رواد ثقافة الكراهية بقلم:صالح الطائي
تاريخ النشر : 2019-08-19
رواد ثقافة الكراهية

صالح الطائي

يوما بعد آخر يزداد يقيني أن لا كراهية في الإسلام، وأن الإسلام دين القبول والتراضي والتعايش، وأن كل ذلك الكم من روايات الكراهية الواردة في كتب السيرة؛ إنما جاء به مبتدعون ممن فهموا النصوص على خلاف حقيقتها، فابتدعوا لها معان لا تدل على جوهرها، وسوقوها من خلال الدعم الحكومي الرسمي، فتحولت إلى دين، وحولتنا إلى ملل ومذاهب وأعداء، بعد ان فضلت الجمادات على المسلم الآخر. ومن ذلك ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ ما جاء في (مجموعة التوحيد) للشيخ ابن تيمية، الرسالة الثانية، باب النهي عن سب الريح، من أحاديث تنهى عن سب الريح، ومنها رواية عن أبيِّ بن كعب (رض) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به". ومع أننا لا نعرف الحكمة من ذلك، ولاسيما وأن الريح كانت يومها تجلب لهم الدمار والخراب والعذاب والعواصف والتراب والذباب، إلا أن مجرد عدم استخدام مفردات السب، يبدو جميلا ومؤدبا وحضاريا، ويغمز من طرف خفي إلى أن الإسلام لا يرضى بالسب!.

لكن ابن تيمية، بعد هذه الرسالة وحديثه عنها، اختار الرسائل الخمس عشرة الباقية من المجموعة كلها ليوظفها لسب فرقة من المسلمين هم (الشيعة) وتكفيرهم وزندقتهم، بل والحث والتشجيع على قتلهم وسبي نسائهم وغنم أموالهم ونفيهم من البلاد، وعدم التهاون معهم، أو قبول شيء من كلامهم، وعدم أكل ذبيحتهم، وعدم تزويجهم ولا الزواج بنسائهم، وتحريم ابتدائهم بالسلام أو دفنهم في قبور المسلمين!. وكأنه لا يعرف أن الإنسان مهما كانت عقيدته هو أفضل من باقي الكائنات، لأنه إنسان يميزه العقل وخلافة الله!.

والمعروف شرعا وعرفا أن الإنسان بكل المقاييس أفضل وأشرف من الموجودات الأخرى والمخلوقات الأخرى ومنها الريح، في الأقل لسببين شهيرين ومعروفين لا يقبلان التأويل:

الأول: أن الإنسان هو خليفة الله في الأرض تبعا لأكثر من دليل قرآني، منها على سبيل المثال لا الحصر:

·       قوله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}

·       ومنها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}

·       وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ}

·       وقوله: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ}

·       وقوله: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ}

·       وقوله سبحانه وتعالى: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ}

وقبالة هذا الكم الكبير من آيات الكتاب المجيد التي مجدت الإنسان، لا توجد ولو مجرد آية واحدة، أو مجرد كلمة واحدة في آية، مجدت الريح من خلال تفضيلها على الإنسان، وتقديمها في المنزلة عليه.

والثاني: أن هناك كم كبير من الأحاديث الصحيحة والمتواترة التي نصت صراحة على أن الإنسان أشرف من الكعبة نفسها، ومن ذلك:

·       جاء من طريق غير واحد من الصحابة الكرام، أنه (صلى الله عليه وآله) نظر إلى الكعبة، فقال: "لقد شرفك الله، وكرمك، وعظمك. والمؤمن أعظم حرمة منك"

·       وصح عن الصحابة، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: "قدر المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا".

·       وصح عنه (صلى الله عليه وآله) قوله: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق".

·       وعنه(صلى الله عليه وآله)، قال: "لهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون من قتل المسلم".

·       وعنه (صلى الله عليه وآله): "من آذى مسلمًا بغير حق، فكأنما هدم بيت الله".

هذا هو دين الله؛ الدين القويم السليم العظيم؛ الذي جاء به محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، لا دين الذين أخروا الإنسان، وقدموا المخلوقات والحيوانات عليه، من المبتدعين الذين نشروا ثقافة الكراهية، وصادروا حقوق الإنسان، وزرعوا الفتنة بين البشر. ومن يبتغي من المسلمين طريق الحق والعدل عليه أن يرجع إلى جوهر الإسلام غير المحرف، وأن لا يتأثر بالآراء التي سوقها السياسيون بعد أن دفعوا ثمنها لأصحابها ومبتدعيها!.