محمود درويش أسطورة الشعر الفلسطيني بقلم:عائدة حسنين
تاريخ النشر : 2019-08-12
محمود درويش غادرنا جسداً في التاسع من آب .. كان يوماً صعباً عليَ أن أصفه .. طبعاً ككل البشر كنت أعرف أن الشاعر الكبير قد سافر لإجراء عملية جراحية في القلب ... ككل الناس سمعت الخبر في نشرة الأخبار .. و قبل ذلك كان قد أجرى عملية في القلب و هو أمر عادي
و تابعت كالكثيرين بعد ذلك أن حياة الشاعرباتت في خطر لأن العملية خطيرة و بعدها جاء خبر الوفاة و فوراً قبل أن أتفحص مشاعري نحوالخبر أو قبل أن أحاول أن أفتش عن نفسي كي أجدني اتصلت بي مجلة الكترونية .. فوراً بعد الخبر ..
ما شعورك الآن ؟
صعب وصف مشاعري فأنا لا أعرف ماذا أشعر؟
قلت كلاماً كثيراً بخصوص اللجوء و اللاجئين و المخيمات كلاماً سياسياً قلت عن محمود ..
و لكن الشاعر الكبير يساوي عندي أكثر من عدة جمل قلتها بلهاث عقيم . محمود درويش بالنسبة لي أشياء في روحي ... لربما شجرة .. زهرة لربما أو جبل أو سلم الفلسطينيين نحو النجاة من البئر المعتم و من الهاوية
للآن أفتقد الشاعر و أستمع يومياً تقريباً لتسجيلات أشعاره بصوته .
ماذا يمثل الشاعر الكبير لنا ؟
مرجعية واعية و عميقة و نحفظ أقواله حتى أننا قد نخطئ و نقول كلامه على أنه كلامنا فكلامه حكمة مأثورة مروية
كبرنا على أن نفتش عنه شعراً .. كبرنا أن نفتش عنا من خلاله .. كبرنا أن نفتش عن فلسطين حرة بالشعر الدرويشي ..
غادرنا درويش في فترة يلزمنا فيها شاعر يقولنا .. يصفنا .. يعبر عن مأساتنا الحالية .. ضياع القدس و شراسة المستوطنين في الخليل و كل فلسطين ..
لربما لو كان الشاعر الكبيربيننا لربما وصف الحالة الإنسانية _ و أنا لا ألوم أحداً على ما نحن فيه _
المأساة الفلسطينية أو الملهاة الفلسطينية ..
يقول المحب المجرب في سره هو الحب كذبتنا الصادقة ! ( شعر محمود درويش )
فلسطين ملحمة الوجود .. فلسطين صخرة الذكريات .. فلسطين أمل العاشقين بالعودة إلى الديار .. إلى بيوتهم الغائبة .. و هم الغائبين في المنافي .
لماذا نحب الشعر ؟
لربما لأننا أصحاب ألم و قضيتنا كل الألم
لربما لأن جنة الدنيا فلسطين بلادنا و نحن نعيش في نار الجحيم
لربما لأن المأساة الفلسطيينة تتوالد و تتكاثر .. كأنها أم خصبة تلد مآسينا الكثيرة الدامية .
محمود درويش كان الناطق باسمي
محمود درويش كان الناطق باسم فلسطين
كان الناطق باسم الملهاة الفلسطينية أو المأساة الفلسطينية .. باسم الشتات و المنافي و الآلام .
في فلسطين ما أكثر الصلبان و ما أكثر الأفران .. لكن كل العائلات الأخرى لا تعترف إلا بآلامها لا تعترف إلا بمآسيها ..
لم نقتل أحداً
لم نسرق أرض أحد
نحن الضحايا و نتهم بالإرهاب
نحن نطرد من بيوتنا في عز النهار في عز الظهر و نترك كنوزنا من ذكريات خلفنا .. أموالنا .. صورنا .. كل شيء كل شيء .. هناك من تركوا أولادهم نائمين .. أجدادهم أو أمهاتهم أو آبائهم .. و هذا إن دل على شيء دل على المفاجأة القاتلة !
كل هذه السنين و نحن نلاحق من يحكي قصتنا
كل هذه السنين و نحن نرنو إلى الأفق باحثين عن بلادنا .. أندلسنا الضائعة ..
نبحث عن من يحكي الحكاية
نبحث عن من يقولنا
نريد أن نعرف من نحن .. ماذا صرنا ؟ كيف صار حالنا بعد كل هذي الحروب ..
الغربة مزقتنا .. مزقت الروح الفلسطينية .. مزقت الجسد الفلسطيني .. ومزقت البيت الفلسطيني .. فرقت الأولاد .. بعثرتهم .. في الشمال و في اليمين و في السراب و في الضباب ..
نعيش رحلة التيه الفلسطينية
نعيش رحلة الاغتراب
من نحن ؟
أين أنت أيها الشاعر؟
نحن في حاجة إليك و نفتقدك أكثر من أي وقت مضى .. فلسطين وحيدة في المتاهة .. فلسطين فلسطين فلسطين فلسطين و أين أنت يا فلسطين و ماذا صرت أما آن لنا أن نلتقي .. أما آن أن تعودي إلينا .. أو أن نعود إليك .. قهوتنا مازلت على المنضدة هناك و مازال ينتظرنا الطعام الذي أعدته أمنا الأرض.. فلسطين
متى ستعود ؟
متى ستعود ؟
هل هناك من إجابة ؟ هنا تأتي رحلة الشعر .. تحكي لنا .. تصف القصة الفلسطينية
الكمنجات شكوى الحرير المجعد في ليلة العاشقة ..الكمنجات صوت النبيذ البعيد على رغبة سابقة
الكمنجات تتبعني ههنا و هناك لتثأر مني الكمنجات تبحث عني لتقتلني أينما وجدتني
الكمنجات تبكي على العرب الخارجين من الأندلس .. الكمنجات تبكي مع الغجر الذاهبين إلى الأندلس ( شعر محمود درويش )
بقلم عائدة حسنين