طلاب غزة
تاريخ النشر : 2019-08-25
طلاب غزة


طلاب غزة

بقلم: فلورندا مصلح

صباح البحر لأطفال غزة.. صباح الوطن لكل طلابه ومعلميه في يومهم الأول بعام دراسي جديد.

هي الأقدام الصغيرة مرة أخرى.. تعود بخطى الحنين.. ترتشف رائحة الخشب العتيق.. تذروه على كائنات السحب.. تتوق لألق كتب المدرسة الأولى.. تنشد بصوت رهيف لعذابات تائهة بين جناحي النسر الفلسطيني الجريح على خارطة الوطن.

 هؤلاء الأطفال الطلاب أكبرهم في الصف الثاني عشر، منهم أطفال غزة الذين شهدوا حربها الأولى، وهم في بداية مسيرتهم المدرسية بالصف الأول 2008، أما أصغرهم طلاب الصف الأول الأساسي مواليد 2013 الذين ذاقوا ويلات حربها الثالثة.. ففقدوا النوم الهادئ والحليب الدافئ في مهدهم.. وما بين هذين الجيلين، يدرس أطفال غزة الذين شهدوا ثلاثة حروب.. وزرع الحصار أقدامهم في حقول اليأس.. ولكن عيونهم مشدودة إلى الوطن المتكامل بمدنه وقراه ومخيماته من البحر للنهر..

 طلاب غزة في المراحل الدراسية المختلفة يحفظون خارطة فلسطين عن ظهر قلب، برغم أنهم لا يعرفون معنى استمرار التيار الكهربائي في بيوتهم ليوم كامل.

طلاب غزة يحبون القدس، ولكنهم لا يعرفون عنها سوى الاسم والصور الملونة في الكتب المدرسية.

طلاب غزة لا يعرفون عن جبال الضفة الغربية والجليل سوى الأسماء والارتفاعات المحفوظة في صفحات الجغرافيا.

طلاب غزة يعودون إلى مدارسهم، والغالبية منهم تحمل حقائب العام الماضي.. ومنهم من لا يجد فطورا في بيته سوى الخبز الحافي وكوب الشاي الساخن بسخونة شهر آب.

هذا الجيل الناشئ في غزة هو أملنا.. بكل آلامه وجراحه.. وهو واجبنا .. من حقه علينا أن نتعهده بالرعاية والحنان، ونحمله أمانة حملناها ممن سبقنا.. ولكننا عجزنا عن حملها، وكثرت أخطاؤنا، وامتدت يدنا تقبض على روح شقيقها، وتمزق ما بقي من شتات الوطن.

لعل هذا الجيل الناشئ بروحه البريئة ينهض بالحلم الفلسطيني المحاصر بغلالات النار والدماء.

أحلامهم منسوجة بخيوط الصباح وشقشقة العصافير، أدمت أشواك الحرب أقدامهم، وتكسرت كل الأقمار فوق سمائهم، ولكنهم ما زالوا هنا، وسيبقون هنا، لهم ما ليس لغيرهم.. هم أبناء الجبابرة الكنعانيين.. التاريخ لهم.. وغيرهم إلى زوال يوما ما.

أبناؤنا الطلاب.. أنتم بحق حروف لغتنا العابقة بالجمال والطهارة..

 اتبعوا حلمكم بشغف.. ولا تتركوا لليأس فرصة ليخيم على ظلال قلوبكم النقية، كونوا على الدوام قناديلنا الوهاجة.