صالون نون الأدبي يكشف عن التشكيل السَّردي في رواية الضلع الثالث
تاريخ النشر : 2019-08-07
صالون نون الأدبي يكشف عن التشكيل السَّردي في رواية الضلع الثالث


من فتحية إبراهيم صرصور
صالون نون الأدبي يكشف عن التشكيل السَّردي في رواية الضلع الثالث للكاتب محمد الشيخ علي

عند الخامسة من بعد عصر يوم الثلاثاء الموافق السادس من أغسطس عقد صالون نون الأدبي جلسته في بيت الصحافة، افتتحت الأستاذة فتحية صرصور اللقاء مرحبة بالحضور فقالت:
الحضور الكريم، رواد صالون نون الأدبي، صالوننا المتألق دوما بمبدعيه ورواده المثقفين، أهلا بكم في لقاء تحفه إيمانيات الشهر والحدث والشعيرة، والقلوب تهفو لبقعة مباركة تنفيذا لوعد الله واستجابة منه لدعوة الخليل إبراهيم عليه السلام إذ قال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} إبراهيم: 37
اللهم اكتب لنا ولكم ولكل من يهفو قلبه حجا وعمرة، وبارك لحجاجنا حجهم وتقبله منهم وأعادهم سالمين غانمين بعز وكرامة المسلمين
وبعد... نلتقيكم اليوم وفي ضيافتنا مبدع وناقدة؛ أما المبدع فهو ممن آمن بأن العمل لا يتوقف بتقدم العمر، وأن قضاء العمر فيما ينفع هو من خير الخصال
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
مبدعنا لهذا اليوم وضع على مائدة صالوننا الأدبي أعمالا كثيرة، شعرا ونثر، قصة ورواية، فكان الخيار الأول أن نبدأ بالرواية (رواية الضلع الثالث)
إنه الأستاذ محمد نمر دهمان الشيخ علي، من مواليد ديسمبر 1957م برفح
وإن كان مسقط رأسه في رفح فإنه ينتمي لعمقه وجذره، موئل الآباء والأجداد، إنه من قرية جورة عسقلان
جاب مبدعنا الجامعات وتنقل بين مقاعد الدراسة من الآداب للتربية لإدارة الأعمال
من جمهورية مصر العربية لعمق الوطن وجامعاته العريقة؛ فهو حاصل على ليسانس في الآداب قسم الجغرافيا من جامعة عين شمس عام 1981م
وحاصل على دبلوم التربية الثانوية، من جامعة بيت لحم في العام 1991م
ودبلوم خاص في الجغرافيا من جامعة الأقصى عام 2000م
وماجستير إدارة الأعمال من الجامعة الإسلامية - غزة 2007م
عمل معلما في مدارس وكالة الغوث من العام 1984-1986م
ثم مراقب حسابات يومية ومدير وردية في فنادق الداخل من العام 1986-1993م
ومعلما للمواد الاجتماعية بمدارس وكالة الغوث من العام 1993-2000م
ومشرفا للمواد الاجتماعية في مدارس وكالة الغوث من العام 2000-2008م
ثم مدير منطقة تعليمية في وكالة الغوث من العام 2008-2016م
واختتمها بوظيفة قائم بأعمال رئيس مكتب منطقة رفح في وكالة الغوث من العام 2016-2019م
له العديد من الأنشطة الأدبية، من التأليف للإخراج حيث قام بـــ
- تأليف وإخراج مسرحية (الأحادب) عام1992م والحاصلة على جائزة وزارة الثقافة التشجيعية لعام 1995م، وتم عرضها على مسرح الجلاء ومسرح رشاد الشوا الثقافي في مدينة غزة وعدة مناطق في قطاع غزة، بالإضافة إلى عرضها على مسرح السلام ومسرح صابرين في رفح
- تأليف وإخراج مسرحية (يوميات عنبر) عام 1995م، تم عرضها على مسرح صابرين في رفح، ومسرح كلية العلوم والتكنولوجيا في خانيونس ومسرح جامعة الأزهر
- تأليف وإخراج مسرحية (بأيدينا نغير ونتغير) عام 1999م، تم عرضها على مسرح محمود ابو مذكور في نادي خدمات رفح.
- تأليف وإخراج عدد من المسرحيات القصيرة، مثل (منا وعلينا)، و(مطب صناعي)، بالإضافة لعدد كبير من المسرحيات التربوية التي عرضت في المدارس الإعدادية والثانوية والمخيمات الصيفية في الفترة من 1992-2000م مثل (وطن الحسون)، و(كنز الأجداد)، وغيرهما.
أما إصداراته
فإن العام الحالي 2019م كان حافلا وشهد مولد إصدارات متعددة له وهي:
ديوانه الأول (أشجان حصرية) - ديوانه الثاني (كلمات من تراب)
مجموعة قصصية (أحداس مصورة) والأحدث هي رواية (الضلع الثالث) وجميعها إصدار العام 2019م
نستمع منه محدثا عن بداياته وتجربته مع الكتابة
بدأ حديثه مقدما الشكر لبيت الصحافة الذي يستضيف هذه الجلسات الأدبية، ولصالون نون الأدبي والدكتورة انتصار التي عكفت على الرواية وكتبت قراءتها، ثم الشكر الموصول للحضور المثقف والنوعي في صالون نون الأدبي،
ثم قال: هويت القراءة منذ صغري واطلعت على كثير من كتابات الأدباء والشعراء العرب المشهورين في فترة السبعينات والثمانينات، قرأت معظم مؤلفات العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وثروت أباظة وانيس منصور ومصطفي محمود ومحمد حسنين هيكل والمنفلوطي، ومشاهير الشعراء، محمود درويش، وسميح القاسم وعبد الوهاب الكيالي وبدر شاكر السياب، ونزار قباني ومعظم شعراء العصر الجاهلي والعصر الاسلامي الأموي والعباسي والاندلسي وغيرهم
ومن الفكر العالمي وجهت اهتمامي لدراسة الفلسفة فقرأت لنيتشة الألماني وبربتراند راسل الانجليزي وجان جاك روسو والفكر الاقتصادي والاجتماعي لكتاب يساريين مثل ماركس ونيكتين وانجلز، فلفت نظري أدب الرواية الغربي عامة والإنجليزي خاصة فقرأت عددا كبيرا من الروايات الواقعية والرومانسية ومن أهم الروايات التي تركت انطباعا لديَّ البؤساء، الجريمة والعقاب، القفص الزجاجي وفتاة الخير"charity girl" ولمن تقرع الاجراس، والعجوز والبحر
أما حديثا فأقرأ كل ما يقع تحت يدي من روايات عربية ومترجمة عن لغات مختلفة.
كما نال المسرح المحلي والعالمي قدرا كبيرا من اهتمامي فقرأت معظم مسرحيات شكسبير وموليير الفرنسي وأونيل الأمريكي وغيرهم
وكذلك مبادئ الاخراج المسرحي والنقد الأدبي لجميع فنون الكتابة النثرية والشعرية.
بدأت تجربتي في الكتابة مبكرا فكتبت عدة قصائد في المرحلة الثانوية وكنت القى تشجيعا من معلمي اللغة العربية والزملاء، ثم انقطعت عن الكتابة خلال الدراسة الجامعية بسبب أزمة مهنية نتجت عن التنسيق الاجباري الذي مورس من دائرة شئون الوافدين عام ١٩٧٦ وترشيحي لكلية الآداب رغم أنني كنت قسم علمي ومتوقع الترشح للهندسة كتبت عددا من القصص القصيرة واحتفظت بما كتبت لنفسي ونشرت بعضها على مواقع إلكترونية واحداها في جريدة الحياة الجديدة، حتى قامت الانتفاضة الأولي وكنت حينها عاطل عن العمل وأعمل في الداخل فبدأت أكتب نصوصا مسرحية تعالج الوضع السياسي والاجتماعي للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، لاقت استحسان بعض الفنانين المسرحيين في بداية التسعينيات فقمت بمعية مجموعة من الفنانين بتأسيس جمعية المسرحيين المتحدين عام ١٩٩٢م ومازالت هذه الجمعية تمارس نشاطها الثقافي والاجتماعي تحت مسمى جديد هو جمعية المتحدين الثقافية الاجتماعية.
تم في الفترة من ١٩٩٢ حتى ٢٠٠٠م كتابة وإخراج أكثر من ثمانية أعمال مسرحية للكبار بالإضافة لعدد كبير من المسرحيات التعليمية عرضت في جميع مدن قطاع غزة وجامعاتها ومدارسها، بالإضافة إلى ثلاث مسرحيات كاملة وقد ذكرتها الأستاذة فتحية في التقديم
كان الدافع من وراء التوجه للكتابة والإخراج المسرحي في تلك الفترة هو الحرص على وصول الكلمة والأفكار الوطنية الحرة إلى الجمهور الذي لا يهوى القراءة، وهذه معضلة كل الكتاب العرب فحتى هذه اللحظة يتواجد الكاتب العربي ويحاول أن يسهم في المشهد الثقافي لكن ضعف تواجد وفعالية القارئ العربي في المشهد الثقافي يحد من دور الكلمة المطبوعة
وأضاف: بعد الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠ توليت منصب مشرف للدراسات الاجتماعية في مدارس وكالة الغوث ثم مديرا لمنطقة الشمال التعليمية ثم رفح ثم رئيسا لمكتب وكالة الغوث في منطقة رفح وقد كان نتيجة عملي في مناصب إشرافية وإدارية عالية هو الانقطاع عن الكتابة خاصة النثرية منها سواء المسرح او القصة، لكن الشعر ظل له حضوره لأنه نتاج حالة عاطفية تتدفق عنوة على السطور دون استئذان من وقت أو نوم أو وظيفة، فكتبت في الفترة من ٢٠١١ حتى ٢٠١٩ مجموعة من النصوص الشعرية جمعتها مؤخرا في ديوانين صدرا عن دار الكلمة هما "أشجان حصرية" و"كلمات من تراب" بالإضافة لمجموعة أقاصيص وقصص قصيرة بعنوان "أحداس مصورة" وأخيراً رواية "الضلع الثالث" موضوع العرض النقدي للدكتورة انتصار أبو شاويش في لقاء اليوم .

