الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا :
بقلم / عبد اللطيف مهيوب العسلي
في خصوص قوله تعالى (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. ..)
لما أستقر مستقر الإيمان في قلوبهم بما صدقوا ما أنزله الله على رسوله فأتمروا بما أمرهم به القرآن , وانتهوا عما نهاهم عنه , وتخلقوا بأخلاق رسوله الكريم , قاموا في صفوف الأشهاد فقالوا : " ربنا الله ." وهي المعبر عنها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قالوها :
باللسان قولا ,
وبالفؤاد يقينا ,
وبالجسد عملا .
وفيها قال الله سبحانه وتعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25))1
" ثم استقاموا "
أي قاموا بالمحافظة على ما تقتضيه الشهادة من الوفا بما اتمروا به في كتاب الله الكريم من فرائض الدين , والمحافظة على ما تخلقوا به من أخلاق الرسول الكريم والاقتداء بما اشتهر من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم .
ثم أخلصوا فيما حافظوا عليه بصبر وسكينة ,0 وذكر وخشوع بلا ميل ولا طغيان .
ثم حذروا الردى وخافوا الانتكاس بعد الهدى فافتقروا وتضرعوا واستشفعوا واستغفروا ودعوا ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8))2
(رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194))3 آل عمران .
فتلك استقامتهم , وذلك نعتهم في محكم التنزيل ,
اذ استحقوا من ربهم الغفور الرحيم تنزل الملائكة بسلام الله عليهم وبشارته لهم , ثم أفاض عليهم ربهم الكريم من الثناء الجميل في الذكر الحكيم اختصاصهم بقوله :
( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32) 4(
فلما شهدوا الشهادة الحقة وقاموا بما يجب من حقها .
اتصل الشاهد بالمشهود، والموجد بالموجود، ، وكشف عن بصائر الشهادة الغطاء , وعرجـت في ملكـوت الـسماء وأشرقت بنور ربها فإذ قال المؤمن بالله الحافظ لحدوده القائم بفرائضه
" ربنا الله "
قالت الصلاة : صدق ,
وقال الصيام : صدق ,
وقال الحج : صدق ,
وقال السمع : صدق ,
وقال البصر : صدق ,
وقالت الجوارح : صدق ,
وقالت الملائكة : صدق ,
وقال الرسول : صدق ,
قال الله تعالى : صدق .
فذكره الله وقربه الله ورفع ذكره وقبل قوله وفعله بشاهد قوله تعالى : ( .. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ ...))ُ5
وحينئذ بحكم الحال والمقال وجب عليهم ما يجب على الأشهاد من ذوي الألباب التابعين للرسول المختار من الأدب الجم والخلق الكريم الذي من تخلق به رفع إلى رتبة الداعي إلى الله وجلس على كرسي الفتوى , والقيام بما يجب على وارث النبوة من تكاليف الدعوى , ولا يكون لهم ذلك والوصول إلى ما هنالك حتى
( يتورعوا عن ثلاثة أشياء , و يزهدوا في ثلاثة أشياء ويرغبوا في ثلاثة أشياء.
*فأما الورع عن ثلاثة أشياء هي :
1 - الورع عن الحرام والشبهة
2 - الورع عن الغضب والحدة
3 - الورع عن الطمع والشهوة .
وأما زهدهم في ثلاثة أشياء فهي :
1 – الزهد فيما أوتوا بالإيثار والمواساة .
2 – الزهد فيما فضل الله به بعضهم على بعض من الغنى والزيادات .
3 - والزهد عن حظوظ أنفسهم من الكبر والرئاسة .
* وأما رغبتهم في ثلاثة أشياء هي :
1 – الرغبة في مجالسة والحكماء
2 – الرغبة في منافسة الكرماء
3 – الرغبة في مجاورة أهل السماء "بتلاوة القرآن الكريم ودوام ذكر الله" .)☆
..............
فهنالك لا أحسن منهم قولا ولا عملا ولا أكرم منهم وصفا إلا من قال قولهم واتصف بصفاتهم بشاهد قوله جل وعلا : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36 ))6 سورة فصلت.
وحينئذ دخلوا في سلك أوليائه إذ كان الله وليهم بالهداية والرعاية , والتوفيق والعناية ,
وكانوا هم أولياءه المنعوتون في محكم آياته
, أولئك الطائعون لكل ما أمرهم به , التاركون لكل ما نهاهم عنه , الداعون إلى سبيله , الشاكرون فيما نفع و سر ,الصابرون فيما ساء وضر .
الجاثون على ركب الافتقار بين يديه الملتجئون إليه , التابعون لكلامه الذي كلمهم به " ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) )7
جعلنا الله وإياكم ممن دخل في سلكهم واتصف بوصفهم ودعا بدعوتهم , ودخل في الأخرة مدخلهم إنه سميع مجيب.
.............. ..... ........
الهامش :
1 – من سورة إبراهيم.
--2,3 من سورة آل عمرآن
4,6 - من سورة فصلت .
5 – من آية (10) من سورة فاطر .
7 - من سورة المائدة .
☆من كتاب الفتوح للشيخ أحمد ابن علوان رضي الله عنه .
الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا بقلم: عبد اللطيف مهيوب العسلي
تاريخ النشر : 2019-08-18
