هذا هو الإسلام
فضل يوم عرفة ويوم عيد الأضحى
الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس
غداً يوم عرفة ، التاسع من ذي الحجة ، يوم من أيام الله أظلَّنا وأهلَّ علينا ، فيه يطَّلع الله سبحانه وتعالى على عباده بالقبول والمغفرة ، وفيه تفتح أبواب الرحمة ، قال صلى الله عليه وسلم { ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينـزل الله تعالى إلى سماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول : انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً ضاجِّين ، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يوماً أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة } رواه ابن حبان .
وفيه يُقْبِلُ ضيوف الرحمن ووفده على ربهم إقبالاً منقطع النظير ؛ خاشعين ضارعين إليه يرجون غفرانه وعفوه ورضاه ، متجردين من الدنيا وزينتها يستحضرون يوم البعث ، يوم يُعرضون عليه ويقفون بين يديه للحساب ، فيتجلى عليهم سبحانه بالقبول والإكرام ، ويشهد ملائكته بالغفران لهم ، قال صلى الله عليه وسلم { ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيَقول ما أراد هؤلاء } رواه مسلم ، وفيه يخسأ الشيطان ويذل ، قَال صلى الله عليه وسلم { ما رُئِيَ الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ؛ وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أُرِيَ يوم بدر } رواه مالك .
ويوم عرفة موسم للبر والخير ، والتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحات ونوافل العبادات :
1- فيستحب لغير الحاج صيامه لفضله على سائر أيام السنة فإنه يكفر ذنوب سنتين ، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال { يكفر السنة الماضية والباقية } رواه البخاري ، وقال أيضاً { صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده } رواه مسلم ، فلعلّ الله سبحانه كذلك أن يعصم الصائم من الذنوب والآثام والمعاصي ، ولكن لا يجوز صيام يوم الأضحى وأيام التشريق للحاج وغيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم { أيام التشريق أيام أكل وشرب } رواه مسلم .
2- ومن السُّنَّة الإكثار من الدعاء يوم عرفة والإلحاح بهِ والابتهال والرجاء والتضرع إلى الله تعالى ، فقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده بالإجابة ، قال تعالى { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة 186 ، والدعاء هو مخ العبادة بل هو جوهرها ، قال صلى الله عليه وسلم { ليس شيء أكرم على الله من الدعاء } رواه الترمذي ، وقال أيضاً { خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير } رواه الترمذي ، فلنحرص في هذا اليوم أن نسأل الله من عظيم فضله من خير الدنيا والآخرة ، قال صلى الله عليه وسلم { إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه } رواه مسلم .
3- وقراءة القرآن مناجاة لله تعالى في كل حين فكيف به في يوم عرفة ، فإن الله يجازي عليه بكل حرف عشر حسنات
4- أما الصمت والسكوت عن الدعاء أو عن تلاوة القرآن فليكن للاشتغال بذكر الله ، فإنه أعظم وأعلى أجراً وجزاء من الدعاء ، وبالأخص إذا كان معه خشوع القلب وحضور الفكر ، قال صلى الله عليه وسلم إخباراً عن ربه عز وجل { من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين } رواه الترمذي :
* ففي الذكر تزكية للنفوس وتطهير للقلوب وإيقاظ للضمائر ، فهو لا ينحصر فيما يجري على اللسان ، بل يشمل ما يستحضره القلب من تسبيح وتهليل وتحميد وثناء على الله عز وجل ووصفه تعالى بما هو أهله من صفات الكمال ، قال تعالى { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ } الأعراف 205
* والذكر رأس الأعمال الصالحة ، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي ، فمرني بأمر أتثبت به ، فقال { لا يزال لسانك رطباً بذكر الله عز وجل } رواه أحمد .
* والذكر من ثمرات الانتفاع بالنظر والتدبر في الآيات الكونية ، قال تعالى { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } آل عمران 191 ، فإن الذاكر حين ينفتح لربه جَنانه ويلهج بذكره لسانه يمده الله بنوره فيزداد إيماناً إلى إيمانه ويقيناً إلى يقينه ، فيسكن قلبه للحق ويطمئن به ، قال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } الرعد28 .
وفي يوم عرفة المبارك تستحب المواظبة على الأذكار المأثورة ، ومنها التهليل لقوله صلى الله عليه وسلم { جددوا إيمانكم ، قيل يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا ؟ قال أكثروا من قول لا إله إلا الله } رواه أحمد ، ومنها التسبيح لقوله صلى الله عليه وسلم { كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم } رواه البخاري .