بعد أن أنهى عرض حكايته مع الكتابة قالت الأستاذة فتحية: ذاك هو المبدع أما الناقدة فهي الدكتورة انتصار علي أبو شاويش، دكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة عين شمس عام 2014م
من أعمالها:
* كتاب خصائص الأسلوب في سورة البقرة.
* عدة أبحاث محكمة منشورة في مجلات مصرية وعربية.
* عدة دراسات نقدية منشورة على صفحات الإنترنت
* بحث بعنوان (إشكاليات التأويل العلمي في القرآن الكريم) مقدم لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة/ الجزائر ديسمبر 2018م .
* كتاب اتجاهات تأويل القرآن الكريم في للخطاب الديني الحديث (تحت الطباعة).
- اجتازت العديد من الدورات في القيادة والإدارة والإشراف التربوي، وحقوق الإنسان.
- نفذت العشرات من الدورات وورشات العمل الخاصة بتدريس اللغة العربية وتدريب المديرين.
- شاركت في العديد من الأيام الدراسية بأوراق عمل، وكعضو لجنة تحكيم.
- شاركت في تحكيم مسابقات الشعر في مؤسسة بناة الغد بخانيونس
السيرة المهنية: عملت معلمة لغة عربية ثم مديرة مساعدة وموجهة لغة عربية لمدة 13عام.
تعمل حاليا منسقة في وحدة ضمان جودة التعليم المدرسي في وكالة الغوث الدولية.

