بناء الإنسان في مصر بقلم : أحمد سعد السيد
تاريخ النشر : 2019-08-09
ليس سهلًا أن أخوض تجربة الكتابة في موضوع بناء الإنسان في مصر، على الرغم من تروضي في التفكير مرارًا في موضوع لا أعلم كيف يكون المخرج منه ، فقد تكون الكتابات عن الإنسان وبنائه متعددة، ولاتزال أقلام من تمردوا على الثوابت وآثروا الخوض فيها لم تجف حتى اليوم .

أعتقد أن دعوة بناء الإنسان في مصر دعوة غير دقيقة؛ إنها متاجرة وثرثرة فقط؛ لأن الإنسان في مِصر له وجوده وبنيانه، وله جذور عريقة ومُستند على جدار حضاريّ لا ينقض ولا ينقضي .

مأساتنا أننا في كل حقبة حاكم ما نجد بطانته تردد هذه المقولة الكاذبة: " إن كل حاكم يريد أن يبدأ من الصفر " -عادة سياسية فرعونية-
لأنه في حقيقة الأمر لا أحد يريد أن يبدأ من حيث انتهي سابقه، ويمهد للاحقه، لكن بعضهم يتوهمون فيجعلون المتغيرات أكثر من الثوابت، الأمر الذي يهز المنظومة التي ينبغي أن تتسلسل حلقاتها ويفضي بعضها إلى بعض، ما نراه حاليًا أن الهدم أكثر من البناء، ونجد أن البناء باهتٌ ولا شخصية له إطلاقًا .

هذه عملية آلية تفتقد الرؤية والتخطيط لها منذ عشرات السنين، إننا ننظر فقط تحت أقدامنا في حين أننا نحتاج إلى حدس زرقاء اليمامة (الرؤيا عن بعد)؛ لأن أجهزة الاستشعار لدينا ضعيفة .

على هذا فإنه لا تعمير بلا تدمير، لكن أين السبيل إلى التعمير؟...
هدم الذات مأساة، نعم لا تعمير بلا تدمير، لكن أين التعمير حولنا؟ .

والحرية بالمعني الأعظم للحرية ولا نُغلقها علي محورٍ واحد ألا وهو -المحور المُرعب- نظام حكم ما، نحن نفتقد مبدأ (أنا وأنت) وليس ( أنا أم أنت) .

تراكماتٌ كثيرة جدًا لا حدود لها، ولم يتم إعداد الصف الثاني لها، كل الاهتمام بالأول فقط، كل حديث عن الإنسان في مصر هو ثرثرة وفض مجالس لا أكثر .

أود أن أذكركم بحكمة:
( آه لو عَرف الشباب! ... وآه لو قَدّر المشيب!)
نحن نفتقد تواصل الأجيال، إن الموجود حالياً هو صِراع الأجيال، المؤدي إلى وضع المواطن في قبضة حديدية يكاد أن ينفجر منها .

إن مصر اليوم تخوض تحديًا كبيرًا وهو تحويل العنصر البشري والسكاني من عنصر يُشكل عبئًا على التنمية و الاقتصاد إلى عنصر يكون هو الدافع إلى عجلة التنمية، ويكون الوسيلة الرئيسية للعبور نحو الأهداف القومية العاجلة -بعيدة المدى-، في توفير التقدم والرخاء لأبنائنا ودعم مركز مصر الحضاري في عالم يسرع بخطى التقدم، وإذا لم نضع في البناء يدٌ أمينة ومخلصة فإننا لن نحصل على النتائج التي نُخطط لها، ولن تؤتي الأموال التي تنفقها الدولة ثمارها .

من هنا ندرك إن كل الأفكار مُطالبة بأن تُساهم في البناء والتعمير، وكل الأقلام مطالبة بأن تحاول، فبقدر سمو الهدف يكون قدر ضخامة الجهود المتضافرة المطلوبة لتحقيقه من خلال محاولة جادة وصريحة لوضع استراتيجية شاملة تقوم على البحث العلمي لكافة الأبعاد الاجتماعية والثقافية والإدارية والاقتصادية والسياسية بأسلوب يتميز بالدقة والموضوعية و وضوح الرؤية؛ لنحقق ما نصبوا إليه جميعاً .

إن أهم ما ينبغي أن يغرس في نفوس المواطنين في المرحلة الحالية هو تعلم الواجبات وأدائها بنفس القدر الذي يعرفون به حقوقهم فالمسئولية هنا في المقام الأول والأخير مسئوليتهم، ولن ينصلح المجتمع ويصبح قادراً على تحمل عبء التنمية إلا بقضائه على تلك المبالغات التي نعتبرها المسئولة عن الآثار المدمرة في حياتنا، وليست هناك وسيلة أفضل من الممارسة الحقيقية والقدوة الحسنة، وهذا واجب على القيادات السياسية من القمة وحتى القاعدة، كما ينبغي توجيه التعليم بالفعل إلى احتياجات الدولة الحقيقية والتي ترتكز على المهنيين والعمالة الماهرة أكثر منها على حملة الشهادات العليا؛ وذلك بأن يقوم النظام التعليمي على مجموعة من الأسس والأهداف:-
- أولا: بناء الإنسان بطريقة تجعله ناجحاً في كل مناحي حياته الاجتماعية.
- ثانيا: تعظيم حب الانتماء للوطن من الصغر لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية في ضوء ما يتعرض له المجتمع المصري من تحديات متنوعة.
- ثالثا: أن يكون صاحب مهنة ومتخصصًا في مجال معين وقادرًا على ممارستها بإتقان، ولابد من توفير رعاية صحية جيدة تجنبه المشاكل والأزمات الصحية التي تعوق مسيرة حياته الشخصية والعملية، وأيضا الاهتمام بالتوعية الدينية والفكرية السليمة لتحصينه من أي أفكار وأيديولوجيات متطرفة أو إجرامية .

ولابد من إصلاح الإعلام ليكون إعلاماً جيداً متوازناً يقدم نماذج جديدة وقدوة حسنة في جميع المجالات من خلال الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والدراما، فكل هذه الأنشطة الإعلامية - للأسف الشديد - لها تأثير سلبي مباشر في فساد الذوق العام والانفلات والانحلال السلوكي، ففي عصر المعلومات والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لابد أن تكثف من التوعية المجتمعية للاستخدام الأمن والمشروع لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل بحيث نستخدمها ولا نسمح لها باستخدامنا .

إن إعادة بناء الإنسان المصري مسئولية جماعية بين البيت والمدرسة والإعلام فكل راعٍ مسئول عن رعيته .

((كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))
-أى عظم بغضاً عند الله أن تقولوا بألسنتكم ما لا تفعلوه -، الهوة شاسعة بين التصورات والتصديقات، نحن ندمن الكلام فقط، نحن في حاجة إلى تتفيذ وترجمة ما يقال إلى واقع .

إن القضية التي أثيرها هي نزيف لا يتوقف ولا يضمد، ومن أجل ذلك نحن في مصر منذ سنوات نتمدد بالعرض نتطور بالعرض، إننا نمثل قول الشاعر امريء القيس والذي قاله منذ أكثر من ألفي عام:
( قفا نبكِ من ذكري حبيب ومنزل)،
تصوروا وقوفاً وبكاء، نحن نجيد البكاء على أطلالنا دائماً، إما أن نتقهقر بسرعة إلي الوراء أو نقفز بسرعة إلي الأمام، أما في اللحظة الراهنة المتعينة فنهرب منها؛ ولذلك نحن خارج العصر والزمن والتقدم.

_____________________________