ملوك الطوائف بأثواب عربية بقلم:آلاء سلمان جودة أبو سنيمة
تاريخ النشر : 2019-08-13
ملوك الطوائف بأثواب عربية

آلاء سلمان جودة أبو سنيمة

عندما أقرأ في تاريخ الأندلس ، فإن عقلي وقلبي لا يستوعبان مقدار الذل الذي وصل له المسلمون، حتى يعطوا الجزية للنصارى عن يد وهم صاغرون، أضاعوا أرضاً  كان الأوروبي يحلم حلماً بولوجها، فكانت كالقمر المضيء في عتمة القارة العجوز، فيراها بعيدة المنال كالرحلة للمريخ،  وإن زارها يتملكه العجب من بهاءها ،وجمال عمارتها ،ورُقي بَنِيها ونظافة أزقتها ،وتقنية أدواتها ،ومكتباتها الجليلة.

فكانت الأندلس القطب الثاني في العالم بعد بغداد العربية، كانت أقطاب العالم في ذاك الزمان  ملك إسلامي خالص،  ولعلني ذكرتُ القليل عنها لتتخيل حجم المأساة وأنت تقرأ استنجاد ملوك تلك البلاد البهية بأناس نكرة  عاشوا عصور الظلام، الهمجية عادتهم، والانقياد الأعمى شعارهم ، فإن بزغ عندهم نابغة بعكس ما تؤمن به الكنيسة كان الحرق مصيره ،فالعقل عندهم مُكبل بسلاسل الاضطهاد، والحياة الهنية تستحقها ثلة النبلاء فقط ،وباقي الشعوب هم أدوات المتعة في أيدي هذه الشرذمة ، فلا إنسانية، ولا حقوق للبقية .

تخيل أن المسلمين في ذلك الزمان يستقووا  بهؤلاء على بعضهم بعضاً، فعندما ابتغوا العزة بغير الله ،ذلّوا شرَّ ذُل ،وهانوا أشدّ هوان.

هكذا الأندلس ضاعت عندما أضاع الطوائف مروءتهم، وللحظة مرت في مخيلتهم أن ملوك النصارى هم المنقذون لأملاكهم من أيدي إخوتهم، فكانت عيون  النصارى تتربص ببلدانهم، أثناء انغراس أنيابهم في أجساد إخوتهم حتى انقلبت الكرة عليهم، فكانوا كالذي نقض غزله بيده، ودفع فوق ذلك ماله ليشهد نهايته بيد من استغاثه.

وبهذا الخسف فاز عبّاد الصليب بأندلس، لا يستوعب عقله كيف حصل عليها بطبق ذلٍ مشرب بضعف نفس تركت منهجاً قويماً، ذاك المنهج الذي  ساس به العربيُ  العالمَ من فرس و روم، ليعلم المسلم أنه لا عزة وارتقاء له إلا به. 

وتمر الأيام والسنون وتُعاد المشاهد (المخزية ) ليس في أندلسٍ، وإنما في بلاد عُرب من ملوك يلبسون ثوب العزة _التي طالما تغنوا بها_ ويتبخترون به على أخوتهم وبني جلدتهم، أما إن كانوا في حضرة صهيوني لعين أقصد "صديق لهم" فإنهم يخلعون العزة جانبا، ويستدعون كل مشاعر التوقير والتبجيل ومصاحبتها بطأطأة رأسٍ وحنو صوتٍ وإمالة جسدٍ، عساهم أن يحظَوا ببعضَ رضاً من ساداتهم، وكأنهم يقرأون الآية الكريمة بعيون وقلوب مطبوع عليها، فعكسوا تطبيقها (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) / المائدة(54).

إنها لمشاهد مثيرة للاشمئزاز  كتلك التسريبات التي لم ينشرها سوى (أحبابهم) عندما ترى فيها أشباه الملوك يتسللون للفنادق كتسلل اللص الخائف من القبض عليه، ومن شرذمة أقصى أُمنياتِه زيارة شارعاً في تل الربيع المحتلة ، كيف وصل بنا الحال إلى ما نراه ونسمع به؟

لم نستوعب قصص الطوائف حتى يصفعنا واقعٌ أليمٌ مهينٌ لعربٍ هم أحفاد معاوية الذي رفض عرض ملك الروم، بل رد عليه بخطاب مشرف "اخرس وإلا سآتيك بجيش أوله عندي وآخره عندك، يأتون برأسك أقدمه لعليّ"، ثلّة أبَت على نفسها رضوخا لملةٍ فاسقة، فانحنى لهم التاريخ انحناءة تكريم .

وأعود من زمان العز والفخر، لتتخيل واقعاً أسوأ ما قد تتخيله، ولمَ تتخيله؟ بل تراه وتسمعه، كخطابات الرئيس  الذي هو مصيبة ثالثة بعد نكبة ونكسة، وهو يتخلى عن وطن لم يخوله أحد بالتنازل عنه، ويجنِّد أشباه رجال لحفظ أمن أسياده الصهاينة، وطعن بَني هذا الوطن بخنجر الخيانة في قلوب أبت على نفسها إلا مجابهة هؤلاء اللصوص .

أقف هنا حائرةٌ بين ماضٍ عزيز وواقع أليم ومستقبل يلوح _بمشيئة الله_ لنا بسيادة أمم الأرض جميعها، فعندها ماذا سيخطّ التاريخ عن هذه المواقف البالية ؟ وكيف ستقف الأجيال معبّرة عن أشباه الرجال الذين سادوا هذه الأوطان، فكأني بحالهم كحالي من ملوك الطوائف، وهكذا تُعاود كرة التاريخ أدراجها بالمنوال ذاته، كما هي سنن الله في خلقه، "إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".