عزاءُ العمليات العسكرية في غزة وفرحها بالضفة!؟ بقلم:بكر أبوبكر
تاريخ النشر : 2019-08-21
عزاءُ العمليات العسكرية في غزة وفرحها بالضفة!؟ بقلم:بكر أبوبكر


عزاءُ العمليات العسكرية في غزة وفرحها بالضفة!؟

بكر أبوبكر

من المهم قطعًا أن يكون الاتفاق على طريقة العمل أو النضال طريقة جماعيّة، بمعنى أن يُتخذ القرار المُلزم بشأنها بشكل كلّي وحدوي جماعي، ومن المهم أيضا أن تتم التعبئة باتجاه القرار ما دام يحوز على الأغلبية القيادية كي لا يكون هناك من التناقض بين التصريحات والأفعال ما يجعل الجمهور في حيرة أو ما يجعل اللاعبين على كل الحبال يجدون ثغرة ينفذون منها.

في سياق متصل مع ماسبق قد لا تفهم التناقض الحاصل بين أن يتم اتخاذ قرار ما، وفي نفس الوقت يتم مناقضته! وفي الحالتين تجد التصفيق للقرار ونقيضه!  

إن الطامّة هنا أن الناس تتوافق مع هذه القيادة أو الفئة متسلّقة دفّة القيادة، فحيث لم يختلف الظرف ولا الطريقة تقوم مرارًا وتكرارًا بالطلب من الجماهير المستسلِمة أن تنصاع لقراراتها المتناقِضة والمتخذة بذات الوقت! ولا تجد من هذه الجماهير (الحزبية) الخانِعة الخاضعة الا كلّ الرضا والقبول! وكأن القرار هدية من السماء أوقرار رباني وجبت طاعته العمياء! فحينما يقال إعمل كذا تصفق، أو حين يقال لا تعمل كذا تصفق!

الحوار الدائر هذه الأيام، وقد سبق أن تكرر، هو حول مفهوم الوحدة، ومفهوم القرار، ومفهوم المشاركة فهل يحق لأي فصيل فلسطيني أن يُلزم الشعب والفصائل بقراراته "الفردية" "العبثية"؟ وهو لا يتحلى بالحد الأدنى من الثقافة والفهم الديمقراطي التشاركي التداولي؟ 

وهل يحق لهذاالفصيل أوذاك أن يحدد مصطلحات لذات الفعل ولكن بأشكال مختلفة؟ أليس في ذلك قمة التناقض والحزبية البغيضة؟ فحيث اتجهت الريح معي فهي من الله، وحيث خالفتني فهي شرٌ مستطير حتى لو جاءت بالنصر!

مجرى الحديث هنا حول استمرر حركة "حماس" بالتفرد المنبوذ بقراراتها كفصيل يقبض على رقبة غزة فيقرر أن المقاومة العسكرية مشروعة حينا، أو في مكان ما دون غيره! وفي وقت آخر يقرر أنها "عبثية" أو "فردية" ويجب معاقبة القائمين عليها؟

 وهو ما حصل على مدار السنوات منذ الانقلاب على غزة عام 2007 ، بل وما قبله، حيث يُصبّ الرصاص على أرجل المقاومين من غزة أو يُلقون بالسجن! وفي وقت تصبح الدعوة للوصول الى حيفا ويافا وطبريا مطلبًا وطنيًا يجب العمل المسلح له كما يكرر فتحي حماد وزملائه؟ 

وفي أحيان أخرى تصبح العمليات العسكرية لا علاقة لنا بها فهي لاوطنية و"عبثية"، وهي مُدانة شرعًا بالفتاوى وبالشعار السياسي من "حماس" على إنها "عمليات فردية" ضد الله وضد الوطن؟ حيث أنها ("عمليات فردية" لا تتحمل مسؤوليتها حماس قطعياً)! (حسب مصدر من"حماس" لصحيفة الاخبار اللبنانية 14/8/2019) مطالبة بـ"الإسراع في إدخال الأموال"!؟

قد يُفهم القيام أو عدم القيام بنوع معين من المقاومة والإبقاء على دعم نوع آخر فهذا شيء مقبول ومفهوم بل هو ضرورة. ولكن التذبذب بين القبول أحيانا والرفض في أحيان أخرى دلالة فقدان الاستراتيجية، ودلالة الانحياز للمصالح الحزبية فقط، ودلالة القرار غير المستقر أو انحدار الفهم القيادي، أو الضبابية أو الائتمار بأوامر من الخارج حيث كبسة الزر ما بين تشغيل أو إطفاء حسب المبلغ المقدم!

