع منها قبل شهرين ونصفٍ كلماتٌ ذاتَ وقعِ الرصاصِ نحرتها
لن تحيا ربما يومٌ أو اثنينِ لكن لن يُكتب لها الحياة نَزعت منها الحلمَ وقتلت بصيصَ أملٍ ليناديه آخرٌ يطمئنها نحيا على رحمة الله
وكلُ الأمورِ هي خيرٍ تحيا لحظاتُ الانتظارِ تتمنى أن تُغمضَ عينيها وتنهض بعد أن تنتهي تلك المعاناة وفي ذاتِ الوقت لا تريدُ لتلكَ اللحظةِ أن تأتيَ تريدُ أن تشعرَ بها أطولَ وقتٍ ممكنٍ لا تريدُ الانفصال , لا تريدُ حياةً تغادرها من قاسمتها جسدها أيامٍ وشهوٍر
حانت اللحظةُ وقلبُها يلهجُ بالدعاءِ توكلُ أمرها لخالقِ الكونِ تودع لديهِ طفلتها اغمضت عينيها تناجي قلبها سأنهضُ على خبرٍ يُثلجُ الفؤاد .
وما بينَ الدعاءِ والرجاءِ أملٌ بسطَ فِراشَهُ ويقينٌ استظلوا بظله , أقبلت ضيفةٌ مع بشارةِ ليلةٍ ممطرةٍ ساكنةٍ ترفرفُ بإهدابها المتثاقلتين تُبصرُ الكونَ بحجري عقيق استعارتهُما من أعماقِ
المحيط نَقشت بهما البراءةُ تخرجُ يدها الصغيرةَ من دثارها ترفضُ التقييدَ يرّنُ صوتها ببكاءٍ حادٍ تثبت نفسها أنها بهذا العالم
وبشرتها النقيةُ المحمرةُ تشبهُ حبةَ الفراولةِ التي كانت تطالب بها , أما والدتها تنظرُ إليها تتأملُها بدهشةٍ تدرسُ تفاصيلَ معجزتها الصغيرةَ تحملها بين ذراعيها وجلةً أن تؤذي جسدها الصغيرَ الرقيقَ تقربها من وجهها تشم رائحتها التي عجزوا عن الأتيان بمثلها , الرائحةُ المنبعثةُ من جسدٍ تطالبُ مسامهُ بالحياةِ جسدٌ نابضٌ بالقوةِ رُغمَ صِغرهِ وليونتهِ تَحمّلَ وجعً يعجزُ عنهُ شابٌ بمنتصف الثلاثين تلك الرائحةُ يخالطها براءةٌ حديثةُ الميلادِ
وتلكَ الصغيرةُ تدفعُ نفسها نحو ملهمتها بالحياةِ تقربُ أنفها الصغيرَ الذي لم تظهر ملامحهُ بوضوحٍ تتشرب أنفاسها تُفرِجُ شفتيها تطالبُ بطعامها , لتستكين بعد حصولها عليه آمنةً
مطمئنةً تنعمُ بأحلامها السعيدةً صدقها اللهُ وعدهُ , دعتهُ بقلبٍ حاضرٍ, متضرعٍ , واثقٍ بغسق الليلِ , فاستجابَ اللهُ لها وأتى حُلمُها حقيقةً تحيا معهُ كلَّ يومٍ بسعادةٍ , فاكتبوا أنتم حكاياتكم مع الحُلمِ وحدثوه وقُلبَوكم مسكونةٌ ثقةٌ باللهِ ليحلَّ ضيفاً عليكم ذات يوم .