المسالمة في مختبر التشريح الموضوعي بقلم:عباس مسالمة
تاريخ النشر : 2019-08-18
منذ عقود من الزمن، تعودت مجتمعاتنا على الدور المحوري الذي تلعبه العشيرة على كافة الأصعدة، بدأ هذا الدور بتقليديته وبساطته، ثم نما مع الزمن ليصبح متغلغلاً أكثر فأكثر ضمن المنظومة الأجتماعية المجتمعية بكل تفاصيلها وأحداثها، فأصبحت العشيرة تلعب دوراً حزبياً، قضائياً، سياسياً، وحتى اقتصادياً. من تلسكوب علم الاجتماع، يبدو هذا وَسْماً عاماً له إيجابيات وسلبيات، حيث ترتفع وتيرة مأسسة العشائر في فلسطين أمام مؤسسة الدولة لا أعرف إن كان هذا ممنهجاً أم يأتي تباعاً لفعاليات عشوائية أخذت مساحة كبيرة في اهتمام الجماهير، في الوقت الذي أصبحت فيه مؤسسة الدولة قاصرة عن تحقيق المآرب العامة للأفراد والجماهير.

شهدنا في الآونة الأخيرة، حدثاً عشائرياً كبيراً لعشيرة فلسطينية ذات عمق وأبعاد مناطقية متعددة، عائلة المسالمة الموزعة بين بيت لحم، بيت جالا، الدوحة، القدس، بيت عوا، و دورا، اجتمع الكل العشائري ضمن أهداف متعددة، بعضها تراه، والآخر تقرؤه ضمناً. مهرجان النهضة التي تنظمه العشيرة منذ ثلاث سنوات لتكريم طلبة الثانوية العامة.

الجميل أن المهرجان قدر تعب وجهود المؤسسات التعليمية في المناطق التي يعيش فيها أفراد العشيرة، ممثلة بمدرائها وممثليها، وساهم في خلق روح التنافس الايجابي بين طلبة المدارس المقبلين على الثانوية العامة، وفي تعزيز خطوات الذاهبين إلى الجامعات كما ادعى المتحدثون على منصته بالكلمات وغياب الأرقام.. ثم نحن يجب أن لا نقارن أنفسنا بأنفسنا اذ تقدمنا، علينا أن ننظر إلى غيرنا ونحاكي المتقدمين.

أعطى هذا المهرجان مساحة للتطوع، وإبراز اسم العشيرة على المستوى الوطني، كما وظف طاقات شبابية رائعة ومميزة كامنة في ذوات أفراد العشيرة لتكون بارزة باتجاه العمل على إخراج هذا المهرجان بأبهى صوره حسب القدرات والإمكانيات المتاحة.

بلغةٍ تشريحية موضوعية، نود أن نشير لأهم النقاط المفصلية التي لمسناها في هذا الحدث، آملين أن تساهم في انعطاف ايجابي نحو التغيير في أحداث كبيرة قادمة، ولعل أبرزها: السلوك التنظيمي للتنسيق العام. حيث برزت لنا ما يسمى بـ "فوضى المسرح" والذي شهد حركات كثيرة غير لازمة في حينها سواء من قِبل اللجنة المنظمة أو لجان النظام وغيرهم.

كما لم يكن هناك قدرات عالية بالقدر المطلوب لحجم هذا المهرجان من قِبَل طاقم الإلقاء والتقديم، وضعف الخطاب التقديمي،الأمر الذي ساهم في توليد فوضى عارمة بين الجمهور أدت لفقدان النكهة العامة لبعض الفقرات الهامة في المهرجان، وبالتالي إضعاف جزئية الإلقاء في الإخراج العام للمهرجان.

لم تكن هناك ضرورة بمكان ولا بزمان لإضافة بعض الفقرات الخطابية الخارجة عن البرنامج العام للمهرجان، ولا حتى إضافة البهارات الحزبية التي ملّ منها الجمهور، وضجر بسببها الحضور.

المحور الأهم الذي نود التطرق له، وهو إخفاق المهرجان في إبراز الدور العام للأكاديميين من أبناء العشيرة، رغم أن عشيرة المسالمة تتميز بأكديمييها ورجال العلم فيها، حيث شهدنا محاولات عديدة وربما خارج برنامج الحفل لمداخلات غير لازمة ولا طائل منها سوى ابراز الشخص المتقدم، الأمر الذي امتعض منه العديد من الجماهير الحاضرة. لزاماً علينا أن نكن كل التقدير والاحترام لرجال الأعمال المتبرعة لهذا الحدث الضخم، لكن أيضاً علينا أن ندرك تماماً أن دورهم ليس على المسرح، لا في تكريم ولا في خطابات، بل من المفترض عمل دعايات ترويجية للشركات الراعية وتوزيع أوسمة الرعاية الذهبية والفضية وغيرها، كما يتم عادةً في المؤتمرات العلمية.

نتمنى أن يتطور المهرجان في السنوات القادمة وأن يحدث تحول محوري من خلال ضم الخريجين الجامعيين من أبناء العشيرة أصحاب اللقب الأول والثاني والثالث إلى التكريم، وإبراز دورهم ومساهماتهم البحثية والعلمية، باعتقادي أن تبجيل وتقدير هؤلاء يخدم الهدف العام من التكريم ويحفز خريجين الثانوية العامة لرسم أهدافهم واكمال مسيرتهم واصحاب اللقب الأول يسعون للثاني والثاني للثالث وهكذا.. وبذلك ترتفع قيمة المهرجان من مجرد تكريم، لتتطور لخلق تنمية وتطوير كوادر وطنية علمية تساهم في صناعة القرار وتحقيق التطور.