الصحافة العربية: النفاق الصاعق بما تنتقيه!بقلم:آصال أبسال
تاريخ النشر : 2019-08-19
الصحافة العربية: النفاق الصاعق بما تنتقيه!بقلم:آصال أبسال


الصحافة العربية: النفاق الصاعق بما تنتقيه! 

آصال أبسال

بعد فحص وتمحيص دقيقين ومديدين لاتجاهات أغلب الصحف العربية المشهورة التي تصف نفسها بصفة «الاستقلالية» على الصعيد السياسي تحديدا.. وهذا الواقع الإعلامي، بطبيعة الحال، لا يستثني أيا من الصحف الغربية المشهورة، في الأغلب والأعم، في المقابل.. تبيَّن بكل وضوح وجلاء أن مفردة «الاستقلال»، في هذا السياق التوصيفي السياسي بالذات، لا تختلف من حيث المعنى عن أي من مفردتي «النفاق» و«الرياء» اللتين تعنيان «التظاهر بخلاف ما في الباطن»، من منظور تضمينية ولامباشرية هذا التظاهر بـ«لطافة التعبير» Euphemism عامة، واللتين تعنيان كذلك «إخفاء الانحياز في الباطن والتظاهر بالحياد»، من منظور تصريحية ومباشرية هذا الإخفاء وهذا التظاهر بـ«سماجة التعبير» Dysphemism خاصة.. وفي مقدمة الصحف العربية التي تمثل هذا «الاستقلال» المتوخَّى بهذين المعنيين النفاقيين والريائيين خير تمثيل، تقف كالمعتاد صحيفة «القدس العربي» الشهيرة بادعائها العلني، على الأخص، بأنها /صحيفة عربية يومية مستقلة/ بامتياز..

ففي متن افتتاحيتها الأخيرة التي ظهرت تحت العنوان «اليمن: مهازل لا تُضحك أحدا!» من إصدار يوم 14 آب/أغسطس 2019، لا تتوانى أسرة تحرير هذه الصحيفة «المستقلة» بامتياز في الكلام التقريعي والتعنيفي عن مهازل «التحالف» السعودي والإماراتي في اليمن الحزين منذ «ربيع» العام 2015، مستشهدة في هذا السياق بحديث منسوب إلى الرسول محمد: «الإيمان يمان والحكمة يمانية».. وهو الحديث الذي لا يقصد، في معظم الروايات /إن كانت أسرة التحرير المعنية تدري أو لا تدري/، أكثر من أهل الإيمان والحكمة من أهل اليمن، بموقعه عن «يمين» الكعبة في مقابل الشآم بموقعها عن «يسار» هذه الكعبة.. وحتى لو جاء هذا الكلام التقريعي والتعنيفي في محله عن مهازل «الكبار» التي تشير إلى تدخل كل من السعودية والإمارات عسكريا من أجل «حماية الحكومة الشرعية» في اليمن وتخليهما عن هذه الحماية مؤخرا سعيا وراء «تقسيم هذا اليمن»، من جهة أولى، وتشير أيضا إلى تعبير إيران على حدة، خصمهما اللدود، عن حرصها، بدورها هي الأخرى، على «وحدة هذا اليمن» من خلال دعم الحوثيين بالمال والسلاح، من جهة أخرى.. فإن أسرة التحرير المعنية لا تتردد البتة كذلك في الكلام التقريعي والتعنيفي المماثل عن فضائح «الصغار» التي تلمح إلى بسط ما يُعرف بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» سيطرته على عدن، وإلى تمنيات هذا المجلس بأن يحسم المجرم الليبي خليفة بلقاسم حفتر أمره مع قوات «حكومة الوفاق» المعترَف بها دوليا، واصفا إياها بـ«الميليشيات الإرهابية المدعومة من قطر وتركيا والمتسترة بالشرعية في طرابلس»، وعارضا عليه /على المجرم حفتر/ حتى المساعدة بما لديه من خبرات قتالية من أجل تفعيل هذا الحسم بأسرع وقت ممكن.. وبالتالي، يتبيَّن بوضوح وجلاء أشد بأن كلا من قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» وقوات «حكومة المجرم حفتر» ليست، في الأساس، سوى قوات مرتزقة تعمل بأوامر ولصالح السعودية و/أو الإمارات، مثلما أن قوات «فصائل الحوثيين» لا تعدو، في الجوهر، أن تكون قوات مرتزقة تعمل بأوامر ولصالح إيران بالذات..

