غزة لن تهاجر بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2019-08-21
غزة لن تهاجر بقلم : حماد صبح
بُني المشروع الصهيوني منذ خطواته الأولى في فلسطين على ثنائية الهجرة والاستيطان ، واتخذ خلال مسيرته الطويلة وسائل متنوعة في هذه الثنائية متكيفا مع الأحداث والتطورات . والهجرة والاستيطان يستلزمان بطبيعتهما أن يكونا على حساب الكينونة الفلسطينية مجتمعا وسيادة وطنية . وفي كل حدث ، وفي كل تطور ، مر به الصراع ، نشطت إسرائيل لتهجير من تستطيع تهجيره من الفلسطينيين ، وكانت أكبر جريمة تهجير هي التي تمت في 1948 ، ووضعت الأساس المتين لقيام إسرائيل . وبعد احتلال الضفة وغزة في 1967 نشطت لتهجير سكانهما أملا في تكرير جريمة تهجير 1948، ولم يوافقها إلا قدر صغير من النجاح ، ولكنها لم تتخلَ عن حلمها المصيري ، وواصلت تحركها على دربه بكل وسيلة تقع في يدها ، ومنها هدم البيوت في الضفة وغزة وحتى في أراضي 1948 ، وهدمت قرية العراقيب في بئر السبع الفلسطينية 149 مرة ، والعدد مهيأ للتوالد والتزايد . أهل القرية يعيدون بناءها ، وإسرائيل تعود إلى هدمها في متوالية مأساوية لم يعرف لها التاريخ شبيها . وهدم البيوت لا تقدم عليه أي قوة معادية في صراعها مع أعدائها سوى إسرائيل ، ويجرمه القانون الدولي ، وهي تقدم عليه لتفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها ، فمن لا يجد له بيتا في وطنه قد يسهل تركه له عند أي سانحة ملائمة . وأكبر علامات إخفاق إسرائيل في مشروعها التهجيري للفلسطينيين ، أو تطهيرها العرقي ، أن عدد الفلسطينيين اليوم بين النهر والبحر 8 ، 6 ملايين ، وعدد اليهود 6 ، 6 ملايين . هذا فوز فلسطيني كبير ، وإخفاق إسرائيلي أو يهودي أكبر . ونشرت " يديعوت أحرونوت " منذ يومين أن إسرائيل تعمل على تسهيل هجرة أهل غزة " أملا في خفض حدة التوتر " ، وهذه حجة كاذبة داحضة ، فتهجير الفلسطينيين ليس هدفا إسرائيليا عابرا لحل مشكلة عابرة مثل التوتر الحادث مع غزة ، وإنما هو هدف تاريخي مصيري . وتقول الصحيفة إن إسرائيل تستدرج في مخططها عدة دول لتقبل هجرة مواطنين من غزة إليها ، وإنها لم تتلق حتى اللحظة ردودا . الحلم اليهودي بتصفية فلسطين من أهلها امتداد للكذبة الصهيونية بأن فلسطين أرض بلا شعب ، وبهذا هي الأنسب " لشعب " بلا أرض هو " الشعب " اليهودي المزعوم . وهو ، الحلم ، سعي يائس لإجبار الجغرافيا الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني على التكيف مع تلك الكذبة الكبرى . وفي إخفاقهم الكبير على درب هذا الحلم درس واضح يلزمهم أن يحسنوا قراءته وفهم محتواه ، وصفوة الدرس أن مشروعهم في فلسطين لا أمل في بقائه وإن ضللتهم مظاهر قوتهم المادية ، وحماية أكبر قوة عالمية ، أميركا ، لهم ، وتلهف كثير من الدول العربية على التآلف والتحالف معهم ، فهذه الدول المتلهفة تمثل حكاما لا شعوبا ، وعليهم أن يعوا أن الأقرب والأنسب وفق كل الموجبات والحيثيات أن يهاجروا من فلسطين إلى مواطنهم التي قدموا منها ، ولهم فيها جذور وأقارب وانتماءات متعددة ، ويلقون هناك تسهيلات كثيرة . وهجرتهم ذاتها إلى فلسطين تبين بالوضوح الساطع المقنع أنهم فعلا صالحون لهذه الهجرة المضادة ، فمن هاجر بدايةً يمكن أن يهاجر تاليا هو أو نسله الذي ولد في فلسطين ، وهم كغربيين في كثرتهم وثقافتهم لا يرون في الهجرة إلى بلد آخر مشكلة وطنية مثلما هي حال الفلسطينيين . أخطؤوا حين هاجروا إلى بلادنا فليصححوا خطأهم بأنفسهم ، وليتوقفوا عن هذيانهم لدفعنا لتصحيح هذا الخطأ الخطيئة ، ومن مشى على الشوك حافيا مُجبرٌ وحده على نزع ما انغرز منه في قدميه ، ولتعد به هاتان القدمان إلى البلاد التي هاجر منها مخطئا مضللا ، ومفعما بروح الشر والعدوان والجريمة ضدنا . ومن يشهد مَوَجان الحياة العارم ، وتدفقها المتوهج في غزة جديةً في كسب الرزق ، وتعمير بنيان ، وإنتاجا زراعيا وصناعيا ، وتعليما مدرسيا وجامعيا ومهنيا ؛ يتجذر في قلبه وعقله أن غزة لن تهاجر ، ومن يسمع أخبار هجرة مستوطني غلاف غزة إلى الداخل الفلسطيني المحتل ، وأحيانا إلى الخارج ، ويشهد صور هلعهم عند أي صفارة إنذار او سقوط صاروخ أو بالون حارق من غزة ؛ يعلم من الذي سيهاجر من فلسطين في النهاية . ويحسن توضيح حقيقة مغادرة 35 ألف مواطن غزي العام الماضي إلى الخارج التي ترى فيها إسرائيل بشرى خير . غالبيتهم غادروا للدراسة والعمل وسواهما من دواعي المغادرة ، وهم سيعودون إلى غزة في وقت قادم أو آخر ، كل وفق ظروفه الخاصة . غزة لن تهاجر مهما ساءت حالها ، وستظل جمرة ملتهبة تحرق روح هذا الكيان الشيطاني الذي اختلقه الغرب ليكون مثلما قال ونستون تشرتشل السياسي البريطاني الشهير : " سرطانا يهوديا في حلق العرب " ، فهذه الأرض ذاتنا ، ولن نهاجر من ذاتنا .