الفنون أنتجت روائع والسياسة أنتجت مسوخاً بقلم:نبيل عودة
تاريخ النشر : 2019-08-19
الفنون أنتجت روائع والسياسة أنتجت مسوخاً بقلم:نبيل عودة


الفنون أنتجت روائع والسياسة أنتجت مسوخا
نبيل عودة

2008 / 8 / 21

قال عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي المعاصر إدغار موران والذي يعد احد رموز الفكر الغربي المعاصر : جميع الفنون أنتجت روائع، إلا السياسة، فقد أنتجت مسوخاً. وما تزال السياسة حتى يومنا خلوا من أي عنصر أخلاقي أيضاً. فهل ستظل السياسة تنتج مسوخاً؟!

حين قررت البدء باسبوعيات الموقد ، لم يغب عن بالي ردود فعل المسوخ . والمسوخ أنتجت من هم دونهم في المسوخية .. اناس غيرقابلين للحوار . غير قادرين على سماع موقف مغاير . عقولهم في إجازة لا تبدو نهايتها .

واجهت تجربة سياسية وثقافية مثيرة وغنية . لم أتردد في تغيير ما كان يبدو ثوابت وقناعات لا بديل لها . ولست ممن يؤمنون بثوابت غير قابلة للتغيير . كل شيء في عالمنا متحرك . كل شيء في حياتنا متغير. ما هو صحيح اليوم قد يكون خطأ غدا .والانسان بدون تجربة يبقى مثل المادة الخام .. جاهزا لاستعمال الاخرين له.

لا أتردد في طرح رأيي ولو أثار المسوخ السياسيين والمدعين للثقافة . وهذا ما يحدث عادة ، وهو دليلي لصحة خياراتي .على الأقل عقلي ليس في إجازة .

ويرى موران أننا مازلنا نعيش في العصر البربري للأفكار، إذ عادة ما تكون أخطاؤنا نتاجا لصيغة مشوهة لتنظيم المعرفة. ولذلك يبدو الفكر المركّب وحده هو الذي سيمكّننا من تحضير معرفتنا . والفكر المركب، حسب رؤيته ... يتأرجح بين التطلّع إلى معرفة غير مختزلة وبين الاعتراف بنقصان وعدم اكتمال كلّ معرفة .

أي ان المعرفة نسبية . فلماذا يدعي رجال السياسة انهم يعرفون كل شيء ، ويعرفون اتجاهات التطور؟ ولماذا نرى ان المثقفين غير الناضجين ، يقعون بنفس الهيكلية التافهة للمعرفة الكاملة ؟

أجل السياسة لم تنتج الا مسوخا.. 

والمسوخ لم ينتجوا الا سياسة مشوهة ..

وكل مدع لإكتمال المعرفة ، يتيه في أول أسطر يخطها.

وكل الأحداث التي نعيشها تؤكد مرة بعد أخرى ان السياسة لا تحتاج الى سياسيين محترفين ، يمارسون الدجل ، انما الى ادباء وشعراء وأصحاب فكر وفلاسفة ورجال علم . 

رجاء لا تصدقوا الدجالين .. لا فرق بين زعيم فلقة حزبية أو دولة عظمى.

من ننتخب لسلطاتنا المحلية ؟

الاستعدادات لمعركة انتخابات السلطات المحليةالعربية في اسرائيل تتصاعد .. المفاوضات تدور في الغرف المغلقة .. الشعب صاحب القرار بعيد عن معرفة ما يطبخ له . لماذا علينا أن نصدق ان ما يجري هو لمصلحة مدننا وقرانا ، وليس لمصلحة زيد أو عمر ؟ أو لمصلحة ابن العائلة الكبرى في القرية ، وكأن رئاسة المجلس المحلي يقررها عدد أفراد العائلة ، وليس مصلحة القرية في التطور والتقدم .