وهكذا، من ناحية أولى، فإن أسرة تحرير هذه الصحيفة «المستقلة» بامتياز لا تتلكَّأ أي تلكُّؤ في هذا الكلام التقريعي والتعنيفي عن مهازل «الكبار» ولا حتى عن فضائح «الصغار»، بالمعنيين المبيَّنين أعلاه، متظاهرة بذلك بالقلق والتوجُّس الشديدين من إضاعة حقوق الشعب اليماني وكراماته وسياداته على بلاده كلها.. ولكنها، من ناحية أخرى، تتلكَّأ كل التلكُّؤ في ذكر أي كلام آخر، بأية صفة كانت، عن حقيقة أن آل سعود أنفسهم لَهم الذين جلبوا الحوثيين ودعموهم بالمال والسلاح، بادئ ذي بدء، وذلك بغية القضاء على الثورة الشعبية اليمانية بوصفها امتدادا لثورات «الربيع العربي» آنئذ – تلك الحقيقية الخفية التي لا تختلف، من حيث المبدأ، عن حقيقة أن آل صهيون ذواتهم كذلك لَهم الذين ساندوا الحمساويين وساعدوهم بالمال والسلاح، في البدء، بالطريقة ذاتها، وذلك بغية القضاء على كافة أشكال المقاومة التي أبداها الفتحاويون قبلئذ، والتي أبداها كل من والاهم بعدئذ كذلك.. وفي هذا، فوق كل ذلك، ما يفسر لهاث بضعة من أنظمة «عربية» كمثل السعودية والإمارات /إضافة إلى البحرين/ وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني، بعد أن لهثت وراء هذا التطبيع في الخفاء بضعة أخرى من أنظمة «عربية» كمثل قطر، وما أدراك ما قطر؟.. كل ذلك تمَّ في الجهار والخفاء في مقابل أن تمارس هذه الدول اللاهثات المطبِّعات ما تستطيع من أنواع الضغط «الدبلوماسي» على الجانب الفلسطيني لكي يقدم المزيد من التنازل عن كراماته التي تبقَّت، ولكي يقدم المزيد من التخلِّي عن حقوقه الأساسية، في أدنى تقدير، وخصوصا فيما يخص القسم الأكبر من مساحات الضفة الغربية.. 

وهكذا، في الأخير، من وجهة نظر أية منظومة إنسانية أخلاقية على وجه الأرض، فإن إخفاء وجوه الحقيقة كلها لهو الكذب النقيق الصفيق بعينه.. في حين أن إظهار وجه معين من وجوه هذه الحقيقة ذاتها وإخفاء كافة وجوهها الأخرى، في الآن ذاته، إنما هو النفاق الصاعق بعينه وإنما هو الرياء الزاعق بعين عينه.. !!

***
آصال أبسال –  كوبنهاغن
-----------
تعريف بالكاتبة

ولدت في مدينة باجة بتونس من أب تونسي وأم دنماركية.. وحصلت على الليسانس والماجستير في علوم وآداب اللغة الفرنسية من جامعة قرطاج بتونس.. وحصلت بعدها على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة كوبنهاغن بالدنمارك.. وتتمحور أطروحة الدكتوراه التي قدمتها حول موضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة الغربية» بشكل عام.. ومنذ ذلك الحين وأنا مهتمة أيضا بموضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة العربية» بشكل خاص..