ترامب و الناصر لدين الله بقلم:بارق الطائي
تاريخ النشر : 2019-08-21
ترامب والناصر لدين الله العباسي

الرئيس الامريكي ترامب يريد ان يعيد اميركا الى عظمتها التي كانت عليها , الى سيطرتها على العالم اجمع بلا منازع , كما كانت قبل ان يجلسها العراق و افغانستان على الخازوق .

 يريد ان يعيد سيطرة يدها المرعبة على الشرق الاوسط كما كانت قبل سنوات قليلة  , قبل ان تدخل فيه روسيا , وتدخل فيه فرنسا , و تحشر انفها فيه انكلترا , بل قبل ان تركض ايران وراء الراكضين وتصيح انا ايضا ... انا ايضا .  

يريد ان  يعيد اقتصادها الى ماقبل عصر الصين والهند .

الصين و الهند اللتان بعد عشر سنوات فقط من الان سيكونان الاقتصاد الاول و الثاني في العالم كما يقول الخبراء .

يريد ان يعيد اسكات شعوب الشرق الاسط التي تغلي . حيث يرقعون فتقها بثورة مضادة هنا فتفتق من هناك  لكأن ليس هناك في اجهزة استخباراته نصر بن سيار ثان  ليقول له :

ارى تحت الرماد وميض نار      ويوشك ان يكون له ضرام

........

ذكرني ترامب  برجل عاش قبل قرون طويلة . حاكما لامبراطورية كانت في فترة ما تحتل نصف الارض  . استلم  الحكم وهي لا تحكم حتى نسائها .

 كان الناصر لدين الله العباسي رجل طموح قوي مقدام , اعاد للخلافة كثير من سمعتها , حتى عاد الملوك حوله يطلبون وده وودها . ذكرت عنه الكتب مالم تذكره عن غيره , من عزمه و افعاله , حتى كان رجل يخرج من احدى قرى الصين متوجها الى بغداد فيكون علمه عند الخليفة قبل ان يخرج . اعاد لجيش الخلافة سطوته . ادب ملوكا وسلاطين بعد ان كان جده يرفع يده مستأذنا قبل الذهاب الى الحمام .  

لكن الناصر لدين الله و خليفته الناصر للقرن الامريكي ترامب نسيا شيئا واحدا فقط . شيء واحد لكنه كبير ومهم  .  ولانهما لم يكونا يعلمان فقد كانت طموحاتهما بقدر ماكانت كبيرة , كانت مستحيلة و فاشلة .

نسيا ان لكل حضارة دورة حياة واطوار معروفة لا تتشابك .  فبعد العظمة و السطوة لا ياتي الا الضعف و الخوار . يحل الضعف و الهوان ضيفا  ثقيلا , لا هروب منه ,  لانه  سمّ يتجمع و اخطاء وتغييرات كانت قد بنيت بداخل اساسات هذه الحضارة . عيوب تظهر وتكبر و تنتشر ثم تستولي على كل مفصل من مفاصل المجتمع و الاقتصاد وكل فرد من افراد الشعب . لا يمكن الغائها و العودة الى الوراء , اللهم الا في الاحلام .

شبه ابن خلدون دورة حياة الحضارة بدورة حياة الفرد الواحد , وتبعه ارنولد توينبي ,  وتبعه ول ديورانت , وتبعه كثيرون  واعطوا امثلة لحضارات كثيرة في التاريخ . كلهم ذكروا نفس دورة الحياة .

 فكما ان الشيخ الكبير المعوج الظهر , المجعد البشرة , الضعيف , الواهن , لا يمكن ان يعود شابا جميل الوجه , منتصب القامة , رشيق الخصر , جميل البشرة , فان الحضارة ايضا لايمكن ان تعود الى الوراء .

 الشيخ اصبح شيخا لان هناك في خلاياه ماتغير . والحضارة الهرمة لايمكن ان تعود حضارة نشطة لان هناك تغيرات حدثت في خلاياها , في شعبها .

يتفق الجميع على ان نفسية المواطن مع الترف و الوفرة , تنحل و تذهب العقيدة التي بنت الحضارة و تذهب الفورة ,  ومع ذهاب الفورة يبدا التفسخ .

 يشدد معظم الباحثين في الحضارات على  اهمية الدين , وعلى التحلل العائلي و على الانحلال الاخلاقي . فاذا غاب الاول , ظهر الثاني  و الثالث متداخلان كساقين يتسابقان نحو الهاوية . والانحلال الاخلاقي يتفق الجميع على انه المرحلة الاخيرة قبل بدا الانهيار.

 وماذا عن الاقتصاد ؟ ذهب الزمان الذي كانوا فيه يبيعوننا النعال التي ننتعلها و الملابس التي نرتديها بل ذهب الزمان الذي كانوا فيه يبيعوننا فيه التكنولوجيا المتقدمة فكلها صارت تحت مطرقة المنافسة من كل مكان . بل  ذهب الان حتى الزمان الذي صاروا يتغلبون على المنافسة بقوة السلاح ويفرضون علينا مانستطيع شراؤه من غيرهم .   

لهذا السبب اولا اقول ان منطقتنا في فورة للوقوف , فشعوبنا التي تحتاج الان لمجازر , ترتكب بها , لتسكت هو اكبر دليل على هذا , و لهذا السبب اقول ثانيا  لترامب خذ عبرة من جدنا الناصر , فما ستقوم به قد ينفع يومين , لكن اليوم  الاغبر اتٍ لا محالة فهي حتمية التاريخ لا تستطيع لا انت و لا اجدادك تغييرها وكما عاد ابناء الناصر يستاذنون قبل ان يذهبوا الى الحمام سنرى خلفائك قريبا جدا يتوسلون لكي تبقى امريكا موحدة .  
او ربما في الوجود

بارق الطائي

19 – 8 – 2019