وفي صُلب الموضوع كيف بالله عليكم يتم كيل المدائح الشعرية والقصائد الأندلسية الرائقة في المقاومة العسكرية في الضفة الغربية (لكنها الفردية في غزة-كما سُميت مؤخرا ) (العبثية في غزة-حسب مصطلحات حماس ضدها قبل ذلك)؟

وكيف يتم عقاب مرتكبي العمليات العسكرية (من الله والبشر)عندما تنطلق من غزة بالسجن أوإطلاق النار على الأجساد أو باتهام مرتكبها بالعبثية أو ارتكاب "العمل الفردي" ("غير الجائز شرعا" حسب فتوى حماس الاخيرة في 13 ذو الحجة 1440) الذي يتم التبروء منه!!! 

أصدرت لجنة الفتوى في غزة التابعة لفصيل "حماس" قرارها القاطع المانع في (حُكمُ خروجِ المُجاهدينَ للعمليّاتِ الفدائيّةِ بشكلٍ فرديٍّ)! كما عنونته طبعا المقصود المجاهدين من غزة دون المجاهدين بالضفة على اعتبار أن الضفة ليست في فلسطين! فلا علاقة لها بالفتوى، فهي تقع في المحيط الهادي قرب نيوزلندا!

 إن مثل هذه القرارات الملوّنة من "حماس"، مع وضد في ذات الوقت ولذات الأمر، من قيادتها السياسية ومن المفتين فيها، لا يمكن أن تصب في المصلحة الوطنية ولا الدينية الاسلامية مطلقا؟؟

كيف لمثل هذا التناقض غير المحمود أبدا أن يكون؟ إذ نحن ندعم المقاومة! في نفس الوقت الذي نرفضها؟؟؟ حيث "الأعمال الفردية" في القدس والضفة الواقعة قرب نيوزلندا! يتم الإحتفاء بها في عرس الشهيد، ويقام العزاء ومجالس الذم واللطم والرفض الشرعي لها عندما يقوم بها أحد المجاهدين من غزة!؟

 نبتهج بها وندعمها على "فرديتها" أو "عبثيتها" في الضفة البعيدة جدا! و نجرّمها ونتبرأ منها في غزة؟ وكأننا في بلدين منفصلين واستراتيجيتن مختلفتين أم هو الكيد الفصائلي، والمناكفة الممجوجة، حتى لو كان المستفيد الأول هو الاحتلال، وحتى لو تم التبرز في أذن الجماهير فلا تفهم أين تتجه؟ فتفقد البوصلة.

كيف لنا نحن في "حماس" وغيرها أن ندعم التنسيق الأمني والاتفاقيات بين فصيلنا أي "حماس" ومع العدو في غزة (وعبر وسيط) من أجل حفنة من الدولارات؟ وندين ونشتم ونرفض الاتفاقيات الرسمية بين المنظمة والعدو؟ التي جاءت بنا أعضاء مجلس تشريعي مازال يجتمع في غزة! 

كيف نحن في "حماس" لا نرى الدنيا أو الوطن إلا من خرم إبرة (سُم الخياط) القيادة العظيمة في ضيقٍ وتبرمٍ واتهام وتكفير او تخوين من أي كلمة حق! وهذا الكلام في هذا السياق موجّه لحركة فتح وللجبهة الشعبية، الخ، كما هو موجه لحركة "حماس" تماما، بأقدار مختلفة من المسؤولية.

إن قمة التناقض تنشأ عندما تتحكم بالقيادة مصالحها الفئوية الحزبية الضيقة، وعندما يكون الهوى (قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴿٥٦ الأنعام﴾)،وعندما تكون الأنا قد وصلت لدرجة لا تستطيع معها أن تنظر الى أسفل، فهي تسير مَرَحا وبعُجبٍ وتكبّر ، ونظرها معلّقٌ بالسحاب، فتكبو وتنكسر رقبتها وهي تظن نفسها تتطلع الى النجوم!