وجاءتنا اليوم بقراءة تحمل عنوان التشكيل السَّردي في رواية الضلع الثالث للكاتب محمد الشيخ علي فلنستمع لها

بدأت الدكتورة إنتصار مداخلتها، مقدمة الشكر لبيت الصحافة ومتذكرة مركز عبد الله حوراني حيث كان يعقد صالون نون الأدبي جلساته به قبل أن يتعرض للتدمير في الحرب الأخيرة، ثم وجهت الشكر لصالون نون ممثلا بالأختين: الأستاذة فتحية صرصور والدكتورة مي نايف ثم عرضت قراءتها المعنونة بالتشكيل السَّردي في رواية الضلع الثالث للكاتب محمد الشيخ علي فقالت: تنفتح رواية الضلع الثالث على دهاليز الذاكرة الجمعية، وتلافيف الوعي الفلسطيني حيث الحياة في مخيمات اللجوء بكل تفاصيلها، همومها وأحزانها، عاداتها وتقاليدها، بساطتها وتعقيداتها، وهي من إصدارات دار الكلمة للعام 2019م، وتقع في 308 صفحات من الحجم المتوسط، مقسمة إلى(32) قسمًا، كل قسم يحمل عنوانًا يشي بمضمونه، وترتبط هذه الأقسام مع بعضها برباط فكري وشعوري متين، وهي الرواية الأولى للكاتب محمد الشيخ علي حيث تبدأ بحادثة اختطاف مؤلمة للشابة(سامية) خطيبة المهندس(زهير) من مخيم رفح، وتصل بها سيارة الاختطاف إلى الداخل الفلسطيني، حيث بطل الرواية صايل الذي تشير له أصابع الاتهام لتدبير تلك الجريمة النكراء، ولكنه يُطمئن سامية ووالدها، وينفي علاقته بحادثة الاختطاف، وخوفًا من ملاحقة الشرطة، اضطر أن يصطحبها للمبيت في مدينة القدس، فكانت تلك الفترة الزمنية التي امتدت لمدة يوم وليلة تجربة غنية للتعرَّف على صايل، وزيارة أماكن مختلفة في القدس والداخل الفلسطيني. وقد اتكأت الرواية على الشخصيات الرئيسة الأربع ذات التوجهات المختلفة( زهير الجبهاوي، وطارق السلفي، وصايل الفتحاوي، وسامية) وهذه الشخصيات تُعد نموذجًا للمجتمع الفلسطيني بتنظيماته المتصارعة في تلك الحقبة الزمنية(من سنة 1977 إلى اندلاع الانتفاضة الأولى 19987م) حيث سجن الشباب الثلاثة وتعرضوا للتعذيب، ومع ذلك لم يسلموا من الاتهامات والتشكيك في وطنيتهم، وتنتهي الرواية بخروج صايل من قطاع غزة، وعودته إلى سيناء حيث يعيش والده وإخوته بعد انفصال سيناء عن قطاع غزة إثر معاهدة السلام، وقبول سامية للسلسال المقدسي الذي رفضته من صايل أثناء فترة الاختطاف من قبل.
دلالة العنوان:
إن عنوان الرواية مفتاح دلالي أساسي في فض مغاليق النصوص، وهي عتبة نصية مهمة تثير الدهشة والإثارة لدى المتلقي، وتفتح شهية القارئ لإكمال القراءة، حيث (الضلع الثالث) يشي بأن هذا الجزء يكمل البناء الهندسي للرواية، وبدونه لا تكتمل الرؤيا، ولا تكتمل عناصر المجتمع الفلسطيني بتشكلاته المتعددة، وهذا يدفعنا إلى القول بأن صورة الغلاف تؤكد هذا التباين والتعاضد، فرغم الاختلاف الشكلي في الأيديولوجيات فإن فلسطين تجمعهم، وحب الأقصى يؤلف قلوبهم.
المكان:
يُعد المكان من أهم مكونات النص السردي، فهو المحرك للقصة ومسرح الأحداث والفضاء الذي تدور فيه، حيث تمركزت الرواية في مدينة رفح ومخيماتها، وبالأخص في قرية (البيرة) التي جعلها الكاتب رمزًا ونموذجًا لكل قرى فلسطين المهجرة، ويتسع مسرح الأحداث ليشمل بعض أماكن الداخل الفلسطيني، وكذلك بعض السجون الإسرائيلية، ورغم ذلك إلا أن فلسطين كلها حاضرة بقوة في النص الروائي

