ليلة قتل مدحت يوسف بقلم:هادي زاهر
تاريخ النشر : 2019-08-18
 قصة قصيرة

ليلة قتل مدحت يوسف

هادي زاهر

جلست القيادة السياسية لدراسة الأوضاع الأخيرة وقد بدا الغيض واضحا على قسمات وجه القائد وهو يقول بحدة: ان الأوضاع رائعة بالنسبة لنا حيث ان العالم العربي لم يعد يرى في القضية الفلسطينية قضيته وجميعكم يعلم بان هناك دول عربية تتودد إلينا كي تسهل امورها لدى الإدارة الامريكية، من هنا فان فرصتنا

ذهبية من اجل فرض ارادتنا على ارض الواقع في كافة منطقة "يهودا وشمرون" واليوم علينا ان نطرد المسلمين من "مَرقد يوسف الصديق" بالقرب من " شخيم" 

أحد الوزراء قال: علينا ان نتوخى الحذر كي لا نثير الرأي العام العالمي او ردود فعل المتطرفين العرب. 

إلا ان القائد اعترض قائلًا وهو يضحك بصوت عال: ان هذا الامر اخر ما يقلقنا، ثم من أي ردود فعل تخشى، لقد سبق وحرقنا المسجد الأقصى واعتقدنا بان الامة العربية ستتدفق علينا معا في ليلة ظلماء ونصبح فيها في خبر كان، قوضنا اساسات المسجد، قمنا بقتل المصلين في الحرم الابراهيمي ولم تحرك هذه الامة ساكنة، المشكلة تكمن في اعتراض الفلسطينيين ليس إلا، وهم ليسوا بمقدرتنا إلا انهم يشكلون عقبة بإصرارهم على الدفاع على ما يعتقدون انه من حقهم.

وزير اخر قال: المهم أن نقوم بما نريد أن نقوم به بعيدًا عن الاعلام لان وسائل اعلام كثيرة لا تفتأ عن اتهامنا بالعنصرية.

القائد: لا يهمنا ما يقال، ما دام "العم سام" يقف إلى جانبنا أيا كانت رغباتنا.

وبسرعة صدرت الأوامر للقيادة العسكرية للعمل بحزم لكسر صلابة الأهالي المقاومين بكل ثمن من اجل السيطرة الكاملة على مَرقد يوسف الصديق، وكانت قد قررت في السابق شن هجمات محددة ثم الانسحاب لاعتقادها بان عدد المقاومين سيتناقص إلا ان ذلك لم يحدث. 

 أمر قائد الكتيبة جنوده بأخذ مواقعهم واحاطة الموقع من كافة الجهات وأرسل ثلاثة جنود ليشقوا طريقهم إلى الداخل من خلال ثغرة لم يتواجد فيها احد، تسلل الجنود خلف بعضهم البعض بحذر، وصعد قائد الكتيبة إلى موقعٍ عالٍ واخذ يوجه تعليماته للجنود بواسطة جهازه اللاسلكي وما هي إلا لحظة حتى امر بالانقضاض معا وارتفع صوت اطلاق النار في كل تجاه لحسم المعركة سريعًا، وفي خضم المعركة أصيب أحد الجنود، الجنود المرافقين اختبأوا خلف حائط ليتحاشوا الإصابات، ابلغ احد الجنود قائده بإصابة احد الجنود إصابة بالغة تخللها نزيف حاد.

 حالة من الارتباك سيطرت على القائد الذي اتصل بالسلطات الحكومية التي أمرت بالقيام بعملية إنزال لانتشال الجندي وإنقاذ حياته، وما هي الا لحظات حتى أخذت طائرة تحوم فوق المكان للتنسيق مع قائد الكتيبة لتحديد كيفية القيام بالعملية، ذلك لان إسرائيل لا تترك جنودها وتهرب وفقا لتصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين

 طل أحد الجندي ممن كانوا في الداخل من خلف الحائط بعد ان توقف إطلاق النار وأمعن النظر، فتح عينيه وفغر فاه ثم حدث نفسه:

- انه مدحت.. مدحت يوسف رفع السماعة وأخبر قائد الكتيبة بصوت منخفض: إن المصاب الجندي مدحت يوسف.

القائد متسائلًا وقد ارتسمت البسمة على وجنتيه: مدحت.. مدحت يوسف؟

الجندي: أي نعم انه مدحت يوسف

قائد الكتيبة: رائع.. رائع جدًا، وليذهب إلى الجحيم هو وجميع الاغيار.

 ثم تحدث إلى القيادة قال ان الجندي المصاب ينتمي لأبناء الطائفة الدرزية، فجاء الجواب، ما دام الامر كذلك فلا لزوم للمخاطرة من اجل انقاذ حياته، وهنا تحدث القائد إلى الطيار واعلمه بان عليه ان يغادر فسأل الطيار: هل تم انقاذ الجندي؟*

- قائد الكتيبة: لا.. ان المصاب يدعى مدحت يوسف.

الطيار: وماذا يعني ذلك.*

 قائد الكتيبة: انهم مرتزقة- 

الطيار: وهل هذا معناه ان يُترك مع نزيفه حتى الموت ما دام في خدمتنا. *

- القائد الكتيبة: قلت لك انهم مجرد مرتزقة، ثم ان هذه هي الأوامر التي وصلتنا 

* الطيار: ارجو ان لا تتحدث بهذه اللهجة لأننا لا نستطيع في كل مره يتحدث بها أحد المسؤولين بهذه المصطلحات أن نقول، بانها مجرد زلة لسان.

 قائد الكتيبة: حسنًا، رفقتك السلامة، يمكنك أن تعود من حيث أتيت.