الالتزامات في عقد العلاج الطبي وعقد المحاماة الالتزامات في عقد العلاج الطبي وعقد المحاماة بقلم / المحامي سيف هادي عبدالله الزويني
تتمثل العلاقة العقدية بين الطبيب والمريض نوعًا جديدًا من العقود، له خصوصيته التي تميزه عن غيره من العقود الكثيرة الأخرى حتى العقود المهنيّة، ويمكن القول أنه نتيجة لهذه الخصوصية التي يتميز بها عقد العلاج الطبي، يمكن تَلمُّس
التزاماً تبادلياً بالتعاون المتبادل، إذ أن التزام طرفي العقد الطبي بالتعاون يتناسب طرديًا مع الوصول إلى الشفاء .
أن أغلب الفقه والقضاء على أن التزام الطبيب أمام المريض، ينحصر في الالتزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجةObligation de resultat وخرج من هذا الاغلبية بعض الفقهاء من ضمنهم أستاذنا الكتور محمد عبد الظاهر حسين , فالأصل في الالتزام
الرئيس المتمخض عن هذا العقد الذي يقع على عاتق الطبيب، أنه التزام ببذل العناية الواجبة والمتبصرة وليس التزاماً بتحقيق غاية، ذلك لأن هذه الغاية، وهي الشفاء من المرض، تهيمن عليها فكرة الاحتمال، حيث أن هذا الشفاء يتوقف على ظروف وعوامل لا تخضع دائماً لسلطان الطبيب، كمناعة جسم المريض وحالته، من حيث الوراثة وعامل السن التي وصل إليها المريض، والأمراض التي سبق أن تعرض لها المريض، والحالة النفسية التي يمر بها .
وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية، حيث استقر القضاء على أن الطبيب، يلتزم بموجِب العقد الطبي أن يبذل في علاج المريض العناية الصادقة اليقظة، في حدود الأصول الطبية المفروضة، ويُسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه، لا يقع من
طبيب يَقظِ في مستواه المهني، إن وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول، وهو ما نصّ عليه القانون القضاء الفرنسي أيضًا .
وأكد القضاء العراقي هذا المسلك، فقد ألزم الطبيب ببذل عناية، وأصدر في ذلك قرارات عديدة، ومنها قرار محكمة التمييز العراقية الذي جاء فيه أن: "التزام الطبيب بمعالجة المريض والعناية به، لا يعني التزامه بضمان الشفاء والسلامة له، ولا يُسأل إن ازداد المريض مرضًا، ما لم يكن بالتقصير" .
أما بخصوص التبصير، فيلتزم الطبيب بتبصير المريض لكن غير مُلتزِم بشفائه، وهذه من الالتزامات الفرعية التي توجب الطبيب أن يبصر المريض ولا يخطئ أو يهمل في علاجه، فلا يمكن إعطاء المريض مخدراً أكثر مما يتحمل جسم المريض فيموت، فهنا في هذه الحالة يعتبر إخلالاً ببذل عناية.
وقد أيد القضاء الفرنسي على مبدأ التزام الطبيب بتبصير المريض، فيعد مسؤولاً عن النتائج الضارة من جرّاء تدخله الطبي، إذا لم يقم بتبصير المريض والحصول على رضائه المتبصِّر قبل التدخل العلاجي.
كما قضى القضاء الفرنسي بمسؤولية طبيب نفسي باستعمال الرّجة الكهربائية لامرأة مصابة بحالة انهيار عصبي، دون أن يبصرها بالأضرار المترتبة عن هذا العلاج، ومن غير الحصول على القبول من أهلها أو حتى المريضة، مما أدى هذا العلاج إلى كسر عظمتين منها.
فإذا خالف الطبيب التزامه بالتبصير، كان ذلك إخلالاً منه بهذا الالتزام ويلتزم بالتعويض الأدبي.
وخلاصة ذلك: أن الالتزام بالتعاون في عقد العلاج الطبي، هو أن يلتزم الطبيب
ببذل العناية الكافية المؤدية إلى شفاء المريض، وليس التزاماً بتحقيق نتيجة، على خلاف ذلك يتجه بعض الفقه مؤيدين أستاذنا الدكتور/ محمد عبد الظاهر حسين يقع على الطبيب التزام بتحقيق نتيجة ولا نؤيد هذا الاتجاه من الفقه, ذلك لأن هذه النتيجة هي شفاء المريض، وحيث أن هذا الشفاء يتوقف على ظروف وعوامل لا تكون دائماً تحت يد الطبيب، فهذه استحالة طبيعية لأنه لا يمكن للطبيب الالتزام بتحقيق نتيجة، كالاتفاق حتماً على شفاء المريض، كذلك في عقد المحاماة فالمحامي لا يجوز الاتفاق على أن يربح القضية لصالح موكله في جميع الأحوال، ويحصل على براءة المتهم أو رفض الدعوى؛ لأنه أحياناً يكون هذا مستحيلاً، وذلك لأنه لا يمكن للمحامي أن يرشي القاضي ليربح القضية، فالاتفاق على براءة المتهم أو رفض الدعوى يعتبر مخالفاً للنظام العام؛ لأن في ذلك استحالة قانونية، بمعني أنه لا يجوز الاتفاق على تحقيق نتيجة؛ لأن التزام المحامي هو بذل عناية لا بتحقيق نتيجة، وتبعًا لذلك فإنه يتعين عليه أن يبذل العناية اللازمة فيما
عَهِد إليه موكله للدفاع عنه وعن مصالحه، والمرافعة بالوسائل الملائمة والمشروعة، وهي عناية الشخص المعتاد أي وفق المعيار الموضوعي، لكنه لا يتعهد بربح القضية (وإلا أصبحت المهمة مستحيلة).
وهذا ما حدده المشرع المصري في قانون المحاماه المصري رقم17 لسنه 1983، حيث نصت المادة (63) على أنه: "يلتزم المحامي بأن يدافع عن المصالح التي تُعهد إليه بكفاية، وأن يبذل في ذلك غاية جهده وعنايته". فالمحامي وفق هذا النص لا
يلتزم بتحقيق نتيجة بربح الدعوى لصالح موكله، بل يلتزم ببذل العناية الصادقة الواجبة الاتباع، من خلال الأنظمة والقوانين والأعراف المتبعة في المهنة. راجع مؤلفنا الالتزام بالتعاون في عقد نقل التكنولوجيه , دار الجامعة الجديد . وإن كان الله عز وجل قد أعاننا على كتابة هذا الموضوع، فإننا نشكر الله تعالى على
كرمه وفضله علينا. وإن لم يكن هناك توفيق، فيكفينا أننا حاولنا وبذلنا الجهد، وفي النهاية أتقدم لكم بكل الشكر والتقدير، وأرجو من الله تعالى أن يكون خطوة في مجال العلم، وأن يستفيد منه الجميع.
بقلم المحامي / سيف هادي عبدالله الزويني
الالتزامات في عقد العلاج الطبي وعقد المحاماة بقلم:سيف هادي عبدالله الزويني
تاريخ النشر : 2019-08-15