الشخصيات:
تُعد الشخصيات من أهم أركان العمل السردي، فهي تنجز دورًا أو وظيفة في البناء الروائي، وتتحرك ضمن الفضاء الزماني والمكاني، وهي- كما يرى د.عبد الملك مرتاض- قادرة على ما لا يقدر عليه عنصر آخر في تسير الأحداث، وأي شخصية مهما ابتعدت عن الواقع ما هي إلا عينة منه، ويمكن تقسيمها من حيث ارتباطها بالأحداث إلى شخصيات مسطحة أو نامية، أو شخصيات رئيسة أو ثانوية،
فالشخصيات الرئيسة في الرواية هي: صايل(الصوالة)/ سامية/ زهير/ طارق،
أما الشخصيات الثانوية: الحاج عبد العزيز / الحاج زكي/ أم زهير/ أبو صايل/ ضاهر، سارة/ اركيعة وهو نموذج للعميل الذي كان ينشر الشائعات ويشوش على المناضلين ويعتدي على الشرفاء، وتبدو العلاقة بين الشخصيات متناغمة رغم ظاهرها المتوتر أحيانًا، فهي شخصيات تتكرر في المجتمع الفلسطيني باختلافاتهم الأيديولوجية وصراعاتهم الطبقية، ورغم انهماك كل شخصية في عالمها الخاص الذي لا تستطيع الخلاص منه، فإن الكاتب لا يحاول التدخل في مصيرها أو توجيهها، وتُعد هذه الرواية متماسكة درامياً ومترابطة من حيث أدوار الشخصيات.
1- صايل: وهو على درجة عالية من الذكاء الاجتماعي، ومثقف واسع الاطلاع، منفتح على الثقافات المختلفة، ويتقن عدة لغات، والغريب في الأمر أنه رغم انقطاعه عن الدراسة في وقت مبكر من العمر إلا أنه حضر أثناء عمله في الداخل المحتل كثيرًا من الندوات، والدورات التدريبية في السياسة والفنون والآداب والموسيقى واللغات، ويشارك بفاعلية في حركة السلام الآن واليسار الإسرائيلي، وكان يعقد عددًا من المناظرات حول الصراع العربي الإسرائيلي، وشخصيته متطورة نامية خلال الرواية حيث تحول إلى مناضل شريف ينتمي لحركة فتح بعد أن كانت تحوم حوله شبهات العمالة، وله قدرة على استشراف المستقبل حيث تنبأ بقيام ثورة شعبية في الأراضي المحتلة، وقد جعله الكاتب الضلع الأقوى والأبرز من حيث الفاعلية في منطقة رفح، ولكن لا ندري إلى أي مدى يمكن للشباب الفلسطيني العامل في الداخل أن ينخرط في المجتمع الإسرائيلي بالشكل الذي يسمح له حضور الندوات والمناظرات السياسية؟
2- زهير: مناضل يؤمن بأفكار الجبهة الشعبية، أفكاره ماركسية تحررية، ترك عمله كمهندس في السعودية والتحق بصفوف المناضلين في لبنان، ثم أصيب واعتقل في السجون الإسرائيلية، وشخصيته مسطحة لم تتغير على امتداد الرواية.
3- طارق: الطالب الجامعي الذي ترك دراسته في لبنان بسبب مضايقة الاحتلال له، ودرس الشريعة الإسلامية بالجامعات السعودية، وتغيرت أفكاره إلى أقصى اليمين، وتطورت شخصيته حيث التطرف الإسلامي وندائه بأن الإسلام هو الحل.
4- سامية: الفتاة النبيلة التي تنافس على خطبتها الشبان الثلاثة، تطورت شخصيتها على امتداد الرواية، حيث أصبحت واعية وقادرة على المشاركة في كثير من الأنشطة الثقافية والوطنية في مجتمعها.
وقد حرص الكاتب على إبراز صورة المرأة الفلسطينية ودورها المشرّف في المواقف الصعبة، حيث وقفت معلمة سامية في المرحلة الثانوية وأشادت بأخلاقها وعفتها أمام جميع الرجال المتواجدين في جاهة الصلح بين صايل وعمه عبد العزيز بعد حادثة اختطاف سامية. ص67.
لغة السرد في الرواية:
لغة الرواية هي الدال الملفوظ للسياق الروائي، وبقدر ما تمتلك هذه اللغة طاقات تعبيرية في السياق يكون العمل الروائي متماسكًا ومترابطًا، وكلما تنوعت السياقات وتعددت الأصوات وتباينت الثقافات، تتنوع مستويات التعبير اللغوي، وتتفاوت طاقاته التعبيرية، الأمر الذي يدفع العمل الروائي لمحاكاة الواقع، وبالتالي تصبح الرواية صياغة جمالية للواقع.
وبالعودة إلى رواية الضلع الثالث نجد أن لغة الشخوص متساوقة مع مستواها الثقافي والاجتماعي وسياق الحدث، وجاءت لغة السرد في كثير من الأحيان تناسب المستوى النفسي للشخصيات، وقد يهبط الكاتب أحيانًا بلغته السردية إلى اللغة المحكية على لسان بعض شخصياتها، ويتمثل صوتها، ويسرد ما بداخلها. يقول في لحظات الاختطاف على لسان سامية وصايل:
- لا تقلقي يا بنت عم.
- عمى يعميك أنت وأصحابك الهمل، روّحني فورا... ص17
وأحيانًا يلجأ السارد لبعض الجمل أو المفردات من اللغة العبرية التي قد لا يفهمها كثير من القراء بدون ترجمتها، يقول:(غنفو ليخا إت ها أوتوا، كيف؟ وإمتى؟ بلغتوا الشرطة؟..) ص70، وهي تعني سرقوا سيارتك، ويقول: افشار تعودات زهوي بفاكشاه؟ يعني ممكن أرى هويتك. ص49
وقد يتداخل صوت السارد بصوت بعض الشخصيات وتتقلص بينهما المسافات فلا نكاد نميز بينهما، كقوله:(هل عليها أن تشعر بالامتنان لصايل لأنه أتاح لها أن تطل على عالم لم تكن تتصور في يوم من الأيام أنه موجود...إنه لم يفعل بها أي سوء، وكان شهمًا جدًا معها، لا أعرف ما هو هدفه من كل ما فعل! هل صحيح يريد أن يثبت لي أنه شريف ووطني كما قال؟ يا لسخافته..). ص53.
وأحيانًا تظهر لغة السارد كما يراها هو لا كما تدور في خلد الأشخاص، حيث نسمع صوت الكاتب بين السطور، يقول على لسان صايل: (معركتنا معهم يجب أن تكون في الميدان الصحيح، لقد هزمونا بسبب التأييد المطلق لهم من قبل أوروبا وأمريكا، يجب أن نهزمهم هناك، وأول خطوة هي وصول روايتنا إليهم، ثم عمل مصالحة تاريخية مع الغرب، بعد أن نتخلص من رواسب القرون الوسطى، والحروب الصليبية والصراعات الدينية القديمة، ثم محاصرة إسرائيل أخلاقيًا عندما نثبت مسئوليتها عن الجرائم التي ارتكبت بحقنا، حينها ستقف معنا الشعوب وتضغط على الحكومات للحد من مساعدتهم ضدنا، بل ربما يصل الحد إلى مقاطعتهم، عندها لن يستطيعوا الصمود...) ص135-136.
إن الكاتب قادر على تلوين لغة السرد بما يتساوق مع الأحداث، والمواقف، والنواحي النفسية، ولغته الفنية قادرة على جذب المتلقي بسلاستها، وعذوبتها، وبساطة تراكيبها، ويمكنها أن تنفذ إلى أغوار روحه، وكثيرًا ما تسمو لغة السرد إلى اللغة الفصحى الشائعة بين المثقفين، وتغدو ذات صبغة خاصة وتضفي الحيوية والحركة على مجريات الأحداث، وتضيء الجوانب المعتمة أو المسكوت عنها في النص.
الصراع:
يبرز الصراع في الرواية عادة على أكثر من مستوى، وبالتالي تختلف مداخل التعبير والإيحاء به حيث تشترك فيه اللغة والحوار والمكان والزمان وغيرها من مكونات النص الروائي، وقد استمدت رواية الضلع الثالث مادتها من الحياة الاجتماعية والسياسية في فترة السبعينات والثمانينات في مخيمات اللجوء، وحياة الصيادين على شاطئ بحر رفح، وحياة العمال في الداخل المحتل، ومن خلال تفاعل الكاتب مع شرائح المجتمع المختلفة تشكلت رؤيته الفكرية والأيديولوجية لكل هذا الواقع، وما يهيمن عليه من صراعات واختلافات وتناقضات، ومن هنا فإن الرواية تتبلور حول فكرتين هما:
1- الصراع مع الآخر الإسرائيلي وذلك لتحرير الأرض ونيل الحقوق المسلوبة.
2- الصراع مع الذات الفلسطينية، حيث صراع الأيديولوجيات والأفكار التحررية المختلفة أحيانًا، والمتشابهة أحيانًا أخري.
والكاتب يمزج بينها مزجًا غريباً بحيث تصبح مقاومة الاحتلال مرتبطة بصراعات فكرية أيديولوجية لكل فصيل سياسي على أرض الواقع، وهذه الصراعات قد لا تظهر أحيانًا بشكل صريح، وإنما تبدو متوارية خلف أفعال الشخصيات وحواراتها وأقوالها
الرواية في مجملها واقعية تتغلغل في المجتمع الفلسطيني وحياة الصيادين واللاجئين والعمال وسعيهم المتواصل في سبيل لقمة العيش، وتناقضات الحياة في المخيم، ونظرة الشك والاتهام بالعمالة التي تسود بين أفراد المجتمع الفلسطيني في تلك الحقبة من تاريخهم النضالي، حيث الانفتاح على المجتمع الإسرائيلي سواء بالعمل في الداخل، أو التعامل مع المستوطنين في أسواق القطاع، أو تهريب المخدرات والذهب عبر الحدود المصرية
