قتل الأطفال الفلسطينيين.. إلى متى؟!بقلم:المحامي زياد أبو زياد
تاريخ النشر : 2019-08-20
قتل الأطفال الفلسطينيين.. إلى متى؟!بقلم:المحامي زياد أبو زياد


الأحد...وكل يوم أحد                         
 قتل الأطفال الفلسطينيين... إلى متى؟!
بقلم المحامي زياد أبو زياد

بداية لا بد من القول وبصوت عال وبدون أي تردد بأن إطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين بقصد القتل هو جريمة يعاقب عليها القانون وإن لم يكن ذلك ممكن اليوم فسوف يأتي يوم يفرض القانون نفسه على كل من اعتدى عليه.

فالقانون بشكل عام يُعطي المرء حق الدفاع عن النفس ولكن هذا الحق مقيد بحجم الخطر الذي يتعرض له ، بحيث يجب أن يكون الدفاع عن النفس من نفس مستوى الخطر الذي تتعرض له ، فلا يجوز لمن تعرض للصفع مثلا أن يطلق النار من مسدس في المقابل.

وأما قوانين القتال والحرب وما يتعلق بذلك من معاهدات ومواثيق دولية فإنها تحرم قتل الأسرى والجرحى وأفراد العدو الذين لم يعودوا يشكلون خطرا ً وتعتبر قتلهم بمثابة جرائم حرب يعاقب عليها القانون.

ورغم هذه البديهيات القانونية المتعارف عليها دوليا ً إلا أن إسرائيل وضعت نفسها فوق القانون واتبعت سياسة إدارة الظهر لكل القوانين والأعراف الدولية من منطلق أن الحق للقوة...

ما دفعني لكتابة هذه السطور هو مسلسل القتل المستمر من قبل الإسرائيليين سواء رجال الشرطة والجيش وحرس الحدود أوالحرس في المؤسسات المدنية بل والمواطنين الإسرائيليين المدنيين العاديين الذين يجوبون الشوارع بسلاحهم يبحثون عن فرصة لأطلاق النار على فلسطيني والفوز بمدالية تكريم ولقب بطل !...

والذي أسس لهذا التصرف هو تصريحات رسمية على أعلى مستوى سياسي في إسرائيل قالت بأن " كل من يحاول قتل اسرائيلي يجب أن لا يخرج من محاولته على قيد الحياة " ، أي يجب قتله وعدم محاولة اعتقاله ! وهذا هو حكم بالإعدام بدون محاكمة يصدر عن جهة مدنية غير قضائية وهم حكم غير قانوني ، بل هو تصريح بارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون بتهمة القتل المتعمد.

ولكي أكون واضحا ً فإنني لا أبرر محاولة مهاجمة الإسرائيليين سواء بالسلاح الأبيض أو الناري ولكنني أدعو الى تطبيق القانون المتعارف عليه دوليا ً وهو احترام حق الحياة. 

وأنا وبكل صراحة لا أعتقد بأن استمرار محاولات قتل الإسرائيليين ستحقق النصر أو الحرية للشعب الفلسطيني تماما ً مثلما أن استمرار قتل الفلسطينيين والاعتداءات عليهم وعلى ممتلكاتهم ومقدساتهم سيحقق الأمن والاستقرار للإسرائيليين. فأعمال القتل على الجانبين يجب أن تتوقف وأن نبحث عن مخرج من هذه الدوامة الدموية التي لا تحقق سوى تعميق الحقد والكراهية بين الطرفين والتأسيس لمزيد من العنف الدموي.

نحن الفلسطينيون نعيش في حالة ضياع سياسي فقدنا خلاله البوصلة الواحدة وغاب عن الساحة وجود قيادة فلسطينية واحدة تعمل ضمن استراتيجية واحدة وكما يقال : سلاح واحد وقرار واحد ، ووجدنا أنفسنا نعيش في حالة تحول الصراع بيننا وبين الإحتلال الى صراع فيما بيننا كفصائل وتجمعات تعيش الإنقسام وتتعايش على " خيراته " ، وتعمقت إفرازات ذلك وتحولت الى اعمال فردية لا تمت بأي صلة الى أي استراتيجية وطنية واحدة بل مجرد أعمال فردية تعبر عن احتقان الشارع الفلسطيني بالغضب وغياب قيادة شرعية واحدة تستطيع توظيف هذا الغضب في مجمل عمل وطني شمولي منظم يسعى لتحقيق هدف واحد يلتف حوله الجميع وهو إنهاء الاحتلال.

