سوريا المُعتقلة إلى متى!بقلم:زياد هواش
تاريخ النشر : 2019-08-11
سوريا المُعتقلة الى متى...!

سوريا كيان معتقل في منطقة محتلة في إقليم فوضوي في عالم أولغارشي يعيد انتاج توحشه.

الثوابت الناظمة لحركة المُتغير السوري ثوابت دولية (أمريكية وروسية) ثم (صينية وأوروبية) وهي "ثوابت" بالنسبة للمنطقة العربية المعطلة والاقليم الواقف (تركيا وإيران) ولكنها في الحقيقة هي أبعد ما تكون عن الثوابت السياسية والأمنية انها قوانين اقتصادية مؤثرة ومتأثرة ترتبط بعوامل لا يمكن ان نقول عنها "متحركة" بل "حيوية"....

في المنطقة والاقليم معرفة تلك القوانين ومراقبة تلك الحيوية لا معنى لهما لأننا في موقع السكون الدائم ولا نمتلك القدرة او الرغبة في الانتقال الى موقع رد الفعل حتى لأسباب تاريخية ودينية واجتماعية باقية وتتمدد

العوامل الحيوية التي تصنع القرار الأمريكي ثم الروسي في المنطقة العربية يمكننا التعبير عنها بثابت إقليمي يفترض أن مصالح القائدين الأولغارشيين الخالدين الرئيسية هي في الاقليم (أمريكية في إيران وروسية في تركيا ومشتركة مع إسرائيل) وليس في المنطقة العربية المُسيطر عليها والتي يتم استدراج (إيران وتركيا) عسكريا اليها لتحطيمهما وإعادة غزوهما وفق ذلك المخطط الاستعماري القديم والممل بالفعل

الاحتلال الروسي لتركيا لن يكون تقليديا بل "رقميا" ومن البوابة السورية بالتزامن مع العودة الامريكية الرقمية لإيران من البوابة العراقية في حين تترك الساحة اللبنانية كساحة إنهاك وتضليل لإيران وبوابة عودة لإسرائيل عبر الحليف التاريخي (القوات اللبنانية أو حزب الله الإسرائيلي) من خلال حرب أهلية حقيقية في المدى المتوسط والمتزامن مع (حروب الاقليم الرقمية) !

من يتذكر قيامة "القوات" اللبنانية من رماد حزب الكتائب والقوات اسم ديني بامتياز يعادل في دلالاته الجمعية العميقة والعنصرية اسم "حزب الله"
يرى في حزب الله نموذجا مطورا عنها في استعراضاته ورتبه العسكرية وجهازه الأمني وارتباطه الإقليمي ومصادر تمويله المافيوية ونشاطاته الاجرامية والارهابية في المنطقة والاقليم لصالح إيران كالقوات لصالح إسرائيل

تلميع صورة القوات اللبنانية والقائد التاريخي لها سمير جعجع اليوم وتاريخهما الدموي التلمودي إذا صح التعبير وشيطنة التيار الوطني الحر والقائد الشاب له جبران باسيل واتهامه بالفتنة لتغطية القتل الذي مارسته القوات بحق المسيحيين والمسلمين والسوريين والفلسطينيين والافارقة !
والانجرار الإسلامي اللبناني والعربي المخيف خلف هذه البروباغاندا الرهيبة أمر يؤكد الذهاب الى حرب أهلية لبنانية_إسرائيلية ثانية يقامر فيها حزب الله بخسارة الجنوب الشيعي ويقامر فيها لبنان بخسارة الجنوب الوطني نهائيا كما خسرت سوريا الجولان ودرعا ومن ثم السويداء !

القوات اللبنانية لن تستطيع قيادة "المجتمع المسيحي" في لبنان بسبب التاريخ الدموي الذي لا ينسى لها وسيظل يحسب عليها مسيحيا أولا ولذلك إعادة الرهان مرة ثانية على إسرائيل التي تعلمت الدرس من الاجتياح 1982 بالرغم من الوجود الفلسطيني والنجاح التام في اخراج بندقية المقاومة من بيروت ولبنان بمساعدة السوريين
ولكن القرار الأمريكي_الروسي سيجبرها هذه المرة على التمدد العسكري في لبنان بالتوازي مع سوريا عندما يتقاسمان ويوقعان على وثيقة الغزو الرقمي المتزامن لإيران وتركيا مع العلم ان الإدارة الامريكية لم تكن متحمسة للغزو الإسرائيلي للبنان العام 1982

بالعودة الى سوريا المُعتقلة وثوابتها المرتبطة بغزو الإقليم وبالحيوية الامريكية الروسية الرقمية:

إسرائيل باقية في الجولان وتتمدد الى درعا وصولا الى السويداء والدولة الحاجزة الدرزية_الاسلامية خيار لا يزال مفتوحا ومطروحا بقوة إسرائيليا بالتزامن مع تفريغ الجنوب وبيروت من الشيعة وحصرهم في البقاع والداخل السوري (حمص والقصير وأجزاء من القلمون) وتأمين "كوريدور آمن" لهم الى العراق !