وقد ركزت الرواية على بعض الاختلافات الفكرية، فهذا صايل الذي يسجن أكثر من مرة على خلفية انتمائه لتنظيم فتح، ورغم مساعدته للعائلات الفقيرة، وبعض الطلبة وتحمله تكاليف دراستهم الجامعية، ومع ذلك ظلت نظرة الشك والاتهام تلاحقه، حتى وجد نفسه يُستثنى من انتخابات المركز الذي أسسه وحرص على نشر ثقافة الديمقراطية في إدارته.
ومن التعقيدات الأمنية في الرواية قول الحاج عبد العزيز لصايل عن المركز الرياضي الذي أسسه لخدمة الشباب في مدينة رفح: (الناس يقولون إن هذا المركز مدعوم من المخابرات الإسرائيلية، وأنهم يزعمون أنه يقوم هو ومجموعة من العملاء بتجنيد الشباب لصالح الاحتلال) ص80.
وقد انتقل هذا الصراع إلى غرف السجون المغلقة حيث اتُّهم صايل بالتجسس على السجناء، وحاول زهير تصفيته داخل السجن بعد أن أخذ الإذن من قيادة تنظيمه، يقول السارد: (أبلغ زهير لجنة قيادة غرفته بأنه وقع في يده صيد ثمين، فحصل على إذن بتصفية العميل الشهير صايل مطارنة) ص201، وكذلك دبت نزاعات تنظيمية بين الشباب في بعض الأندية الرياضية، ولم يكن الصراع في السجن أقل هوادة.
ويبدو أن ظاهرة الخلافات الفكرية والصراعات الأيديولوجية كانت منتشرة بين العائلات الفلسطينية قبل النكبة، وربما كانت تلك الخلافات في رأي الحاج عبد العزيز هي سبب النكبة، يقول: (إيه يا صايل ما ضيع البلاد غير كثرة منازعاتنا بين بعض، كنا مقسومين لعائلات كل عائلة تخوّن الأخرى، وبعدين صار للعرب دول، كل دولة بتخوّن الثانية، واحنا الفلسطينيين صرنا تنظيمات كل تنظيم بيخوّن الثاني) ص137.
تقنيات السرد:
اعتمد الكاتب في صياغته الفنية للرواية على عدة تقنيات كالحوار الداخلي، الحوار الخارجي، الاسترجاع، السرد بضمير الغائب، والوصف، وذلك للتعبير عن مواقف الشخصيات واستنطاق وجهات نظرها.
1-الحوار الداخلي:
يرى الكاتب الفرنسي (ادور دو جاردن) أنّ أسلوب الحوار الداخلي خطاب غير مسموع وغير منطوق تعبر به شخصية ما عن أفكارها القريبة من اللاوعي، وبالتالي فهو لا يخضع لعمل المنطق, وكأن أفكاره لم تتم صياغتها بعد، وهو ينقل أفكار الشخصية نقلاً أمينًا، وكأنه يُبنى على البوح النفسي بآلام الذات، ويكشف معالم الشخصية ورؤيتها للعالم، وخريطتها الجوّانية، وهذا الحوار قد يسهم في الكشف عن تطور الأحداث في نسيج النص, وقد يُسهم في خلق دلالات تثري النص، وفي رواية الضلع الثالث نجد هذا الحوار قد يطول ليعبر عن الصراع الداخلي والتمزق النفسي، كما حدث مع سامية وهي تتذكر ما فعله صايل أثناء الاختطاف:( دعاني إلى أكثر من مطعم وهو يرجوني أن آكل أي شيء، عاملني كأميرة وخالجني شعور من حين لآخر أنه أمير يقوم بدور العبد، وأحيانًا البهلوان، عزف على البيانو مقطوعة موسيقية عربية شجية ولم يكترث بالأغراب الموجودين في المكان، كان هدفه أن يسعدني فقد حدثني عن كل المعالم المعمارية والأثرية التي تنطق بعروبة فلسطين...لا لا لو كان منافقًا لحدثني عن الدين وتصنع الطهارة والصلاح وتظاهر بالصلاة..). ص53، وهكذا استطاع السارد أن يقول عن الشخصية ما لا يُقال وأن يُري القارئ منها ما لا يرى.
2-الحوار الخارجي:
يعدُّ الحوار الخارجي محركًا أساسيًا لأدوار الشخصيات، فبدل أن يكون السارد هو المحرك الأول لمكونات النص، تكون الشخصية هي الناطقة عن نفسها وآلامها وطموحها وقلقها، وتكمن جمالية الحوار الخارجي في عدم ظهور السارد واختفائه وراء الشخصيات وإفساح المجال للشخصيات للبروز والحركة بحرية، ورسم ملامحها الداخلية والخارجية، وهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمستويات الاتصال بين الشخصيات، إذ تتبادل الشخصيات وتتعاقب على الإرسال، وهو يضفي على النص الروائي الحركة والحيوية والتجدد، ويبعده عن الرتابة والجمود، يقول السارد في حوار سريع بين زهير والحاج عبد العزيز:
(- أنا ما بعتذر لحدا، وما غلطت في حدا.
-لا يا عم، اتهامك لسامية إنها بتحب صايل اتهام باطل وأساء له ولنا.
- سبحان الله الصوالة صار اسمه صايل ويحترم! وأنا انضرب على وجهي وأنذل! عن إذنكم).
وقد تتعرض الرواية لحوار الثقافات والسلام بين الشعوب حيث يقول الكاتب في حوار سريع بين موظفة المطعم وصايل:
- لي الكثير من الأصدقاء العرب، نستطيع أن نبني معًا وطنا فريدًا، ليتكم تهتموا بالتعليم حتى نستطيع أن نتفاهم.
-ليتكم تهتموا بالعدالة حتى نبني أملاً ونصنع سلاماً. ص30
وما يلفت النظر في رواية الضلع الثالث أن الحوار الخارجي قصير وسريع، على خلاف الحوار الداخلي الذي يطول ويتحول أحيانًا إلى مناجاة النفس، أو يمتد ليسترجع أحداثًا ماضية.
3-الاسترجاع:
وهو من تقنيات السرد الظاهرة في الرواية، حيث يستحضر الكاتب أحداثًا أو أقوالاً من الماضي، ويسيطر عليها الفعل الماضي، وبذلك يتوقف تقدم الحكاية من أجل تقديم شيء سابق زمنيًا، وهو عدة أنواع: منها ما يعود إلى ما قبل بداية الرواية ويسمى الاسترجاع الخارجي، ومنه الاسترجاع الداخلي الذي يعود إلى ماضٍ لاحق لبداية الرواية حيث تأخر تقديمه في النص، وهناك الاسترجاع المزجي الذي يجمع بين النوعين السابقين. ومن أمثلة الاسترجاع الخارجي ما يجتاح نفس صايل من هموم وأحزان وصراع نفسي بعد أن استعرض كل جهوده وإنجازاته، وتعجبه من نفسه لأنه لا يشعر بالفخر ولا بالرضى عن كل تلك الإنجازات! حيث قفز إلى رأسه سؤال وألح عليه بالإجابة: (ما الذي ينقصك الآن؟ يرن سريعًا في داخله: ينقصك الاعتراف، الاعتراف! أجل، فقد عملت سنوات طويلة في الداخل تخدم شعبًا غير شعبك، وترد جميلاً لمن ليس لهم عليك جميل، من مدَّ لك يده عندما سحبتك موجة وأنقذتك من الغرق وأنت ابن الخمس سنوات؟ من عالجك عندما كنت طفلاً؟ هل تذكر معلم الصف الأول الذي استقبلك في المدرسة باسمًا وأعطاك علبة ألوان لتكتشف بها كم هي الحياة جميلة؟..هل... هل) ص76- ص78
4-السرد بضمير الغائب:
وهو يُظهر الكاتب بصفته الخبير بدواخل الأشخاص النفسية ومصائرها، أو هو -كما يرى د. عبد الملك مرتاض- وسيلة مهمة صالحة لكي يتوارى خلفها السارد، فيمرر ما يريد من أفكار، وأيديولوجيا، وتعليمات، وتوجيهات، وآراء دون أن يبدو تدخلاً صارخًا أو مباشرًا، وكذلك تجعله يعرف عن شخصياته وأحداث روايته كل شيء، وبالتالي تتيح للكاتب قدرًا من الموضوعية بدلاً من الانزلاق في فخ (الأنا) وهذا يحمل القارئ على التصديق بما سمعه من الكاتب، وما نقله له من أحداث ومجريات، يقول: (عاد أبو زكي إلى البيت والأفكار تتلاطم في ذهنه كأمواج البحر الهائج، لماذا لا يتزوج؟ ليس عليه مسئوليات وهو يعاني من الوحدة والضجر بعد غياب طارق، وأحيانًا يبيت جوعانًا ولا يغسل ملابسه ولا الأطباق....طاردته ذكريات البلاد طيلة الثلاثين سنة الماضية، ولم تدعه يفكر في صناعة غيرها، شعر بأنه أسير الماضي وذكرياته الحزينة) ص165.
5-الوصف:
الوصف تقنية تقوم على إبطاء الحدث حيث يبدو السرد قد توقف عن التنامي، ليقوم السارد بتقديم مزيد من التفاصيل، وقد حدد عالم السرديات الفرنسي (جيرار جنيت) وظيفتين للوصف في الرواية: الأولى جمالية، الثانية: توضيحية أو تفسيرية، وفي راوية الضلع الثالث نجد الكاتب قد يسهب أحيانًا في الوصف المبني أحيانًا على الجمل القصيرة ليرسم ملامح الشخصية، ويضفي جمالاً على الصياغة الفنية، يقول في وصف سامية: (رشيقة القوام، تمشي باعتزاز أميرة، وتواضع راهب، تضع على رأسها منديلاً سماويًا، وتلبس بلوزة قطنية بيضاء تنسدل فوق تنورة مشجرة بالأزرق والقرميدي على أرضية بيضاء تكشف عن كاحلين مستديرين في حذاء جلدي أسود يضم قدمين متزنتين) ص7-8
وهكذا، رغم أنّ الرواية تحمل بعدًا اجتماعية وسياسيًا قد تناوله الكثيرون، لكن الكاتب أظهرها في قالب روائي جذّاب، وأسلوب ممتع، ومعاني عميقة، وتراكيب جميلة، حيث عمد إلى تكثيف الأفكار لتصب في عمقها الدلالي، وترَك للقارئ فسحةً واسعة للتخيّل والتحليل والاستيعاب.

