جيوبنا فارغة ..وبنحب الكبرة بقلم: ابراهيم شواهنة
تاريخ النشر : 2019-08-11
جيوبنا فارغة ..وبنحب الكبرة بقلم: ابراهيم شواهنة


لا يختلف أثنان على أننا نمر بحالة إقتصادية سيئة للغاية ، فعين الشمس يا أيها السيدات والسادة لا تغطى بغربال .
والكل يعرف أننا ندفع ضريبة مواقفنا السياسية ، وعلى الرغم من ذلك نحن لا نرحم أنفسنا .. فكم من أمر يحتاج إلى علاج جذري في حياتنا وفوري حتى لا تتفاقم الهواجس الخاطئة وتسيطر على حياتنا كلها وتتغلغل في أذهاننا . معنا فلوس وممعناش .
نظرية والله حيرتني ، ولم أجد لها تفسيراً ولا تبريراً ..الكل عايش والحياة ماشية مثل اليرة الذهب ، حفلات أعراس وزواجات بالعشرات ، كله (كوم) وحفلات التوجيهي (كوم) ثاني ، فقد دخلت قاموس حياتنا وأصبحت جزء هام في حياتنا ، وإن لم تقم حفلا لأبنك الناجح فأنت (كخه) يعني ما معك مصاري ...!!
ولقلة عقولنا ، وحتى لا يقال علينا بأننا (كخة) نسارع إلى إقامة حفلة تكلفنا الشيىء الفلاني والبعض قد يحضر مطربا مشهوراً ليغني في حفل تخرج ولده من الثانوية العامة .. والمصيبة والطامة الكبرى أنك حين تسأل عن معدل ابنه يقولون لك (اثنان وخمسون وعشر ) .
كيف يستوى هذا الأمر مع بكائنا اليومي على أننا نمر بحالة إقتصادية سيئة وأن جيوب الناس خاوية من المال .
كل تلك الأمور بحاجة إلى تسوية ، وتحديد مواقفنا منها وإلا ستبقى في عقليتنا مخلفة رواسب من الجهل يتوارثها الأبناء عن الأباء .
كل ما تم سرده يندرج تحت مسمى (بنحب الكبرة على خازوق ).
وإذا فعلنا، فهل نجد في المجتمع من يلومنا على فعلتنا؟؟ ، حينها سندرجه تحت مسمى (حاسد وحاقد ) فالحسد معروف لدى الجميع وكلنا نخاف منه ونحسب له ألف حساب .
كيف لا ، ونحن حينما نقابل إناس قلوبهم مليئة بالحسد وعيونهم فارغة إلا من سهام قاتلة تردي الفارس عن فرسه ، وتسقط أكبر عمارة في لحظة حسد ..لا أبالغ أننا جميعا إلا من رحم ربي مريضون
بتلك الآفة التي تعوذ منها ربنا جل وعلى حين قال (ومن شر حاسد إذا حسد) ..
ومن باب الآستطراف ..حين تقابل مردة الحساد ، وتكون في كامل صحتك . وهادىء البال ..لن يتركوك بحالك .
-إلا زلت على قيد الحياة (بعدك عايش ؟؟) وكأن العمر بيده ويستكثر عليك العمر الذي كتبه الله ..
- من أين لك كل هذا المال والجاه ، ربما جمعته من تجارة محرمة أو أنك سطوت على بنك أو أنك تتاجرفي الممنوع ..وينسون نعمة الله وأن العمر مكتوب والرزاق هو الله .
-كم ثمن سيارتك التي تركبها ، قد تفوق المئتي ألف ، وهذا القصر الذي تسكنه .
-كم هي جميلة هذه البنت والفستان الذي ترتديه ، ماذا يعمل والدها أو زوجها أو خطيبها .. وفي المساء ، يموت صاحب العمر الطويل وتغرق كل سفن التاجر العظيم ويمسي على (الحديدة ) وتنقلب بسيارتك وتدخل الفتاة المشفى مصابة بلوثة عقلية أو جلطة ، والأسباب كل الحسد .

أن يقف الإنسان مكانه دون حراك خوفا من حدوث أمر ما هي بحد ذاتها آفة تقتل وتدمر المرء دون أن يشعر ، وهذا ما يحصل تماما مع الكل والذين يعانون (فوبيا الحسد ) . صرنا نخفي كل تحركاتنا وأفعالنا هربا من عيون الحاسدين ونظرات أعينهم التي لا ترحم ونربط كل مصيبة تحل علينا بالحساد والأشرار، فنسارع إلى اتخاذ قرارات غبية تحرمنا لذة الأستمتاع بما وهبنا الله خوفا من خسارة ما نملك بفعل العين أو السحر أو الحسد ، فنرمي فشلنا على كاهل الحاسدين ، نراهم شماعة نعلق عليها خساراتنا ونكباتنا ونلعب دور الضحية وهم الجلادون .
كيف ننكر الحسد وهو موجود والغيرة والكيد واللؤم وغيرها من طباع البشر اللئيمة المريضة ، وليس بوسعنا جزم عدم ثبوت أضرارها ومساوئها على خلق الله أجمعين .