5- وإنها لفرصة ثمينة سانحة للتوبة والاستغفار ، فإن الاستغفار برهان التوحيد والإيمان والتقرب إلى الرحمن ، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال { يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي } رواه الترمذي ، فمن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب ، وها هو رسول الله هود عليه السلام يوجه قومه إلى الاستغفار ، قال تعالى { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } هود 52 .
وبعد يومين يحل علينا يوم النحر ، عيد ومكافأةٌ من الله تعالى لعباده الذين يبتهجون بأداء ركن الإسلام ، ويتقربون فيه إلى ربهم بصلاة العيد ، فلْنحرص على أدائها شكراً لله عز وجل ، ولْنحرص على إخراج الجميع لحضورها إظهاراً لشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام ، وهي سنة مؤكدة واظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان يخرج نساءه وبناته يوم العيد ليشهدن الصلاة . ويستحب للمسلم يوم العيد أن يتطيب ويتجمل ويلبس أجود ما لديه عند الخروج إلى صلاة العيد لقوله تعالى { يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } الأعراف 31 .
وفي العيد يتقرب المؤمن إلى ربه بذبح الأضاحي ؛ رمزاً للتضحية والفداء وتوسعةً على الأهل والفقراء ، ولإدخال السرور إلى قلوب المساكين ، والأضحية هي ما يذبح تقرباً إلى الله تعالى يوم النحر بشروط مخصوصة منها :
* أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم لقوله تعالى { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } الحج 34 .
* ويشترط لها سن معينة ، فيجزىء من الضأن ما أتم ستة أشهر ومن المعز ابن سنة , ومن البقر ابن سنتين , ومن الإبل ابن خمس سنين .
* وتشترط سلامتها من العيوب الفاحشة التي تنقص الشحم أو اللحم لقوله صلى الله عليه وسلم { لا يجوز من الضحايا العَوْراء البيّن عَوَرُها والعرجاء البيّن عَرَجُها والمريضة البيّن مرضها والعجفاء التي لا تُنْقِي } رواه النسائي أي التي لا مخ فيها ويظهر عظمها من الهزال .
* ويبتدئ وقتها بعد الانتهاء من صلاة العيد ، قال تعالى { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ } الكوثر1-3 ، وقال صلى الله عليه وسلم { من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين } رواه البخاري ، ويَنتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة .
* ويستحب لمن يريد التضحية ألا يزيل شيئاً من شعره أو أظفاره أول ذي الحجة حتى الفراغ من ذبحها تشبهاً بالحجاج في إحرامهم ؛ قال صلى الله عليه وسلم { إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره } رواه مسلم .
* ويستحب للمضحي أن يشهد أضحيته ؛ قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها { قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عَمَلْتِهِ وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } رواه البيهقي .
* وللمضحي أن يأكل من أضحيته ويطعم ويدخر , لقوله سبحانه وتعالى { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الحج 36 ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم { إذا ضحى أحدكم فليأكلْ من أضحيته } رواه أحمد .
* وللمضحي أن يتصدق بثلث الأضحية ويتخذ الثلث لأقاربه وأصدقائه ويدخر الثلث , وله أن يهب الفقير والغني ، ولو تصدق بها جميعاً جاز وكان أفضل وأعظم أجراً ، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها { أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مابقي منها؟ قالت ما بقي منها إلا كتفها ، قال بقي كلها غير كتفها } رواه الترمذي ، ولو ادَّخرها جميعاً جاز لأن القربة إلى الله تعالى في الضحية تكون بإراقة الدم .
وفي يوم العيد يتواصل المسلمون ويجتمعون ويلتقون ، فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يتصافحون ويهنئون بعضهم ، فيقول المسلم لأخيه المسلم تقبل الله منا ومنك ، فليهنىء بعضنا بعضاً بالعيد ولنتصافح فيما بيننا ، فبالمصافحة تَتَحاتُّ الخطايا والذنوب كما تتحاتُّ أوراق الخريف ، ولنحرص على صلة الأرحام ، قال صلى الله عليه وسلم { لا يدخل الجنة قاطع رحم } رواه مسلم ، فهذه الصلة تعمق المودة والمحبة في النفوس ، وتقوي الوشائج الاجتماعية بين المسلمين .
فحق علينا زيارة الأقارب والأصدقاء والجيران وأسر الشهداء والأسرى المحررين والأسرى في سجون الاحتلال ، وأن ندخل الفرح إلى قلوب الأطفال .
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعيد هذه الأيام على الأمة بالنصر والعزة والتمكين ، وأن يتقبل الله منكم ومنا الطاعات ، وكل عام وأنتم بخير .
فضل يوم عرفة ويوم عيد الأضحى بقلم:د.تيسير رجب التميمي
تاريخ النشر : 2019-08-10
