توارى قمرٌ بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2019-08-20
توارى قمرٌ بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة 

توارى قمرُ

عمر حلمي الغول 

جاء الخبر بطيئا، إستمر سنوات طوال .. غير انه وصل فجر أمس السبت الموافق السابع عشر من آب/ أغسطس الحالي (2019) عندما حط ملك الموت رحاله عند روح وحياة شقيقتي الغالية حنان (أم إسماعيل) بعيدا عن الضوضاء، ووسط سكينة بقايا ليل طويل بعد ان إستنزفها المرض العضال طيلة أعوام خلت، قاتلت، وقاومت بشجاعة ونبل، لم تخشَ شيئا، لإنها كانت تؤمن بالله وقدره وإرادته، ووكلت أمرها لبارئها، دون ان تستسلم .. 

أخيراً جاءت ساعة الحق، وتجلت بصعود الروح إلى فضاءات جديدة، غير فضاء الدنيا، توارت أختى وحبيبتي حنان عن الأنظار، شقت طريقها إلى الخلود، بعد ان ضاقت ذرعا بالمرض والكيمياوي، وتداعياته الحاقدة واللعينة، هي لم ترفع الراية، ولم تغادر كرها بالحياة، ولا نفورا من الأحبة. لكنها شاءت أن تعطي من حولها راحة، تعفيهم من الألم، تخفف عنهم من الحزن والبكاء الصامت عليها، وهي تتقلب وتئن احيانا بعد كل جرعة من السم الفتاك بالروح والجسد. أخيرا كفرت بتلك الجرعة الكريهة والمقيتة، وأعلنت الموت وقوفا وشموخا كشجرة السنديان. 

أصرت حنان فجر السبت ان ترحل مع ملك الموت، لم تتردد في قبول قراره، وذهبت مع النسائم الأولى لتشرق مع نهار جديد في فضاء ومدار وكوكب آخر.. حملت احلامها وتفاصيل أعوامها القصار ال(55) لتقصها على رفاق درب جدد، تخبرهم عن أبنائها وأحفادها، وأشقائها وعن والديها وزوجها (معين)، الذي سهر معها الليال الطوال يهدهد ويخفف من أوجاعها وأحزانها، وقصة حياتها متناهية الصغر قياسا بعمر الزمن السرمدي، ولتخبرهم عن رفيقة دربها، وحاملة همومها، أختنا الغالية فريال (أم لؤي)، التي واضبت دون ملل وبصبر وثبات، رغم انها أحيانا كانت تكاد تعاني من بعض اوجاعها أكثر من حنان، لكنها كانت تكابر، وتمضي معها بثبات من غزة إلى مستشفى المطلع في القدس، وتعود ثانية في ذات اليوم، أو تضطر لقضاء ايام طوال معها في المستشفى، وتفتح صفحة بأفق ومعايير جديدة ..   

 رحلت أختي الحبيبة بسلام لتلتقي مع أمنا العظيمة، التي سبقتها بثمانية أعوام خلت، شاءت ان تكون القمر الأول، الذي يلتحق بسيدة العطاء والوفاء، التي أنجبت ستة عشر قمرا من الجنسين، لتأخذ سبق اللقاء الأول مع امنا الحبيبة والغالية الحاجة ظريفة ابو طاحون (الغول). شاءت ان تعود لحضن امنا قبلنا جميعا، تخفف عنها وحدتها وسكناتها ..  ولتلتقي بالراحلين من الجدات والأجداد والخالات والعمات والأعمام والأخوال وأبناءهم، لتقص عليهم ما فاتهم من أخبار وحكايا الصراع مع إسرائيل، دولة الحرب والموت والمجزرة والأساطير ..  وتخبرهم عن لعنة الشعب الفلسطيني، عن الإنقلاب الأسود، الذي لم يعهدوه يوما في تاريخهم القديم، والآثار الخطيرة، التي حلت بالجزء العظيم من الشعب في قطاع غزة، وتقص عليهم عن الجوع والفقر والفاقة والمرض والفساد وتجار الدين والدنيا، والقتلة من لبسة العمائم والدراويش والحصار وحروب دولة الأبرتهايد والجريمة والإرهاب المنظم الإسرائيلية ...   

حنان كانت نسمة، رقيقة، حنونة، معطاءة، ومحبة لإبنائها ( إسماعيل ومحمد ووليد ونضال وهالة وأريج) وأحفادها ولإشقائها من الجنسين جميعا، وكانت حتى الرمق الأخير محط إهتمام ورعاية وحنان الوالد الرائع والكريم والنبيل الحاج حلمي (ابو عمر)، الذي بلغ التسعين عاما (اطال الله في عمره) .. 

توراى قمر حنان عن الوجود تاركا شعاعا من نور ونوار .. وفرح الحكايا الصغيرة المتناثرة في تفاصيل الأيام .. وإمتدادها من الأبناء والأحفاد، الذين ملأوا المكان (الوطن) بصخب الحياة والمستقبل، والأمل ببكرا والفجر الجديد .. 

رحمة الله على أختي وحبيبتي الغالية، ولا أراكم مكروها بعزيز .. 
[email protected]
[email protected]