وقصص القرآن التي تحدثت عن مخاطر كيد الإنسان لأخيه المسلم مثل قصة يوسف عليه السلام وإخوته، وقصة قابيل وهابيل حيث قتل الأخ أخاه حسداً وغيرة منه، ونماذج قصصية كثيرة أوردها الله تعالى في كتابه العظيم ليبين لنا خطورة الحسد على النفس البشرية وكيف تدفع هذه الصفة المذمومة صاحبها إلى ارتكاب الحماقات والجرائم استجابةً لوساوس الشيطان وإشباعاً لإلحاح النفس الأمارة بالسوء ،ولكن وعلى صعيد آخر عندما يحذرنا الله من أمرٍ معين يورد لنا الحل والعلاج! فهو الرحيم بعباده الرؤوف بأحوالهم.. "فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" فإسلامنا يحثنا على ضرورة قراءة الرقية الشرعية على أنفسنا وأطفالنا والمواظبة على قراءة أذكار الصباح والمساء وتلاوة سورة البقرة، فعندما نتحصن بآيات الله لن يمسنا السوء ولا الشر ولا الأذى، فلماذا كل هذا الخوف والاضطراب والهلع والرجفة؟

إنَّ من أبشع الأمور التي قد نصادفها ربط كل الأحداث المصيرية في العالم سواء الفردية أو المجتمعية بالحسد والعين والسحر والشعوذة! كل فكرة تسيطر على الإنسان ويخشاها ويتشاءم منها سيجني ثمارها المرة بعد حين، الخوف المتواصل من الحاسدين يجعل الكثير من الناس يخشون إظهار نعم الله عليهم! متناسين قوله تعالى: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ"..

والتفسير الحرفي للآية أنَّ الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحدث بنعم الله، فيشكر الله قولا كما يشكره عملا، فالتحدث بالنعم كأن يقول المسلم: إننا بخير والحمد لله، وعندنا خير كثير، وعندنا نعم كثيرة، نشكر الله على ذلك، لا يقول: نحن ضعفاء، وليس عندنا شيء.. لا، بل يشكر الله ويتحدث بنعمه، ويقر بالخير الذي منحه الله إياه، لا يتحدث بالتقتير كأن يقول: ليس عندنا مال ولا لباس.. ولا كذا ولا كذا لكن يتحدث بنعم الله، ويشكر ربه عز وجل..

والله سبحانه إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى أثرها عليه في ملابسه وفي أكله وفي شربه، فلا يكون في مظهر الفقراء، ولكننا مع الأسف نجالس أشخاصاً طوال الوقت يتذمرون من قلة الحيلة وضعف الإمكانيات المادية أو العملية مع أننا نعلم في أعماقنا أنهم يتفوهون بهذا الكلام درءاً للعين والحسد ليس أكثر! فهذه امرأة تخفي خبر حملها خوفاً من عيون الحاسدات مع أنَّ الحمل بالذات إخفاؤه مستحيل فالبطن المنتفخ الكبير مصيره الظهور للعلن! وتلك امرأة تخفي خبر كتب كتابها حتى لا تصيبها عيون رفيقاتها اللواتي لم يخطبن مع أنها في النهاية ستتزوج وتدعوهن للحفلة......
وهذا رجلٌ يشكو من المصاريف التي لا تنتهي وأنَّ راتبه ينتهي في منتصف الشهر ليلمحه أحد أصدقائه وهو يستجم في فندقٍ بإطلالةٍ على البحر! وواحدة لا تتزوج فتشيع في الخلق أنَّ عيناً أصابتها وسحر أحدهم فتك بها! وتلك تتطلق فتقول إحداهن صنعت لنا سحر تفريق لتبعدني عن زوجي! وأخرى تبكي على الفيس بوك وترجو النساء أن لا يضعن صور أطفالهن على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها وبسبب وضعها صور طفلها الصغير أصابه مرض السرطان، وأمثال هؤلاء الناس لا حصر لهم ولا عد، ولا أنكر أن حالات كثيرة سمعتُ عنها عاشوا المآسي والكوارث بسبب سحر ملعونٍ أو عينٍ شريرة، لكن ما أؤمن به حقاً ما جعل الله من داء إلا وله دواء

أكثر الأشياء وجعاً أن يكذب الإنسان على نفسه! ويدعّي أن كل ما يصيبه هو بفعل العين والحسد، ويضيّع عمره بأكمله وهو سجين مخاوفه وظنونه، يخسر راحة باله وفكره وعقله، الحياة أقصر من أن نقضيها ونحن نخشى من حولنا ونرتعب منهم، الأخذ بالأسباب من قراءة دائمة للقرآن والإكثار من الدعاء بصرف العين والشر والبلاء والصدقات التي تدفع الأذى كلها سلوكيات عظيمة تخفف من قلق الإنسان تجاه الآخرين، وتجعله سعيداً متوكلاً على الله تعالى يستشعر حفظه ورعايته له في خطوات حياته، فمن كان الله معه لن يحزن ولن يصيبه الهم والغم ولن تتمكن منه عيون الحساد ولا سحر الأوغاد، فقد قال ابن المعتز::
اصبرْ على حَسدِ الحَسُودِ..... فإنَّ صَبْرَكَ قاتِلُهُ
فالنّارُ تَأكلُ بَعضَها ......إنْ لم تَجِدْ مَا تَأْكُلُه..