إيران باقية في سوريا وتتمدد على أمل إقامة الكوريدور الشيعي الى المتوسط عبر العراق (الديمغرافي والنفطي والغازي بالتنسيق مع قطر) وهو ما تعارضه بشدة أمريكا وروسيا ولا توافقان الا على "ممر ديمغرافي آمن" وتحت المراقبة

تركيا باقية في سوريا وتتمدد ولا تواجه أي معارضة من إيران التي تحتاج بشدة الى شريك إقليمي سنّي يبرر شيعيتها في مناطق تمددها وروسيا لا تمانع بشرط الحفاظ على مدينة حلب مقابل التنازل عن ادلب الإدارية فقط والملفت للنظر ان إيران لا تمانع في اقتسام حلب مع تركيا مع وجود روسي صوري او رمزي وهو ما لا يوافق عليه الروسي ولكنه في النهاية سيخسر حلب إذا ما استمر هذا التفاهم الإيراني التركي العميق وسيستمر مع القبول بوجود رمزي للنظام هناك

أمريكا باقية في سوريا وتتمدد في مناطق النفط والغاز واليورانيوم عبر الحليف الكردي ولا تمانع في بقاء رمزي للنظام في الجزيرة السورية وتحتفظ بجيب لداعش وجيب للقاعدة في البادية السورية لحين انتهاء الترتيبات مع الروس على اليورانيوم والنفط والغاز والإيرانيين والاتراك

روسيا باقية في سوريا وتتمدد في محاولة منها لن تنجح لان تكون الشرطي الذي يشرف على سوريا او الانتداب الموافق عليه أمميا بعد أن شعرت بأن الساحة السورية اعقد مما تصورت وان الحاجة للإيرانيين والأتراك والإسرائيليين مستمرة وان الشروط الأمريكية صعبة للغاية وحيوية وان التوتر الأمني سيستمر وان السلام القسري لن يتحقق

هذا الصراع في سوريا بين الحلفاء وبين (انصاف الحلفاء وانصاف الأعداء) اعقد بكثير من قدرات السوريين الخلاقة (مخترعي الحرب بل الحرف) ومنارة الحضارات الإنسانية كلها وأسباب الارتقاء بالإنسان العالمي من الكهوف الى المدنية !!

وهذا الصراع لا تعني له سوريا أكثر من ساحة صراع محلية وبوابة عبور الى ساحة صراع إقليمية ولذلك لا تمتلك سوريا الكيان واقنعته المتعددة أي تأثير في صناعة المستقبل او صراعات الحاضر الا بمقدار ما يملك (بيدق على رقعة الشطرنج) من قدرة على الحركة بمحض ارادته او حتى على الانتحار !

لا يمكن رؤية مستقبل سوريا والمنطقة والاقليم من خلال تصريحات بوتين او تغريدات ترامب او تهديدات روحاني او أردوغان او سيناريوهات نتنياهو
ولا علاقة مباشرة بين ما يجري في اليمن والجزيرة العربية وما يجري في بلاد الشام تتجاوز الربط الإعلامي السخيف للحدث العربي بالصراع الخبيث بين أمريكا وإيران والصراع المخادع بين إسرائيل وإيران والصراع العبثي بين تركيا وإسرائيل والصراع الغائب بين إيران وتركيا و....
ولا يمكن إعادة كتابة سيناريو المستقبل السوري مرة تلو أخرى على وقع مشهد اعلامي مبتذل على فضائية الجزيرة او رخيص على فضائية الميادين او ....

ومن الواضح ان أحدا لا يعرف ما الذي سيحدث لأن صنّاع الحدث لم يتفقوا على أي شيء نهائي بعد والأكيد ان الدور القطري انحسر لصالح الدور الإيراني وان الدور التركي انكشف وان الدور الإسرائيلي بدأ يتوضح تدريجيا وأن الغياب السعودي عن الحدث السوري واللبناني والعراقي كان حقيقيا وصحيحا بالفعل لأن المعركة الحقيقية السعودية_الايرانية هي في اليمن ولا تخضع لغير العامل الجغرافي ومعزولة عن الحدث الفوضوي في بلاد الشام وان التهديدات التركية للسعودية خارج المجال الجغرافي لا معنى لها وان تركيا تراهن على ايران والاخوان لإسقاط النظام السعودي وزرع الفوضى في الجزيرة العربية وهو الأمر الذي لم توافق عليه امريكا ولا تملك روسيا فيه أي قرار حقيقي

إذا سوريا باقية على قيد الاعتقال الى مدى غير محدد والنهاية قد تكون تقسيم او فيدرالية او استمرارية للدولة التابعة والفاشلة.
10/8/2019

زياد هواش/صافيتا