تاريخ الوطن العربي والغزو الصليبي بقلم:رائد الحواري
تاريخ النشر : 2019-08-20
تاريخ الوطن العربي والغزو الصليبي بقلم:رائد الحواري


تاريخ الوطن العربي والغزو الصليبي
كتاب من منشورات جامعة الموصل، قام بتأليفه ثلاثة من المختصين بتاريخ الحروب الصليبية "خاشع المعاضيدي، سوادي عبد محمد، دريد نوري"، تكمن اهمية الكتاب في تأكيده على أن سبب نجاح الغزوات الصليبية هو ضعف السلطة المركزية، وتقسيم المناطقة العربية على امراء وملوك يبحثون عن مصالحهم وتثبيت ملكهم، حتى لو تحالفوا مع الشيطان نفسه.
من هنا يمكننا استنتاج أهمية دور كلا من القادة نور الدين زنكي وعماد زنكي وصلاح الدين والظاهر بيبرس وقطز وسيف الدين قلاوون في توحيد المنطقة، الذي سهل عملية صعد الهجمات الصليبية ومن ثم التقدم لتحرير المناطق التي سيطروا عليها الصليبيين، والكتاب يبين كيف ان بعض الملوك تخاذلوا وخانوا عندما تحالفوا مع الصليبيين ضد أخوتهم العرب المسلمين حتى عندما وجاءت قيادة قادرة على صد الغزوات وتوحيد الطاقات، كما نجد وحشية ريتشارد الذي قتل أكثر من ثلاثة آلف عربي في عكا، بينما نجد تسامح صلاح الدين، الذي يمثل ذروة النبل والأخلاق وسماحة المسلمين، والكتاب يبين سبب قدوم غالبية الملوك الصليبيين الذي جاءوا إلى بلادنا لتحقيق مجد شخصي، أو لمحو (تهمة/صفة) الصقت بهم، وهذا الأمر نجده عند أكثر من غازي، ومنهم الامبراطور الألماني فروديك الثاني وريتشارد قلب الأسد الذي حاول (اغواء) صلاح الدين بتسليم القدس فرد عليه بهذه الرسالة: "القدس لنا كما هو لكم، وهو عندنا أعظم مما هو عندكم، فإنه مسرى نبينا ومجتمع الملائكة، فلا يتصور أن ننزل عنه، ولا نقدر على التلفظ بذلك للمسلمين، أما البلاد فهي لنا في الأصل واستيلاؤكم، كان طارئا عليها لضعف من كان بها من المسلمين في ذلك الوقت" ص 186، الموقف الثابت لصلاح الدين جعل ريتشارد يتراجع عن مشروعه في القدس، ورغم المراسلات والمفاوضات بين الجانبين، إلا أن هناك عبارة مشهورة قالها صلاح الدين تظهر معرفته وعلمه ودرايته بالعدو الغازي: "متى صالحناهم لم يؤمن غائلتهم، والمصلحة الانزال على الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أو يأتينا الموت" ص192، واجزم لو أن (الزعماء العرب) اليوم قرأوا تاريخ الحروب الصليبية لعرفوا كيف يواجهون عدوهم، وكيف يستعيدون زمام المبادرة، لكن التجزئة والانقسام هو اكبر المصائب التي حلت على الأمة، لهذا نجد عدونا استفاد من التجربة الصليبية وعمق جراحنا من خلال التقسيم والتجزئة، ونحن نركض خلف أوهام القطرية أولا.
والكتاب يركز على مكانة واهمية القدس التي تعد محور الصراع الصليبي العربي، فنجد كل الغزاة كانوا يتوجهون إليها لتثبيت مكانتهم عند البابا، فالقدس كانت الحجة التي استخدمها القادة الصليبين لغزونا وتدمير بلادنا، ففي كل حملة صليبة كانت القدس هي العنوان، فعندما سلم السلطان الكامل الأيوبي القدس للامبراطور فروديك احتج الناس وهاجوا وبكوا على هذا التسليم.
رغم أهمية الكتاب إلا أنه بحاجة بعض التصحيح، حيث هناك بعض المتناقضات فيه، فمثلا، جاء فيه: "...أن الهجوم الذي شنه عماد الدين زنكي على جيش الصليبيين أفسد تحالفهم مع حكام دمشق وحال دون دخولهم المدينة" ص71، إلا أننا نجد في الصفحة التالية مباشرة هذه الفقرة: " واستطاع عماد الدين أن بفرض الحصار على دمشق وكاد أن يسقطها لولا استنجاد امرائها بصليبي بيت المقدس واستجابة هؤلاء رغبة منهم في القضاء على الخطر المشترك الذي يتأتى من وجود عماد الدين زنكي" ص72، هذا التناقض يشير إلى عدم تنسيق المواقف والرؤى بين المؤلفين، كما نجد خلل في تقديم تاريخ "نور الدين زنكي" الذي قدمه الكتاب منتصرا في كافة المعارك التي خاضها ولم يخسر أيا منها، واعتقد أن هذا مبالغ فيه، وكان من المفترض أن يقدم التاريخ كما هو وليس كما كتبه المعجبين بنور الدين زنكي، ورغم هذه الأخطاء، إلا أن الكتاب يبقى مهما وضروريا لمعرفة كيف تدار الحروب وكيف يتم التفاوض مع العدو.
الكتاب من منشورات جامعة الموصل، الطبعة الثانية 1986.