ورد بقلم:أريج محمد
تاريخ النشر : 2019-08-07
_ها هو هناك
_عزيزتي اهدئي فقط، الباب مغلقٌ والشمسُ قد غابت مذ فترةٍ طويلة ألا تشتاقين للنوم
نظرةٌ هادئةٌ ممزوجة بالرجاء، كفّي ملتصقٌ بذراعها الأيمن أجرُ قدماي مع حركتها خوفاً من البقاء وحدي، نظرةٌ منها تدلُ على فرطِ التذمرِّ من فتاةٍ لا تجيدُ إلا الاعتراض، وممارسة التدلل بكل أشكاله...
أتراها إن رأت ما أراه أنا ستتركني وحدي!
بخطواتٍ مرتجفة أعود إلى السرير أجرُ ذيل فستاني الوردي، أعبثُ بظفيرة شعري، وأحمل في يدي الأخرى لُعبتي المفضلة اسميتها "ورد" ومن يومها وهي ابنة قلبي، ليست دمية وحسب، أشعر أنني قد تركتُ فيها جزءاً مني، وحدها التي تستمعُ إلى قصصي التي أرويها دون أن تنبسَّ شفتيها البتة أيّ انتقادٍ لاذعٍ أو استهزاء،تطالعني بإهتمام دون أن تتركني أهذي وتغادر، ولا أُخفي عليكم سِراً تشاركني العناقَّ كثيراً حين أختبأ مني بعد عشرة أعوام!
أختبأ أنا... مني... وتضمني دمية!
على أطراف أصابعي أسيرُ بخفة لا أُفكر في تقليدِ راقصات الباليه وإنما ثمةَّ فتاةٌ تكبرني بعشرةِ أعوام لها وجهٌ قاتمٌ مليء بالتعب ويدان ترتجفان طوال الوقت على قميصها الذي يمتلكُ لوناً أُحبه ألفاظاً تدلُ على أن يداً لئيمة قد مسّت طهارة قلبها... أتوارى عن أنظارها خوفاً من أن تحادثني،لا أدري من منا الوهمُ ومن الحقيقة لكن ما أعرفهُ أنها تسكنُ جسماً مصقولاً يحمل انعكاساً لغرفتي كُل شيءٍ مطابقٌ تماماً إلا "ورد" فهي موجودة في يدي فقط، يتملكني فضولٌ غريبٌ تجاهها،أراها تُصفف شعرها صباحاً وتجلسُ على مقعدٍ طرفهُ قد أحترق على يدها اليمنى تَحطُ فراشةٌ وديعة وعلى رأسها عُش حمامةٍ بيضاء تطير قليلاً وتعود كثيراً أتعجب من قدرتها على حملها طوال الوقت في حين أننا بنو البشر نسعى دائماً لأن يحملنا أحد أولسنا نحبُ أن تُمارس الأشياء ذات الآثار الجميلة علينا بدلاً من بذل العناء والتكلفِ لفعلها! كان انعكاس غرفتي من تلك الجهةِ يحملُ صورةً مشابهةً لانعكاس الجنة لم تكن دميتي "ورد" هناك ولكن الورد بذاته قد ترك كل تفاصيلهُ في المكان كنت أشتم عبقهُ دون أن أقترب أُمتعُ نظري به وهو على بعدِ مسافةٍ جيدة، لكن ما كان يثيرُ عقلي كطفلةٍ في العاشرة ذاك الغراب الذي لا يُفارق يدها اليسرى يستوطنها طوال الوقتِ كما لو كان الأمر انتداباً، وجهها من هذه الزاوية يحملُ حزناً عظيماً يكبرني بأعوام وأرى في جيدها نصف سلسلةٍ ثقيلة، ثمّةَ بحرٌ هنا لكنهُ يقطنُ في عينيها، هذا الطرفُ من الغرفةِ رماديٌ بطريقة مريبة لكنهُ هادئ... هادئٌ كما خطواتي للتسلل خارجِ الاطار قبل أن تدير أمي مقبضَ البابِ ويُكشفُ أمري...
أنا هنا وحزني ينامُ جانبي، أحلامي تطيرُ قليلاً ولكنها تعود لتسكن رأسي، خفةُ مضي أيامي يتمثلُ في فراشةٍ تستوطن كفّي وعلى يساري أحملُ أشياء عدة "مخاوفي انكساراتي خيبات ظني وحدتي وصورتي التي أُخبئها دائماً حتى عن أُمي"
مظهري هادئ بينما تهيمُ عيناي بالدمعِ في كل حين، يسكنني البحر والميناء، كرسيَّ المُحترق هو الطريقُ الذي أسير فيه رغماً عني فلقد أُصبت بداء العجز من يومها، أما عن الكلمات التي تُزين قميصي فما هي إلا كلامٌ قد سمعته لم يغادرني فظلَّ هُنا عالقاً بشكلٍ يبعثُ طيفاً من الاسى إلى الناظر، ولكن صورتي ورائهُ مباشرة بطريقةٍ ثابتةٍ تُلغيه، تنفيهِ وتثبت حقيقتي!
لم تنظر إلي تلك الفتاة أبداً لأُريها ما أُخفيه خلف ظهري... جناحين عظيمين بلونٍ أزرق يشبهُ روحي... لم تكن تعلم بأنني أود منها أن تؤمن بنفسها بعد عشرةِ أعوام لأنني وحدي التي تعلم ما الذي سيحلُ بها أولسنا ذاتنا... صورةٌ وانعكاسها!
كنت أود فقط أن أهمس في أُذنها
"في اللحظة التي سيراهن بها الكوكب أجمع على فشلك لا تنسي أنك قادرةٌ على التحليق