مناسبة ثورة 20 غشت يجب أن تكون فرصة لصلحنا مع عبادة الجهاد المستهدفة من طرف خصوم ديننا
تاريخ النشر : 2019-08-19
مناسبة ثورة 20 غشت يجب أن تكون فرصة لصلحنا مع عبادة الجهاد المستهدفة من طرف خصوم ديننا


مناسبة ثورة 20 غشت يجب أن تكون فرصة لصلحنا مع عبادة الجهاد المستهدفة من طرف خصوم ديننا

محمد شركي

تحل بنا بعض المناسبات التي تنعت بالوطنية ، وهي كذلك إلا أن المغيب منها  عند الكثيرين هو علاقتها بديننا الحنيف لأنهم تعودوا الفصل بين ما هو وطني وما هو ديني، علما بأن هذا الوطن هو دار إسلام منذ الفتح الإسلامي الأول ، وكل مناسبة تتعلق به تكون بالضرورة ذات علاقة بالإسلام  . ولا تربط بين ما هو وطني من المناسبات وبين الدين سوى الوزارة الوصية عن الشأن الديني التي تتوجه بمذكرات إلى خطباء الجمعة تحثهم  فيها على تغطية الجانب الديني من تلك المناسبات الوطنية .

ومع حلول ذكرى كل مناسبة وطنية ،يتعين علينا أن نربطها بهويتنا الإسلامية ، وارتأيت في هذا المقال أن استحضر عنصر مهم في مناسبة ثورة 20 غشت ،وهي ثورة قيادة وأمة أو ملك وشعب ، وهذا العنصر المهم المغيب أو المنسي  هو عبادة الجهاد كما تجلت في هذه المناسبة  الوطنية ، وهي عبادة صارت اليوم مستهدفة من طرف بعض الجهات التي لم تعد تخفي استهدافها للعديد من مقومات الإسلام ورموزه حتى بلغ الأمر حد التشكيك أو نفي وجود نبي الإسلام ، ووجود صاحبه في الغار ، ووجود الفاروق... وغيره هؤلاء، فضلا عن النيل مما صح من سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، والطعن في مصداقية من جمع تلك السيرة ... إلى غير ذلك من أشكال وأساليب الاستهداف الصريح، فضلا عن المبطن .

واستهداف عبادة الجهاد يتجلى في مؤامرة خبيثة وماكرة تريد أن تلحقه بالعنف والإرهاب وتنعت الحديث عنه بما أصبح يسمى " خطاب الكراهية " حتى بلغ الأمر حد حذف سور من القرآن الكريم من المقررات الدراسية لأن أعداء الإسلام وعلى رأسهم الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين وأجزاء من الوطن العربي ومن يؤيده من الكيانات الغربية، أرادوا ذلك لإجهاض المقاومة الفلسطينية المجاهدة .

ولقد احتال الغرب على عبادة الجهاد عن طريق صنع مخابراتيا عصابات منحرفة وإجرامية  تمارس العنف الأعمى ، وتزهق أرواح الأبرياء ظلما وعدوانا باسم الإسلام ، وتنسب ذلك له بهتانا وزورا وتلفيقا .ومعلوم أن الغرض من هذه الحيلة الخبيثة والماكرة هو تشبيه المقاومة الفلسطينية المجاهدة بالعصابات الإجرامية الإرهابية ، ولقد انطلت هذه الحيلة مع شديد الأسف على سواد كبير من هذه الأمة ،وصار الإسلام يرمى بتهمة الإرهاب، ووجد خصومه ضالتهم في نعته بما صاروا يسمونه " خطاب الكراهية "  ، واتهام من ينهل من كتاب الله عز وجل، ويستقي منه قناعاته بأنه يروج لهذا الخطاب ،ويحرض على العنف والإرهاب ، واستوى عندهم  في الاتهام كل من تجمعهم صلة بالإسلام ، وكلهم صار يلحق ويشبه بالعصابات الإجرامية التي صنعتها المخابرات الغربية لحاجة في نفسها لم تعد  اليوم خافية على أحد.

وبالعودة إلى كلمة " جهاد " في اللسان العربي، نجدها تدل على استفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل . وفي الشرع تعني كل فعل أو قول يكون الهدف منه هو نشر الإسلام ، وتبليغه للناس ، والدفاع عنه ، وعن أرضه ، وعن أهله . وبهذا المعنى تتسع دلالة الجهاد ، ولا تنحصر في القتال كما يعتقد الكثير من الناس. والجهاد مراتب تتراوح بين جهاد النفس لتثبت على إيمانها بالله، وتلتزم بطاعته وبين القتال من أجل الذود عن حوزة الإسلام ، وما بين هاتين المرتبتين مراتب أخرى يتحقق فيها الجهاد بأقوال وأفعال تكون كلها من أجل إعلاء راية الإسلام .  ومما يؤكد وجود هذه المراتب في الجهاد قول الله عز وجل مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم : (( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا )) وقد ذهب المفسرون إلى أن الضمير في جاهدهم  به ،يعود على القرآن الكريم، الشيء الذي يعني أن الجهاد يكون  به . وترد في كتاب الله عز وجل آيات تدل على أفعال تدخل ضمن الجهاد منها قوله عز وجل : ((  إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض )) ، ففي هذه الآية  يجمع الله عز وجل بين الإيمان، والهجرة ،والجهاد بالمال والنفس، والإيواء والنصرة، وكلها أفعال تخدم الإسلام ، ومما يؤكد أنها تدخل في مفهوم الجهاد هو اشتراك من تصدر عنهم مع المجاهدين بالأموال والأنفس في الأجر قوله تعالى : ((  والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ))، فالاشتراك في الأجر دليل على تساوي  تلك الأفعال  عند الله عز وجل .