وبالطبع فإن الضحايا الطبيعيين لهذا الوضع هم الشبان ، وإذا ما أخذنا بالإعتبار أن أطفالنا محرومون من ممارسة طفولتهم بحكم واقع الاحتلال وأنهم يشبون عن الطوق مبكرا ً فإن هؤلاء الشبان الضحايا هم في أغلب الأحيان من الأطفال.

قبل أيام حاول طفلان من بلدتي العيزرية مهاجمة مجموعة من رجال الشرطة المدججين بالسلاح والستر الواقية فيما وصف بأنه محاولة طعن فقام رجال الشرطة بإطلاق النار عليهما فقتل أحدهما الشهيد وسيم مكافح أبو رومي ولا يزال الثاني حمودة خضر الشيخ يصارع الموت في المستشفى وقد أصيب بالعديد من الطلقات النارية.

والسؤال هو : أي خطر يمكن أن يشكله طفلان في الرابعة عشرة من العمر على مجموعة شرطية مدججة بالسلاح تلبس الستر الواقية وتستطيع بكل بساطة السيطرة عليهما دون قتلهما ؟

لقد دأبت الجهات الرسمية الإسرائيلية وفي كل مرة وقع فيها مثل هذا الحادث على القول بأنه تم تحييد من حاول القيام بالعملية ، ومع أن المعنى الحقيقي لتحييد هو الحد من قدرته والسيطرة عليه ومنعه من تحقيق هدفه إلا أن هذه الكلمة أصبحت تعني في القاموس الإسرائيلي " قتل " ! وهذا هو قتل بدون مبرر وهو جريمة يعاقب عليها القانون.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى أن هناك حالات قتل يتعرض لها الفلسطينيون ويتم تبريرها بأنهم حاولوا طعن أو خطف أو دهس إسرائيليين، يكتنفها الكثير من الشك بأنها لم تكن كذلك وأن مدنيين فلسطينيين أبرياء سقطوا ضحايا للقتل العشوائي نتيجة وهم أو تهور إسرائيلي فبادرت الجهات الإسرائيلية الى تبرير قتلهم بأنهم حاولواالقيام بعمليات. هذه في اعتقاد الكثير من الفلسطينيين هي كذبة مكشوفة مفضوحة يجب أن تتوقف.

إنني أدعو كل إنسان فلسطيني وطني أن يحاول التأثير على هؤلاء الأطفال وإيقافهم عند خطورة العمل الذي يقدمون عليه ومنعهم من ذلك بالإقناع ، فالطفل في الرابعة عشرة لا يدرك حجم ما يمكن أن يترتب على عمله وقد يندفع عاطفيا أو انفعاليا ً لارتكاب عمل لا يقدّر عواقبه ومسؤوليتنا جميعا هي أن نحقن دماء هؤلا الأطفال وأن نحافظ عليها ونحميها وأن لا نبادر لاستغلاها وبناء أمجاد سياسية وهمية على حسابها. فأطفالنا هم أكبادنا وهم رصيدنا في المستقبل ويجب الحفاظ عليهم ورعايتهم وتوجيههم لكي لا يلقوا بأنفسهم الى التهلكة.

وأخيرا ً فإنني أدعو كل فلسطيني وطني الى تجنيب الأقصى أي مكروه والنأي به عن أي ظرف يمكن أن يُشكل تبريرا ً لدى الطرف الآخر للتمادي في انتهاك حرمته. وبهذا المعنى يكون الأقصى خطا ً أحمر يجب علينا أن نكون أكثر أناس احتراما له ومحافظة على حرمته وقدسيته.

[email protected]