عالم الغرفة من الزجاج والسلطة السادسة!بقلم: سالم اسماعيل نوركه
تاريخ النشر : 2019-08-18
بقلم سالم اسماعيل نوركه

عالم الغرفة من الزجاج والسلطة السادسة .. !

مَرَّتْ أسس الدولة عبر تاريخ نشوئها بمراحل عديدة إلى أن وصل العالم إلى أسس الدولة الدستورية الحديثة التي تقوم اليوم على الفصل بين السلطات الثلاث وأستقلالية أدائها من التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وظهرت سلطات أخرى أطلقت عليها هكذا ، لها مواقفها وتأثيراتها وفاعليتها الاخلاقية والقانونية ، منها السلطة الرابعة ، سلطة الصحافة والرأي العام والإعلام وكل النشاطات المقروءة والمسموعة والمرئية إلا إن هذه السلطة في بعض المجتمعات رضخت لرغبات الحكومات ولذوي المال والسياسة وبدأت في مناطق من العالم رويداً رويدا تفقد سلطتها وهيبتها ومصداقيتها حتى أضحت أغلب الاقلام بوقاً لتوجهات السلطان وتوجيهاته وتحولت من سلطة رقابية تمثل وتلامس تطلعات الشعب إلى فرشاة لتلميع سمعة السلطان السيئة وفي عالم آخر تحولت الى سلطة رصينة تفعل فعلها الإيجابي ، وقالوا هناك سلطة أخرى هي السلطة الخامسة ،سلطة حقوق لانسان خصوصاً في العالم المتقدم هذه السلطة تترسخ يوماً بعد يوم كونها تتميز وتتمتع بضمانة دولية تأتيها القوة من خارج الدولة بسبب كونها إنسانية والعالم صاغ تشريعاتها وعلى الدول التي تعهدت بالألتزام بها أن تراعي مفاهيمها الانسانية في تشريعاتها الوطنية وهناك محاكم خاصة بها مثل المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان وغيرها من الهيئات الدولية ومنها تلك التي تابعة للأمم المتحدة وإن كانت النظرة لحقوق الإنسان لا تتشابه ولا تحظى بنفس الأهتمام في كل مكان لأسباب سياسية واقتصادية وعرقية ولأسباب أخرى وهنا نحن لَسْنا بصدد التطرق لها ، وإنما نريد أن نكون من أولائك الذين ننذر بحقيقة بروز سلطات أخرى قائمة وبقوة منها ما كنّا نود تسميتها بالسلطة الخامسة إلا إن البعض أطلق على المنظمات والهيئات التي تدافع عن حقوق الانسان تلك التسمية فما علينا إلا أطلاق السلطة السادسة أو السلطة المشاكسة أو السلطة الغير الأكاديمية أو المزعجة ، لكن الكثير من هذه التسميات هي الاخرى لا تحظى بالقبول المطلق لأسباب سنأتي عليها .
إذا كانت السلطة الرابعة تميزت لحد كبير بالموضوعية والمصداقية ومهنية وجرأة وشجاعة في كشف الحقائق ومحاربة الفساد وتشكيل الرأي العام والمشاركة في صناعة القرار والتربع على عرش وسائل الاعلام إلا إن هذه السلطة التي أطلقنا عليها السلطة السادسة جاءت لتشاكس أسس السلطة الرابعة ومبادئها وتخلق لها المزيد من المشاكل بل ترعبها لأن هذه السلطة تُمارس من فبل من هب ودب وبلا ضوابط .. قالوا بالأمس العالم تحول إلى القرية نتيجة للتطور الحاصل في وسائل الاتصال وسرعة انتقال المعلومة وسرعة التنقل وتطاير الأخبار من الغرب الى الشرق ومن الشمال الى الجنوب وبالعكس ولكن ايضاً نتيجة التطور لاحقاً في تلك الوسائل وبشكل مذهل تحولت هذه القرية الى غرفة من الزجاج فما كان غير مكشوفاً لحد معين أصبح مكشوفاً وما كان غير متاح أصبح متاحاً وبيسر رهيب خذ مثلاً بالأمس البعض كان يحمل معداته ليمارس وظيفة مراسل حربي تابعاً لمؤوسسة معينة وبأجر