ومـا بـالـكـثـرةِ الـعـمـيــاءِ فَــوْزٌ بقلم:د. أحمد جبر
تاريخ النشر : 2019-08-07
ومـا بـالـكـثـرةِ الـعـمـيــاءِ فَــوْزٌ بقلم:د. أحمد جبر


ومـا بـالـكـثـرةِ الـعـمـيــاءِ فَــوْزٌ

د. أحمد جبر

هو شطر بيت من قصيدة نظم كلماتها عبده إسماعيل الطهطاوي في القنبلة الذرية التي حسمت بها الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية عندما ألقت قنابلها الذرية على هيروشيما ونكزاكي اليابانيتين، تلك القنابل التي شكلت بداية عهد جديد مرعب في حسم الصراع ، فقد امتازت الحرب العالمية الثانية عن سابقتها بظهور سلاح جديد، يفوق في بشاعته وقوته التدميرية كل ما توصلت إليه عقول الخبراء والعلماء من أسلحة سابقة له، فهو سلاح يثير الرعب والهلع والإرهاب في كل نواحي العالم، وتعمل الدول على التسابق في امتلاكه وتطويره وإيجاد السبل الأسرع لحمله ولتحقيق أهدافه، كما يبعث شطر البيت هذا صورة المسلمين الأوائل في الذهن وهم يخوضون المعارك غير معتمدين على الكثرة بل على الله عز وجل وعلى قوة إيمانهم به ولذلك فان الله عز وجل قد لقنهم الدرس في حنين عندما قالوا " لا غالب لنا اليوم من قلة ".

وفي الحرب العالمية الثانية تم استخدام هذا السلاح لأول مرة في تاريخ البشرية وتحديدا في الثامن من أغسطس عام 1945 حيث ألقيت قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما ونكزاكي في اليابان أدت إلى قتل مئات الآلاف من البشر، وكان لها الدور الأكبر
في وقف رحى الحرب العالمية الثانية، مما دفع بعض الشعراء العرب إلى التفاعل مع هذا الحدث الجسيم والإقدام على وصف القنبلة الذرية وعرض موقفهم منها، ومن هؤلاء الشعراء محمد الأسمر الذي ساق صورها من خلال مفارقات حملتها قصيدته فهي تارة حمامة سلم وأخرى بيضة طار فرخها الخرافي لينشر الفزع والرعب في النفوس، كما أنها من إنتاج " العم سام" الذي صنعها وفجرها، يقول:

و"ذريـة" أنْ مَـسّـتِ الــطـُودَ قـائــمــاً تــطــايــرَ ذراتٍ
فــلــيــسَ بــقـــائِـــمِ

بها انتهتِ الحربُ الضروسُ فإن يكنْ مـنَ الـسِّـحر شيٌ فهي بعضُ
الطَّلاسم

عـجـبـتُ لـهـا من "بيضةٍ" طارَ فرخُها حـمـامـةً سـلـمٍ وهـوَ شـرُّ
الـقَـشــاعِــم

إذا مـا انـتـمـتْ لـلـعــمِّ ســامٍ فــإِنــهــا لأَقـوى الـخـوافـي
تَـنـتـمـي والـقـوادِم

لـهـا فـي غـدٍ شـأنٌ، فـمـا هـو شـأْنــها وشــأنُ سِــواهــا
قــادمــاً بـعـد قادِم؟!

غـرائـبٌ مـا مـرّتْ عـلـى الـبـالِ مرّةً ولا خَـطـرتْ يــومــاً
بــأَحــلامِ نــائِمِ


كما عرض الشاعر علي محمود طه في قصيدته التي وجهها إلى "أبناء الشرق" للقنبلة الذرية وإشعاعها وبين أنها كانت نتيجة توغل الغرب في العلم، وأن استخدام مثل هذا السلاح في تلك الحرب أدى إلى تدمير المدن البعيدة والمحصنة حيث يقول في
قصيدته داعيا العرب إلى الابتعاد عن الخيال واللجوء إلى النضال ودروب العلم لنيل الحقوق:

