الطبقية في غزة بقلم:عبداللطيف محمود جبر
تاريخ النشر : 2019-08-14
الطبقية في غزة بقلم:عبداللطيف محمود جبر


إذا احتلت البكتيريا الجسم فهي مؤامرة خارجية يستطيع الجسم التغلب عليها بالعقاقير أما إذا تمردت خلايا الجسم وأثارت السرطان فهو مرض من الصعب التغلب عليه... وهذا حال جسد قضيتنا... لا تأبه كثيرا بالمؤامرات الخارجية لكنها تحاول أن تتعافى من سرطان التنظيمات التي تتمدد يوما بعد يوم... والتي هي في الحقيقة عبارة عن "دكاكين" ثورية ومصدر كسب رزق لأصحاب النفوذ والمناصب الوطنية والإسلاموية...
وصلنا اليوم إلى واقع بلا ملامح ومستقبل مجهول بسبب هذه الأحزاب التي قادتنا إلى نظام إقطاعي يبرر تغير وجهته بالابتلاء إذا مسه الضر وبالبلاء إذا مس غيره من أصحاب الوجهات الغير إسلاموية... وإلى نظام اشتراكي أصابه العفن حقا يؤمن بالمؤامرات أكثر من دخول الحمام... وإلى قذارة الوسطية التي يدعيها البعض... وحماقة الليبرالية التي تؤمن بالديمقراطية إذا أوصلتها لسدة الحكم وإلا فالديمقراطية تصبح نظام غير مرغوب فيه توصل المجتمع – الذي لا يعرف مصلحته!- إلى طريق مسدود... فيضطر الليبرالي العربي إلى قيادة ثورة تصحيح المسار التي هي انقلاب في عيون البعض...
تصحيح المسار في الحقيقة يحتاج إلى تهميش فلول الأنظمة المستبدة ودحر هذه التنظيمات التي يجب أن تخضع وزعامتها إلى محاكم ثورية تُحاسب على ما وصلنا له من طبقية وفقر وتغول لأبي رغال...
قطاع غزة اليوم يعاني من هذا فالفرق بين الطبقية هو متر واحد بين منزل أحد القيادات وبين كوخ أحد المهمشين في المخيم... فإذا سرت تبحث عن الحصار في شوارع الرمال لن تجده وإذا انحرفت يمينا نحو أحد المخيمات تجد الناس صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية...! تجد فيهم حصار مدقعا عاش فيهم وتعايشوا معه ومنعهم الاتهام بالخيانة والخروج عن الصف من الثورة والتنفس...
عليك أن تصعد أحد أبراج غزة وتنظر بنفسك إلى الفوارق الطبقية سترى العشوائيات التي أنهكها الفقر وسترى أيضا المباني الفاخرة التي قدمت التضحية دون غيرها...!
في خضم هذا أنت متهم بالتخابر إذا تقصيت خلف مفسد وسألت عن أملاكه... وإذا لم تسأل ستموت مرتين مرة وأنت تراه يتغول مستغلا نفوذه ومرة حين تراه يستغل نفوذه مرة أخرى...!
المحاصصات التنظيمية هي وجهة الحكومات لإرضاء كافة الأحزاب والمحاصصات العائلية وجهة التنظيمات لإرضاء المضحين بدمائهم وأبنائهم وكأن المهمشين والغلابة لم يتقنوا التضحية...!
اسم العائلة يتقدم سيرتك الذاتية في التقدم للحصول على وظيفة ويتقاسم "أولي الأمر" السلطة عن طريق هذا ويتبادلون المصالح في شركة وطنية أو إسلامية اسمها الوطن والنضال... أصحاب الأسهم في هذه الشركة يزيد رصيده بحجم التضحية التي قدمها الفقراء الذين يتبعوه و يستغل سذاجتهم وحاجتهم...
تقدم إلى المخيمات في رفح وخانيونس والوسطى وغزة والشمال ستجد شابا بلغ من العمر ثلاثين عاما يبحث عن مصدر رزق يؤمن منه ما يعينه على الهجرة وترك البلاد...
وفي ذات المخيم تجد شابا "ناجحا" في حياته يبلغ التاسعة عشر أو أكثر بقليل يتسلق جيبا لا تدفعه نفسه إلا بإلقاء التحية من خلف الزجاج "المبرسن" و بصوت بوق السيارة ويزيد تواضعا إذا أنزل الزجاج ورفع يده...!
أوصله إلى "نجاحه" والده الذي قدم عمره في التضحية من أجل العائلة...!
تبا لك ولوالدك...!
الحقد والكراهية ردة فعل طبيعية على الطبقية واستغلال النفوذ والسلطات وإلا فالمجتمع غير سوي... فلا تحاسبوا الفقراء على حقدهم بل حاسبوا الزعامات على تغولهم وتغلغلهم...!
ومع ذلك تبقى غزة عصية على الانكسار فمن حفر لها حفرة دُفن فيها...