رحيلُ (مَاهى الغزولى) واصطفاء (الحُبّ الإلهى)؟ بقلم:أحمد الغرباوى
تاريخ النشر : 2019-08-22
رحيلُ (مَاهى الغزولى) واصطفاء (الحُبّ الإلهى)؟ بقلم:أحمد الغرباوى


أحمد الغرباوى يكتبُ:

رحيلُ (مَاهى الغزولى) واصطفاء (الحُبّ الإلهى)؟

المَوْتُ حَقّ.. والفُراق حُزْنٌ؛ ولا بُد..

وترحلُ الزميلة العزيزة (ماهى الغزولى).. نائب رئيس الشركة القابضة للبتروكيماويات للشئون الإداريّة.. وقد تهيْأت للعودة لمصر الحبيبة؛ ولأسرتها الصغيرة.. وأسرتها الكبيرة بقطاع البترول.. وحُضْن الأمّ مصر..

ولكن اصطفاء الله كان لها أعزُّ وأجلُّ وأشْرَفُ وأنعم..

وعلى الجائزة الكبرى تَمَنّى حَيْوَات أرْضٍ؛ حُسْن خاتمة تحصلُ وتنالُ الفقيدة العزيزة.. وتصعدُ روحها بأطهر بقاع.. بعد أن تنهى طواف الوداع، وتتمّ شعائر الحَجّ العظيم.. وتدفن بجوارِ أفضل الخَلِق؛ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وتغدو برفقة الصحابة والأوليْاء والمبشّرين بأعلى جِنَان الرحمن.. و..

وإلى أجمل آخر ترحّال.. وليس بعده من مُسَتقرٍ لعابر سبيل اختيار.. ولا يُقارنه حلم رؤى بمساءات بشرٍ، يتمنّاها احتواء قلبٍ؛ يُحِبُّ فى الله..

(ماهى الغزولى) ملاكُ خَلْقٍ.. يمنحنا رحيلها دَرْساً فى الحُبّ.. وفى احترام العدالة الإلهيّة.. وبقدر الألم فى بُعاد جسدها؛ تطّردُ رَجْفة الرهبة وعظيم الإجلال فى مِنْحِة الربّ ومَحَبّته لها.. ويتجّلى البَهاء المُطِلّ بأريج آخر لقاء لها ودنيانا..

وفى خبر نَعْيها؛ تُنْشَرُ لها صورة مِنْ غير حِجَاب، ولا ساتر للشّعر..!

ولأوّل وهلة؛ يتساءلُ الناّظر؛ وليس المُبْصِر بالقلب.. ويتعجّبُ المتجوّل بعَيْنيه على أسطح الأشياء.. والواقف عند القشور.. والمُنْدَهِشُ للألوان.. والمتدلّه فى خَدْرِ النظرة الأولى.. والمُنْزَلِقُ فى الرؤيّة السطحيّة للأمورِ.. بعيداً عن الفضائل الروحيّة الدفينة..

ويصمتُ المؤمنون فى تأمّل ووقار.. يالعظة الله فى هباته.. ودُرَر أرزاقه.. ورَوْعَات خفايْا عطايْاه.. وثراء الرؤيّة الدفينة فى فَيْض الشّعور؛ وتدفّق الحِسّ بإخلاص الوِجْدَانِ الغارق بيمّ العالم الجِوّانى للإنسان.. وثبات العَقْل ويقين الفِكْر.. بعيداً عَنْ  تزيّن الوَعْىّ بأثوابِ الحضارة، ولا تزل تُسَيّرنا روح الجاهليّة الأولى.. لاتتماسّ  ورذاذ  (التربيّة الروحيّة) الجميلة..

إنها حُسْن خاتمة (ماهى الغازولى).. نبوءة جَنّة سماوات؛ غَصْبِ عَنْ كُلّ حساباتنا الدنيويّة قصيرة النظر.. العائشة بأغْلالِ فلسفات الفِكْر قَيْد الأعْرَافِ والعادات والتقاليد والموروثات؛ الملتصقة بالتفكير الإنسانى، والملتحفة بالتشدّد المَظْهرى..

وهو الأمر الذى ـ بدون تمهّل ورويْة  ووعىّ ـ  يدفعُ الإنسان؛ كَىّ يراقب سلوك أخيه الإنسان بدقّة.. ويترصّد مَظهره.. ورُبّما يعطى نفسه الحَقّ؛  فيتجرأ ويَحْكُمُ عليْه.. ويَنْسى علاقة قلبه بربّه.. وسِرّ الوَصْلِ بَيْنه وبَيْن خالقه..

ونتذكّر قول القديس أنطونيوس الكبير:

ـ أنا لا أخاف الله لأننى أحبّه.. إنّ المَحَبّة تطردُ الخَوْفَ..

وداخل نفسه؛ وإنْ لم يُعِلن؛ يتساءل مَنْ ينظرُ للصورة دون حجاب.. كما هى فى أعلى المقال.. هل لابُدُ أن تكون ذات مظهر إسلامى متمثّل فى غطاء شعر؛ لكىّ يُحِبّها الله.. ويصطفيها ضِمْن أشرف خلق الله!