مقابل قيامه بعمله الشاق وذهابه الى مواقع القتال لتصوير مشاهد من المعركة ويكون هذا الشخص مختصاً بهذا العمل وفنياً في مجال عمله وغالباً ما يكون يرمي من خلال تصويره لرفع المعنويات وتحطيم معنويات العدو بأساليبه الخاصة ، هذا العمل اليوم يقوم به جندي في صلب المعركة بكاميرته الخاصة بجهاز موبايله المتطور وبضغطة زر ينشر ما يريد وربما بدون دراية ويسبب في تحطيم المعنويات من حيث لا يعلم ولا يقصد في مواقع عديدة للتواصل مثل الفيس بوك أو تويتر واليوتيوب ومواقع أخرى والبعض حول هذه المواقع إلى مرتع خصب للشائعات وساحة لتصفية الحسابات وينتشر الخبر والصورة بسرعة كالنار في الهشيم وكذلك الحال مع المقالات . كثرت هذه الأيام في المواقع المواضيع التي ينشرها الهواة والتي تسبب الشحن الطائفي والمذهبي والقومي والعنصري أصبح اليوم الأعلام متاحاً للجميع والجميع ينشرون ما يحلو لهم من مواضيع شتى وبكميات هائلة دون دراسة ودراية وزادت المشاكل وساءت الأحوال والبعض لا يعلم وكما يقول أبن خلدون ( إن التاريخ في ظاهره لايزيد عن الأخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق ) ، نحن لا ننكر بأن البعض من الأكاديميين وذوي الاختصاص يمارسون مثل هكذا عمل ولكن نسبتهم قليلة قياساً للمجموع الذين يسببون مشاكل مجتمعية لما ينشرون وبجهل ولهذا البعض لا يوافق بالقول بأن هذه السلطة مشاكسة وغير أكاديمية ومشاغبة كون البعض يمارس هذه السلطة بدراية ويملك الأدوات ولكن الأكثرية ينشر ما يسبب الكثير من المشاكل ونتيجة للتطور الحاصل في نقل المعلومات البعض من السياسيين وخطباء المنابر لربما من حيث لا يقصدون أو يقصدون يوترون المجتمع ويصنفون نتيجة لطروحاتهم ضمن هذه السلطة البائسة ، بالأمس كانت الأخبار سجين بيئتها الضيقة أما اليوم فلها الفضاء الواسع وممارسيها كثر والسلطة التي أطلقتُ عليها السلطة السادسة بدأت تسبب مشاكل جمة لانها سلطة غالباً ما تُمارس بلا سياج من المعرفة والدراية والمسؤولية وهي من أهم أسباب الصراع الطائفي والمذهبي نتيجة لتعصب أولائك الذين ينشرون السموم عبر وسائل الإنترنيت ، ويمارسها فئات عديدة وبخلفيات ثقافية وضيعة لذا نحن في عصر خطير ، عصر المواقع الالكترونية والمواقع والصحف الالكترونية والفضاءآت الواسعة للنشر واللعب بالنار .. نعم بعض الأخبار والمعلومات التي تنشر مثل اللعب بالنار لذا نحن أمام مرحلة تستوجب من كل السلطات التصرف بحكمة لدرء خطر هذه الممارسات الخطيرة في التعامل مع الصورة والكلمة وأضرار هذه السلطة لا تعالج بمقال مثل الذي بين أيديكم وإنما بالدراسات العميقة والأكاديمية وجهات مختصة كما إننا لا نريد من الحكومات أن تسن القوانين والتشريعات التي من شأنها كبح جماح معارضي أباطرة الزمان ، صحيح إن التطور قد سهل لنا الكثير من الأمور في حياتنا لكنه في ذات الوقت قد أرعبتنا وأرهقتنا تبعاته السلبية ، علينا أن نفكر بما آلت اليها حياتنا ولا ندع الأيام تفاجئنا بما تقلق حياتنا نتيجة للتطور المستمر في كل حلقات الحياة ومنها وسائل الاتصال ومواقع التواصل بكل أنواعها .
------
كلام مفيد ( إذا لم تكن حذراً ، الصحف ستجعلك تكره الناس المضطهدين ، وتحب الناس الذين يمارسون الاضطهاد )
مالكوم إكس .