وكان الخبير الاقتصادي المعروف أمين فارس قد كشف في مداخلة قدمها في يوم دراسي عقده مركز مساواة في اواخر حزيران الماضي ، ان 44% من ميزانيات التطوير المخصصة للسلطات المحلية العربية في العام 2007 لم تستغلها المكاتب الحكومية ، من الواضح دون ان يشرح السبب ان القصور هو من السلطات المحلية واداراتها ، التي لم تعرف كيف " تجبر " الوزارات على صرف هذه المبالغ على مشاريع نحن بحاجة ملحة لها ولما هو أكثر منها. ببساطة ما يشغلها يقع بعيدا عن فهمها لدورها . . وقد شدد مثلا المهندس رامز جرايسي رئيس بلدية الناصرة في كلمته في اليوم الدراسي نفسه على أهمية العمل المشترك بين السلطات المحلية والحكومة بغية تقليص الفروق بين الوسطين العربي واليهودي وخلق أرضية جيدة لتطوير المجنمع العربي في البلاد ، كلام سليم ، بفضح القصور المأساوي لسلطاتنا المحلية . أين سلطاتنا واداراتها من الالتزام به ؟؟. الى جانب ذلك حذر أمين فارس أيضا من ضياع 2.2 مليار شيكل مخصصة للسلطات المحلية في العام الحالي 2008.

هكذا يتحدث أصحاب المعرفة ، والذين يحركهم عقلهم وضميرهم وليس حزبهم وما ينتجه من تخيلات وسياسات مسوخية.

رامز حقا رئيس بلدية حقق انجازات هامة .. لنا عليه انتقادات مختلفة وقاسية ، أهمها انه لم يستطع ان يرى أهمية تشكيل قائمة أهلية في الانتخابات الماضية وما قبلها وان يتحرر من القرارات الفوقية لمسوخ السياسة ، رغم اني على ثقة انه أراد شيئا مغايرا ، وقد يدفع هو شخصيا ، وأهل الناصرة عامة ، نتيجة لذلك ... الثمن في الانتخابات القادمة ... وهو ثمن سياسي صعب بكل الحسابات . رؤيتي ان وضع الناصرة غير مريح ... الجبهة والحزب الشيوعي عاجزون عن ايجاد البديل ، ويبدو انه لا مفر من رامز مرة أخرى .. هكذا يبدأ سادتي الانهيار .. الظن ان أفضل ما في الناصرة هو ما في الجبهة أو حزبها المختلف معها ،أو غير المختلف ، لا فرق ... هي مهزلة سياسية ، قبل ان تكون انتاجا لفكر مسوخي لا ينتج الا الزبد.

التجمع في الناصرة - أيتام عزمي بشارة .. في وضع مضحك أكثر مما هو مبكي من شدة عاهاته وافكاره المسخية . لا شيء يستحق الاشارة أو التعليق. العرض الهزلي يبدأ قريبا والفرجة مجانية.

المهزلة ان البعض يفاوضونهم ... هل هي لتمضية الوقت بالتسلية ؟

روسيا تنسحب من جورجيا - روسيا لا تنسحب من انجازاتها 

الأحداث الأليمة بين جورجيا وروسيا دلالاتها أكثر اتساعا من مساحة جورجيا ، وأكثر امتدادا من مساحة روسيا الجغرافية - السياسية .

حسابات الرئيس الجورجي أخذت باعتبارها عالما لم يعد قائما .. عالم القطب الواحد . لم يرصد بشكل صحيح التغيير الجاري في روسيا نحو عودة روسيا الى مكانتها الدولية ، وعلى الأقل الى حرصها على مكانتها في شرق اروربا.

بدأت بمشكلة الرادار في تشيكيا.. ومشروع نصب الصواريخ في بولونيا ، وتحريض اوكرانيا ، وضم دول شرق اوروبا السابقة الى حلف الأطلسي... أي تطويق شامل لروسيا .. يشغلها عن نفوذها الدولي ويحولها الى دولة من الدرجة الثالثة .