بعد أن أنهت الدكتورة انتصار عرض ورقتها، تحدثت الأستاذة فتحية عن الأعمال التي تصنع حراكا أدبيا فتنتج قراءة على القراءة مستذكرة قراءتها على قراءة الأستاذ المصري الكبير أحمد فضل شبلول قبل ما يقرب من عشر سنوات، واليوم تحدث رواية الضلع الثالث حراكا لدى الشاعرة هدى النواجحة فتسلب عينيها النوم لتكتب قصيدة في مضامين الرواية منشدة الوحدة التي نرجوها جميعا
ألقت الأستاذة هدى قصيدتها:
مُدَّ اليدين محبة وتعاضدا والله ينصرنا بخير طباع
هذا فؤادي بالشجون يثيرني وتنيب عني أحرفي ويراعي
لن أرتجيكَ وأنتَ تسكبُ في دمي كأس الفراقِ وسقمة َالأوجاع
أمسك عليك السيفَ حتفي ظاهر أدميتَ مني القلبَ في الأضلاِع
يا صاحبي أنتَ الأُخيُّ بغربتي نحن افترشنا الهمَّ في الأصقاعِ
مدَّ اليدين وخذ يديَّ ذخيرة ارحم شتاتي قد مللتُ ضياعي
الجوُّ والأفقُ المنمقُ خانني طاوٍ بيأسي قد فقدتُ قلاعيْ
ما عادَ فيروز البحار يُعُيرُني بالاً لأني قد صبغتُ مَتاعيْ
حتى القريبُ رمى دثاري عامداً في الريح تعوي تستبيحُ ضياعي
يُلقي الرفيقُ عُرى المشانقِ حوّلنا أمرٌ يحيّرُ كلَّ عقل ٍ واعِ
يا أمتي فكِّي الجمودَ توحدي ولتبعثي حرَّا يفك نزاعي
(تاشفين) أدركنا بكل سفينة نحو النجاة نعوم دون شراع
ماذا جنينا من تشردم ِأمتي غيَّرَ امتهان النسل ِفي الإرضاع ِ
ضاعت بلادي والعدو مغامرٌ يقوى ونحن الغثُ قي الأوضاع
صحنا صلاحَ الدين أدركْ خيلنا البؤس مدركنا وفينا الساعي
يا طالبَ المجد الرفيع بخيبةٍ لا تطلب الأمجادَ دون دواعي
انهض بفكرك وانبذ الشر الذي قد صار فينا فاتكٌ وأفاعي
وافتح بصدرك للأخيِّ وضمَّه هذا الحبيبُ مُعاضديْ وذراعي
نحنُ الفضا والنسر فينا واحد قرّبْ إليَّ وألّق ِ كلَّ قناع
إنَّا نقاوم في العدا وسلاحنا بعد العزيمةِ همَّة المقلاع
ومصيرنا ذات المصير بموطن يأبى الخنوع بعزم كل شجاع
فَلِمَ التفرق والعدو مفرِّق نمضي كمثل الموكب المتداعي
نادِ الدنا ..بشَّر أماني أمتي يا قدسُ عهد اً نحن رهن الداعي
بعدها فتحت الأستاذة فتحية الباب لمداخلات الحضور وكانت المداخلة الأولى من الأديب غريب عسقلاني فقال: أبارك هذا اللقاء، وأشكر الدكتورة إنتصار، لقد أخذنا فكرة عن الرواية من خلال القراءة التي استمعنا لها، فهي قراءة ضافية تستند على أسس أكاديمية واضحة
ثم قال: الرواية لم تخرج عن القضية الفلسطينية، وإن كانت بداية الرواية الفلسطينية تتماشى مع الرواية العربية شكلا ومضمونا، لأن فن الرواية كان حديثا علة الوطن العربي ورواية زينب لهيكل والتي اعتبرت أول رواية، لم يسمها هيكل رواية، إنما كتب (مشاهد وأحداث ريفية)، لأن الأمر في الصحافة متروك للصحافيين (الجورنلجيين) وليس للكتاب
لم تبلغ الرواية العربية شأوا لتصل لمصاف الرواية الفرنسية والإنجليزية
مذكرات دجاجة لإسحق موسى الحسيني والتي صدرت عام 1944م، ونشرت في صحيفة اقرأ، كانت ترمز إلى قضية طرد الفلسطينيين، عندما طُرد الدجاج من القن، وقد كتب طه حسين عنها
ثم قال: الكاتب يعكس آراءه في الفصائل السياسية الموجودة على الساحة وأنطقها كما أراد، فللكاتب حرية أن يزيح آراءه إلى حيث يريد، خاصة ما رأيناه في صايل إذ كانت استجابة الضد عند الفتاة وأهلها والمجتمع قاطعا
فهل المجتمع هو من يقود الثورة، أم أن الثورة تقود المجتمع، لازال الاختلاف في وجهات النظر خاصة في ثورتنا الممتدة عبر مائة عام، والعالم يتقدم بالمعلومات والعلوم والجينات والجغرافيا
اختتم مداخلته بالقول: هذا رأي بنيته على ما سمعته، قد يكون لي رأي آخر بعد قراءة الرواية.