دَعوها مُنى واتركوهُ خَيالا فما يَعْرِفُ الحقُّ إلا
النِّضالا

خـطـا الـعـلـمُ فـيـه خُـطى صائدٍ تَـوقَّـى الـمـقـادرُ مـنـهُ
الـحِـبالا

تـوغَّـل فـي مـلـكـوتِ الـشُّـعـاعِ وصـادَ الـكـهـاربَ فـيـه
اغْتيالا

وحَـزَّبـهـا فـهـي فـي بـعـضِـهـا تُـحـطِّـمُ بـعـضـاً وتُـلـقـي
نَـكالا

رَمى "دولةَ الشمسِ" في أَوْجها فـخـرَّتْ سـمـاءً ودُكّـَتْ
جِـبــالا

مـدائـنُ كـانـت وراءَ الـظُّـنـون تَـرى الـنـجـمَ أقـربَ منها
مَنالا

كـأنَّ "سـلـيـمـانَ" أَحْلى القماقمَ أو فَـــكَّ عــنْ جِـنّـهـن
اعْـتـقالا

وأَمْـا إلـيــهــا فــطــاروا بــهــا مَــدى الــلَّـمح ثم تلاشَتْ
خَيالا

أما عبده إسماعيل الطهطاوي فيتحدث عن القنبلة الذرية في قصيدة له بعنوان "بعد القنبلة الذرية" ويبين أنها من نتاج العلم الذي يحظى بأهمية خاص عند الشعوب التي تبغي القوة والمحافظة على وجودها واستقلالها، كما أشار إلى الدور الذي
يلعبه في حسم الحروب وحماية الشعوب، ذاكرا المكانة التي كانت تحظى بها مصر في العلوم وتقدمها، مشيراً إلى القفزات والانتصارات التي حققها الغرب بتبنيه العلم وغزوه الفضاء حيث يقول:

وهذا الغربُ لما باتَ يَرْعى بـنـاتِ الـعلمِ قدْ ملكَ
الزِّماما

وأصـبـحَ شـيـدَ الـدنيا جميعاً وكـانـتْ نـعـلـهُ تَـطَأُ
الأَكاما

وهـذا الـغـربُ يـعـمـلُ فـي خفاءٍ ويُـظْـهر كـلَّ يـومٍ مـا
اسْـتـقـامـا

لـقـد صـارتْ لـه الأفـلاكُ جــنـداً يُــسـيِّـرهـا إذا أَوْرى
الـخِـصـاما

وأصـبـحـتِ الأشعـةُ فـي حـجـاهُ كــعــابــاً قـد تَـعَـشَّـقـهـا
وهـامـا

وتــلــكَ الــذرَّةُ الــكُـبـرى تربَّتْ عـــلـى عـيـنيهِ مـنـذُ
حَـبـا وقاما

لـقـد كـسـبَ الـمـعـاركَ لـمْ يُغَنّي ولـم يـطنـبْ ولـم يـنـطـقْ
بُغاما

ولـكـنَّ الــعــظــائــمَ كُــنَّ قــولاً وتـبـيـانـاً ونــثــراً
بــلْ نِـظـامــا

ومـا بـالـكـثـرةِ الـعـمـيــاءِ فَــوْزٌ ومـا بـالـجـيـشِ نـبلغُ ما
تَسامى

المستشرف لهذه النصوص والمطل عليها بعين الناقد يرى مواقف الشعراء جلية واضحة للعيان فهي بقدر ما تحكي عن القنبلة الذرية وتنعتها بأوصاف شتى إلا أنها في مجملها تحمل في طياتها دعوة للعرب لامتلاك هذا السلاح وتبني العلم طريقا للفوز والتحضر، مشيرين إلى ما وصل اليه الغرب من تقدم وتحرر كان نتاجا للثورة العلمية التي فجرها وتبناها وقد تجاوز مرحلة العصور الوسطى ..عصور الجهل والظلام