فريدمان يعيد إنتاج بلفور بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2019-08-05
فريدمان يعيد إنتاج بلفور بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة

فريدمان يعيد إنتاج بلفور
عمر حلمي الغول

ونحن نتتبع الخط البياني للمواقف والتصريحات السياسية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وعملية السلام الصادرة عن أركان إدارة الرئيس دونالد ترامب منذ توليها الحكم مطلع عام 2017، نلاحظ انها دفعتها بشكل منهجي ومدروس إلى دوامة الإلتباس والغموض المتعمد وصولا لبلوغ ترويض العقل السياسي الفلسطيني لما تريد الوصول له. فهي رفضت تبني خيار الدولة الواحدة، وفي نفس الوقت رفضت خيار الدولتين، ولم تحدد ماهية خيارها ورؤيتها للحل، وألقت بخبث ودهاء الحمل على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للإتفاق على صيغة ما، رغم انها تعلم، أن إئتلاف نتنياهو المتطرف لم يعد معنيا بالسلام من اصله. وتعرف موقف الرئيس محمود عباس، الذي أكده للرئيس الأميركي تجاه هذا الموضوع، وكرره على مسامعه وفي المنابر الأممية الف مرة، وعنوانه التمسك بمبادرة السلام العربية، ومرجعيات السلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، التي بلغ عددها ما يزيد عن 720 قرارا من الجمعية العامة، و86 قرارا من مجلس الأمن الدولي، وهو ما يشيرإلى ان الموقف الفلسطيني متمسك بخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.

لكن إدارة الأفنجليكان الصهاينة أدارت الظهر للقرارات الأممية كلها، ولعملية السلام برمتها، وسعت عن سابق تصميم وإصرار عبر ما تطلق عليه صفقة القرن بالتماهي مع الرؤية الإستراتيجية الصهيونية، التي تتنكر للحقوق والمصالح الفلسطينية، وفي احسن الأحوال، كما اعلن السفير الأميركي، ديفيد فريدمان في مقابلته مع قناة CNN يوم الثلاثاء الموافق 30 تموز / يوليو 2019 الماضي، بأن "الحكم الذاتي المدني" هو ما تؤمن به إدارته، لإن إستخدام مفهوم "الدولة" يثير الإرباك، ولا يخدم العملية السياسية؟!

وكان ذات السفير اليهودي الصهيوني الحريديمي قال في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية يوم السبت الموافق 8 حزيران / يونيو 2019، اي قبل شهرين تقريبا، انه وإدارته "يؤيدون ضم إسرائيل أراض من الضفة الفلسطينية." وكأن الأرض الفلسطينية والعربية مشاع للإدارة الأميركية ودولة الإستعمار الإسرائيلية، يحق لهم "تقسيمها" و"توزيعها" كيفنا يشاؤون،أو كأنها أرض خالية، بلا شعب، أو كأن اصحاب الأرض ليسوا ذات شأن من وجهة نظرهم الإستعمارية العنصرية؟!

وإذا عدنا للخلف في التاريخ، وتذكرنا جيدا ما تضمنه وعد بلفور المشؤوم، الصادر في الثاني من تشرين الثاني / نوفمبر 1917، نجد انه منح وعدا لمن لا يستحق بإقامة "وطن لليهود" في فلسطين، ولم يكن آنذاك عددهم يتجاوز ال8% من مجموع السكان الفلسطينيين، وهم جزء من الشعب الفلسطيني، ووعد "الأقليات الأخرى"، ويقصد بها الشعب العربي الفلسطيني بحقوق مدنية ودينية، لكنه لم يدون كلمة واحدة عن الحقوق السياسية والقانونية لإصحاب الأرض الأصليين. لإن الخيار الإستعماري يعمل وفق خطة مدروسة لإنشاء دولة الإستعمار الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية. ولهذا نظموا الهجرات لليهود الصهانية بشكل مكثف إلى فلسطين من أصقاع العالم، مستفيدين من محرقة هتلر النازية ضد اليهود، وتم الألتفاف على مصالح وحقوق وثورات وإنتفاضات الشعب الفلسطيني مستفيدين من الأمراء والحكام العرب، الذين تساوقوا مع المشروع الإستعماري الغربي لحسابات ضيقة وخاصة.

ومن خلال تعقب دهاليز السياسة الغربية والشرقية والعربية والإسرائيلية لوحظ التالي: أولا غياب الإرادة الدولية والعربية لإقامة الدولة الفلسطينية؛ ثانيا دفع الفلسطينيين للهجرة والترانسفير من وطنهم الأم فلسطين، ومن دول الشتات لتقليص عدد اللاجئين إلى الحد الأقصى، وهذا ما نادت، وتنادي به حكومة نتنياهو وإدارة ترامب؛ ثالثا تصفية وشطب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين؛ رابعا الإتفاق الضمني فيما بين كل القوى ذات الصلة، ورغم القرارات الدولية الصريحة والواضحة بمنح الفلسطينيين حق الإستقلال السياسي في دولة سيدة وحرة، لا يتجاوز الحكم المحلي للفلسطينيين، وهو ما عبر عنه فريدمان وإدارته، وهو ما يمكن ان تقبل به الدولة الإسرائيلية الإستعمارية. وبالنتيجة لم يأت فريدمان بجديد، انما أكد ما حمله الوعد البلفوري المشؤوم.

مع ذلك يمكن الجزم من خلال القراءة الموضوعية لا الرغبوية والإسقاطية، رغم ان الوعد مر، لكنه أجج الصراع، ولم يحله. فإن صفقة ترامب لن تمر مهما كلف الأمر من تضحيات، ولا الحكم الذاتي الهزيل سيمر، الذي نادى به فريدمان، وإسرائيل ستنسحب من أراضي دولة فلسطين بالمفاوضات، أو بدونها، لإنه لا مستقبل لها دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة.

[email protected]

[email protected]