المداخلة الثانية كانت من الأستاذة فلورندا مصلح، بعد أن شكرت الكاتب والدكتورة قالت لدي سؤالان للكاتب وسؤال للدكتورة، أما سؤالي الكاتب فهما:
الأول: لماذا جعلت شخصية زهير اليساري مسطحة رغم أن اليساري معروف بالحركة والتطور، فهل هذا انعكاس لأيديولوجية الكاتب وليس للواقع الذي يعيشه الشعب؟
الآخر: هل ممكن لهذه الرواية أن تكون جزء من ثلاثي، لقد توقفت أحداث الرواية عند الانتفاضة الثانية، فهل ستستكمل؟
أما السؤال الموجه للدكتورة فهو: ألا ترين أن الكاتب تأثر بلغة القرآن من سرد والتفات؟

ثم مداخلة من الأستاذ محمد تيم قال فيها: لماذا لم تشير الدكتورة لمواضع أخفق فيها الكاتب، فلم تذكر إلا الإيجابيات رغم أن كل عمل فيه ما فيه من الإيجابيات والسلبيات
ثم تساءل ما سر الأرقام في عناوين الروايات فمن حرب الكلب الثالثة للصفعة الثانية واليوم الضلع الثالث، فهل من دلالة لذلك؟
وقال: أربعين من أعمال نجيب محفوظ تحولت لأفلام سينمائية، فهل بالإمكان تحويل هذه الرواية لفيلما سينمائيا
ثم اختتم بقوله: ما رؤيتك لمستقبلنا في العام 2020؟ هل لنا خروج من المأزق؟