الضربة لجورجيا ، التي حولها رئيسها الى قاعدة أمريكية - اسرائيلية ، وبغض النظر عن المقاطعتين الانفصاليتين ، كانت قضية استعادة لدور القطب الآخر ، الذي اختفى مع انهيار النظام الاشتراكي وعلى راسه الاتحاد السوفييتي. 

توجيه الضربة تبعه انذار مرعب لبولونيا حول استهدافها نوويا اذا وضعت الصواريخ الأمريكية في اراضيها. واصرار على الموقف الروسي الرافض لنصب شبكة الرادار في تشيكيا.. 

لا أرى بروسيا اتحاد سوفييتي جديد ، انما دولة ذات قوة عسكرية واقتصادية لها مصالحا الدولية ، ومصالحها الحيوية في شرق اوروبا. وقد تتجاوز هذه المصالح ما كان يمتنع عنه الاتحاد السوفييتي (حفظا للسلام العالمي ؟ ) . 

النظام القائم اليوم مبني على فكر مختلف ، وقيم مختلفة. قد تكون شبيهة بفكر وقيم الولايات المتحدة وتشكل نقيضا استراتيجيا منافسا لها. لذلك عالمنا اليوم امام صراع أكثر خطورة من ايام الحرب الباردة. العودة الى تعبير الحرب الباردة هو اجترار غبي للتاريخ والسياسة . نحن امام صراع وجودي وامتيازات بالغ الخطورة ، لم يكن صمت روسيا الا استعدادا للعودة بقوة لدورها الدولي ونفوذها الاستراتيجي متعدد النواحي ، واختيار جورجيا ، المتماثلة مع سياسات بوش ، والتي تتحضر بقوة وبدعم اسرائيلي أمريكي ، لمرمغة أنف روسيا ، لتوجيه الصفعة الروسية المدوية الأولى بهه القوة ، هي سياسة مدروسة بدقة من الكرملين. وهي تشير الى غباء الأدارة الأمريكة وحساباتها السياسية التي جرتها الى مستنقع العراق ، وتشير ، وهو ما يخصنا .. الى تورط اسرائيل بسياسات لن تجلب عليها الا المشاكل . حليمة لا تبطل عاداتها.

روسيا قدمت كشفا لسياستها ، ليس نظريا فقط ، انما عملي أيضا ، وبقوة وتصميم ... شكل مفاجأة وصفعة للولايات المتحدة وحلف الأطلسي ، فانطلقت الصرخات الأمريكية ، وتحرك ركب الزعماء الأوروبيين الى موسكو ، لتخفيف وقع الصفعة على نظام بوش .. فوصل الرئيس الفرنسي ساركوزي بسرعة ، ووصلت المستشارة الألمانية ميركل.. وفزعت وزيرة خارجية الادارة الأمريكية رايس الى جورجيا لتداوي فشل سياسة ادارتها والأوهام التي عبأت بها رأس الرئيس الجورجي ونظامه ، الذي استعد لمغامرة "مضمونة" امريكيا . وقد تكون اسرائيل لعبت دورا كبيرا في التدريب والتخطيط ،وكيف لا وأمريكا في الصورة ؟ 

الأيام القادمة كفيلة بكشف المخفي ، ودمج الأحداث يقود حتما الى فكرة ان ما لم يكشف بعد هو أكثر خطورة مما كشف حتى الآن .. وقد قال قائد في حلف الأطلسي ان الرئيس الجورجي ارتكب حماقة.. وهذه الجملة ربما وجهت لروسيا لأقناعها ان الحلف خارج اللعبة القذرة لنظام جورجيا.... 

ولكن النظام الروسي لم يعد النظام المنهار في أواخر القرن الماضي ، روسيا اليوم قوة اقتصادية أيضا ، الى جانب انه من الخطأ التعامل معها كدولة من المستوى الثالث ... روسيا قبرت في جورجيا نظام القطب الواحد .