لم نتدخّل بَيْن الله وعباده.. ونعطّل القدرات الإنسانيّة  الجَبّارة؛ التى تتكشّف خلف حُجُبِ الحُبّ الإلهى.. ولآلئ أصْدَافه بداخلنا..

وفى أضيق حدود التقوقّع والإنغلاق؛ نُصِرُّ على أنْ نظلّ..!

ونبقى نِتَاج عبادة الله خَوْفاً منه.. لا حُبّاً فى الحيبب دون غايْة.. ومِنْ أجلِ لبّ حاجة.. ونرتمى فى حُضْنه أعلى دفء  وودّ  الأخّ  والأبّ  والأمّ  والزوج.. و.. والصديق..

إنّه الربّ الرحيم بكُلّ عبدٍ؛ دون استثناء..

مَنْ وهب إبْداع خلقه الجمال فى كُلّ شىء.. حتى يوقد بداخل أرواحنا نوره الإلهى؛ غيْث دنيا ودينا.. ولايعرف لمَنْ يصطفى.. وبجواره يجودُ ويُكْرمُ..

لِمَ ننشغلُ بالتفاصيل الماديّة.. ونغرقُ بتفاصيل الأثواب الخارجيّة.. ونتجاهلُ ماتستره من بَيْاضِ النفوس؛ ورقّة النّبْضِ؛ ورُقىّ الإحْساسِ؛ وسماويّة الأفعال؛ ورفرفة الملائكة بأمْكِنة البشر.. وأزمنة الإنس..

و نستغربُ جمال الرحيل.. ونتهادى بُعداً عَنْ سرّ (الحُبّ الإلهى)..

ذاكَ (الحُبّ الإلهى).. الذى يتجلّى فى رحيل (ماهى الغزولى).. نِتَاج براء ونقاء نفوس نُدْرِة بشر..

 أناسٌ خلقوا.. لا تعرف قلوبهم؛ غير التغريد حُبّاً فى الله..   

إنّها (ماهى الغزولى) التى يُحِبُّها الله..

عَنْ عَمد؛ من شرنقة رَوْعَات حضورها؛ ترحلُ دون أن تُفارقُ.. وفى رحيلها يُعَلّمنا الربّ مَعْنى (الحُبّ الإلهى)..

وألا نخاف مَنْ نُحِبّه.. وألا نقع أسْرَى الظاهر.. فنهرولُ نحو طريق يسدّ دون انفتاح العقل.. ورحابة المَنْطق.. ونهوى إلى التسليم بتصوّرات ومسلّمات.. لا.. لا يعلمها إلا الله وَحْده..

ولو عرف الإنسان كيف يعتكفُ قليلاً بغار (الحُبّ الإلهى)؛ لتبدّلت أحوالنا.. وتغيّر نمطها..

 فلابغض ولا مُعَاداة ولاهَجْر.. إنّما المعاملة بالضدّ؛ لتفُز بوفير ثواب.. وتحظى بنظرِ الله.. والقرب منه.. وتحتسبُ عنده مِنْ أهل الفضل.. وتتنزّلُ بك رحمات ورَوَاح القلب.. وأمام طغيان حُبّك؛ ينقلبُ العادى إلى مُحِبّ.. والبُغض إلى صدق ودّ..

وفى دروب العفو تسيرُ؛ فيعفو الله عنك.. وتسامح فيسامحك الله أكثر.. وتصبح من روّاد العطاء، ويُحِسنُ الله عليك بما هو أكثر وأكثر..

وربّما ينعم الله عليك بما أنعم على (ماهى الغزولى)..

إنه (الحُبّ الإلهى)..

لا يرى غَيْر القلب.. ولاينوء إلا ببوحِ الرّوح؛ وهمس سريرة براء نفس.. أبديّة جمال وذوبان بيَمّ البهاء الأسمى..

فلاتخشى (الظّاهر)؛ ولاجزع للمَرْئى؛ وأنت فى الله تُحِبّ وتعشقُ..
بل تخافُ على مَنْ تُحِبّ ألا تتناقص عظيم مكانته بقلبك.. ومن بَيْن أضلع صدرك؛ تتسرّب خِلسة فى غفلة دنيا..

إنّه (الحُبّ الإلهى)..

تُذِقُ جماله؛ فتتوهّج روحك.. وتتطلّعُ إلى مزيد مِنْ الجمال حتّى تتلاشى فيه..

فلنعرفُ الله عن طريق الحُبّ دون خَوْف..

و(ماهى الغزواى) فى رحاب الربّ وبصحبةِ أحبابه؛ نطلبُ من الراحلة الغالية أنْ تشفع لنا يوم يَحِلّ موْعدنا..

وياليْت الله يمنُّ عَلَيْنا بمثلِ حُسْن خاتمتها..؟

وماهى إلا.. إلا إبْدَاع تأمّلات وقراءة عابرة..  و

ومحاولة استيعاب فِقه الحَيْاة..!

.....