ثم كانت مداخلات من كل من السيد أحمد المشهراوي والسيد ذياب زقوت تحدثوا فيها عن الجانب المأساوي في الرواية، وأكد السيد زقوت على أن رفح جزء من فلسطين ولم تكن يوما مصرية

بعد ذلك تولى الشيخ علي الرد وبدأ بالإعراب عن شكره وسعادته بمن قرأ الرواية ومن تقدم باستفسار
ثم قال: قضية الوعي الفردي وعلاقته بالإنجاز الجمعي للمجتمع هذه قضية أصبحت لانهائية
في الرواية صرحت بأنني أضع نموذجين؛ أحدهما فردي استطاع أن يفرض نفسه في ثقافات مختلفة فدفع الضريبة تشويش من الغوغاء الذين أخذوا بالشبهات، لكنهم جميعا لم يصمدوا وهو من صمد
وعن رفح قال: رفح تشتمل على أحياء بأسماء الدن الفلسطينية (يبنة – بشيت – برقة وغيرها) لم أشأ
أن أذكر أي من هذه الأحياء كي لا أقع في الحرج، لذا سميت القرية البيرة، واسم البيرة موجود في أكثر من موقع في فلسطين، وأشرت إلى أنهم عندما أنشأوا حي تل السلطان للتوطين، كل الحياء انتقلت إليه إلا أهالي حي البيرة، فنجد الضابط الصهيوني يسأل المختار: لماذا أهالي حي البيرة يرفضون الانتقال للعيش في تل السلطان؟
حاولت أن أقرب بين فئات المجتمع لصقل شخصية عربية تكون بعيدة عن التشكيك

وردا على الاستفسار عن شخصية زهير قال: لم تكن شخصية مسطحة، فهو إنسان شاعر لديه توجه؛ لقد احتفل في مصر بالنصر، واحتفل أكثر مع الرفاق بالسلاح السوفيتي، وعندما خرج للسعودية لم يستطع التأقلم
وقال: المرحلة من العام 77 - 87 هي مرحلة خطيرة من اتفاقات واجتماعات وصولا للاتفاقية
كانت بعض الشخصيات المنبوذة يقال لهم المختار ليتمكن الشخص من الحصول على تصريح عمل في الداخل
وعن إمكانية استكمال الرواية في ثلاثية قال: أردت أن تكون ممتدة للعام 2000 فوجدت أن الرواية ستصل لألف صفحة فاكتفيت بتناول العشر سنين لمناقشة فسيفساء الشعب الفلسطيني

وعن المأساوية قال: لم أذكر قضية قتل واحدة، فالجميع يستمع للأخبار من القنوات الإخبارية، لكنه يأتي للرواية ليعرف انعكاسات هذه الأحداث وتلك الأخبار

عن سؤال تيم بعنوان يشتمل على رقم قال: الضبع الثالث يكمل الشكل، وفيه رمزية تراثية وعلمية
وعن تحويل الرواية لعمل درامي قال هذا ليس من اختصاصي، لكن لو تم تحويلها فسيكون أمر جيد
ثم قال: لابد أن نعطي ارهاصات للمستقبل وتكون لنا رؤية مستقبلية في أعمالنا

بعد ذلك قالت الأستاذة فتحية بذا انتهى لقاء اليوم، ويبقى صالون نون ممتدا ثقافة وأدبا معلنة عن لقاء منتصف شهر أغسطس بإذن الله تعالى