والجهاد في سبيل الله بكل أنواعه وأشكاله يعتبر محكا لقياس صدق الإيمان مصداقا لقوله تعالى : (( أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون )) .

ومن أشكال جهاد الأمة المغربية حين ابتليت بالاحتلال الفرنسي البغيض ثورة 20 غشت التي نحيي ذكراها كل سنة في مثل هذا الوقت منذ استقلالنا ، وهو جهاد ملك رفض احتلال بلده، وطالب المحتل باستقلاله ،فكلفه ذلك النفي بعيدا عن وطنه وشعبه ، وجهاد شعب ثار لنفي ملكه ،فجاهد من أجل عودته بشتى الأشكال والأساليب كما سجل، ووثقه ذلك تاريخنا الحديث .

وعندما نحيي هذه الذكرى وجب أن يكون إحياؤها  لهاعبارة عن صلح بيننا وبين عبادة الجهاد التي صار البعض يخجل من ذكرها أو يخشى  إن فعل ذلك غضب خصوم الإسلام . ومعلوم أن المحتل الفرنسي وهو خصم عنيد  للإسلام كان يومئذ  ينعت جهاد الملك والشعب بالإرهاب . وصلحنا مع الجهاد يقتضي منا أن نقدر أولا جهاد من ثاروا ضد المحتل الفرنسي قيادة وشعبا وألا نبخسهم جهادهم  من خلال الاستخفاف بنعمة الحرية التي ننعم بها  اليوم ، ونعمة الأمن، وأن نقدر حق التقدير ما بذلوه من تضحيات من أجل تلك النعمتين ، وتقديرنا  لا يجب أن يقتصر على الإشادة بجهادهم  بل لا بد أن نجاهد جهادا مثله من أجل وحدة هذا الوطن واستقراره وأمنه ونهضته ،لأن الجهاد بكل أنواعه وأساليبه كتبه الله عز وجل على كل المؤمنين في كل عصر ومصر .
 وكل مغربي ملزم شرعا من موقعه أن يجاهد من أجل وطنه الذي هو دار إسلام ، وفي ذلك جهاد من أجل رفع راية  دين الله عز وجل  وإعلاء كلمته .

ولا  يستخفن أحد بنوع أو بأسلوب جهاده من أجل هذا الوطن ، ذلك أنه من أدى واجبه على الوجه المطلوب ، ولم يقصر في ذلك  كان مجاهدا ، فالموظف على سبيل المثال لا الحصر الذي يلتحق بعمله في الموعد ، ولا يغادره إلا في الوقت المعلوم ، ولا يتراخى فيما عليه من واجبات ، ولا يستغل وظيفته لأغراض شخصية ، ولا يستعمل من أجلها مركبا ولا وقودا يسير به ، ولا يستعمل من أجلها  وسائل لا يحق له استعمالها ، ولا يستفيد من مال لا يحق له ... يكون مجاهدا لا يقل جهاده عن جهاد 20 غشت ، وعلى  الموظف يقاس غيره ، ويكون في عبادة تفوق عبادة الصيام والقيام كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عما يعدل الجهاد في سبيل الله فأجاب بالقول : ( لن تستطيعونه وكرر ذلك ثلاثا ، ثم قال : مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا  يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) ، ومن ذا الذي يستطيع الصيام والقيام حتى يعود المجاهد ، وقد  يطول جهاده  زمنا طويلا ؟

وأخيرا لا بد من كلمة تقال للذين ينعمون بنعمة الحرية  الاستقلال ونعمة الأمن ولا يشكرونهما ، وشكرهما يكون باستعمالهما فيما يرضي الخالق خصوصا وهم يرون شعوبا شقيقة محرومة من هاتين النعمتين كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني الشقيق التواق إلى  نعمة الحرية ، وكما هو الحال بالنسبة للأشقاء في سوريا وليبيا واليمن والسودان والجزائر المحرومين من نعمة الأمن والاستقرار. وليكن إحياء ذكرى جهاد أو ثورة الملك والشعب عبارة عن شكر نعمة الحرية ونعمة الأمن والاستقرار ليديمهما الله عز وجل علينا ، وإننا إن لم نوفيهما  حق الشكر نخشى  لا قدر ولا سمح الله  زوالهما .