ملخص الدراسة عن وعد بلفور ونشوء المسألة اليهودية للدكتور صالح الشقباوي أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر:
يعتبر وعد بلفور امتدادا للفكر البروتستانتي الذي ولد في أواخر القرن السادس عشر على أيدي مارتن لوثر والذي دعا فيه العالم المسيحي إلى إعادة الاعتبار لليهودية كديانة توحيد يجب على المسيحيين أن يتبعوها ويكملوا الشرع والشريعة والناموس، لذا فقد دعت البروتستانتية إلى إقامة صلواتها باللغة العبرية وإعادة اليهود إلى ارض الميعاد وجعل اليهود شعب الله المختار بعد أن حوربوا واضطهدوا على أيدي الكاثوليك الذين اعتبروهم قتلة المسيح وصالبيه وأنهم يحملون هم وأبنائهم في أعناقهم دماء السيد المسيح جيلا بعد جيل . إن وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين عام 1917 يضاهي مطالبة مارتن لوثر اللاهوتي البروتستانتي بعودة المسيحية إلى اليهودية باعتبار أن المسيح ولد يهوديا . من هنا كان ولادة المسألة اليهودية في الساحة الأوروبية الغربية في أواخر القرن التاسع عشر كرد فعل حاد وقوي على المتغيرات السياسية والاقتصادية والديمغرافية التي ضربت الساحة الأوروبية بعد انتقالها من زمن الإقطاع إلى زمن الرأسمالي وهنا نتساءل لماذا لم تولد المسألة اليهودية إلا في أواخر القرن التاسع عشر علما أن اليهود عاشوا لأكثر من 1400 سنة في أوروبا الإقطاعية ولم يتذكروا أرض ميعادهم علما أن كل الدراسات التي تناولت هذه المسألة أجابت بصوت واحد وقالت أن اليهود كانوا يعيشون في بحبوحة مادية في الزمن الإقطاعي وفي ظلام ديني في الزمن الكاثوليكي وهنا يغلب الطابع المادي على الطابع الديني في تركيبة الهوية الوطنية اليهودية، سؤال آخر يمكن أن نطرحه بإشكالية كبيرة في هذه الدراسة : إذا كانت فلسطين هي ارض الميعاد لليهود أينما كانوا كما تدّعي الإيديولوجية الصهيونية بأن إسرائيل هي دولة كل اليهود في العالم فلماذا لا يعود لها يهود أمريكا الذين يبلغ تعدادهم أكثر من ثماني مليون نسمة وأنهم لا يواجهون موانع وعوائق سياسية ومادية في عودتهم الى أرض الميعاد فلماذا لا يعودون إليها ويتركون أمريكا ؟ الإجابة على هذا السؤال يكمن في كونهم البرجوازية اليهودية التي تمول إسرائيل بالمال والسلاح وهي نواة ليهود الشتات وجامعة لهم في مركزيتها لذا لا تستطيع هذه الطبقة ممارسة العودة وإلغاء دورها الوظيفي المالي في إدارة شؤون الكابيتال اليهودي في "وول ستريت" مدينة نيويورك التي يسمونها David City وهنا نقول أن المسألة اليهودية هي من صنع الرأسمالية اليهودية والرأسمالية المسيحية لكي يتخلصوا من العبء اليهودي في أوروبا الغربية والشرقية لأنها كما قال مؤسس الحركة الصهيونية "ثيودور هرتزل" أن المسألة اليهودية هي مسألة شعب يعيش حياة غير طبيعية وسط شعوب تعيش حياة طبيعية لذا للتخلص من هذا اللاطبيعي يجب إقامة الدولة اليهودية ، علما أن هناك حركة التنوير اليهودي "هسكالا" وتعني العقل أو الاستنارة والتي نشأت في شرق أوروبا عام 1833 وتمثلت في استجابة اليهود الأوروبيين لمتطلبات الوضع الراهن الأوروبي ومحاولة التوافق مع روحه الليبرالية، وانتشرت في أوروبا بفعل تأثير الثقافات الغربية الفرنسية الانجليزية الألمانية وإيديولوجية الاستنارة والتفتح والعقلانية الغربية بعد أن نجح العقل الأوروبي في فتح الطريق لحضارة أوروبية تقوم على العقل بعد أن تم إقصاء الدين وعزل الكنيسة وإعلاء الحركة الإنسانية في أوروبا عامة ومن هنا نجد أن حركة الاستنارة اليهودية قامت على أسس ومثل وقيم من خارج الموروث الديني والفكري اليهودي وكان أهم روادها وقادتها "موسى مندلسون" الذي عمل على تحطيم أسوار العزلة والانغلاق التي أحاطت باليهودية كديانة واليهودي كفرد ومحاولته في تحرير اليهود من عزلتهم كما وأسس مندلسون لفكرة مجاوزة المفاهيم التقليدية اليهودية (شعب مختار، أمة من الكهنة والقديسين، أرض موعودة،والانفتاح على العالم وممارسة الاندماج الكامل مع الشعوب والأوطان التي يعيشون فيها اليهود) كذلك سعى إلى إصلاح اليهودية والتخلي عن فكرها المسيائي وكل أنظمة انتظار الماشيح (المسيح المخلص لليهود) كما وعمل مندلسون على تأويل الدين اليهودي كما يؤول الدين المسيحي ورفض فكرة الخلاص لليهودية،وتعميم فكرة الخلاص لتشمل الإنسانية بعد ولادة العصر الذي يشارك فيه العالم في إحقاق الحق وإقامته في كل مكان، كما وتبنى مندلسون فكرة العودة الروحية التي نادت بها الكنيسة الكاثوليكية إلى فلسطين واعتبرت أن عودتها هي ككنيسة تمت ولذلك لا داعي لعودة ما يسمون أنفسهم بشعب الله المختار .
للدراسة مراجع:1/د. أحمد موسى-العرب واليهود في التاريخ
2/د.إبراهيم أبو لغد-تهويد فلسطين-مركز الأبحاث-بيروت 1972
3/ابراهام ليون-الجوهر المادي للمسألة اليهودية-دار الطليعة بيروت 1970
وعد بلفور ونشوء المسألة اليهودية بقلم:د.صالح الشقباوي
تاريخ النشر : 2019-08-11
