الهوية الثقافية بين فعالية البناء المعرفي والحصار المؤسلب بقلم:د. الغزيوي أبو علي-د.بن المدني ليلة
تاريخ النشر : 2019-08-05
الهوية الثقافية بين فعالية البناء المعرفي والحصار المؤسلب

مما لاشك فيه أن لكل بلد هويته الثقافية ومن الواجب المحافظة عليها لأنها تبرز المعالم التاريخية والدينية والثقافية وهي بمثابة ركائز قوية لكل شعب، من خلالها نتعرف على الحضارات السالفة والموجودة حاليا. إذن ما مفهوم الهوية الثقافية

لتوضيح مفهوم الهوية الثقافية سنتناول المفاهيم التالية:

مفهوم الهوية:

الهوية هي كل ما يشخص الذات ويميزها فالهوية في الأساس تعني التفرد،وهي السمة الجوهرية العامة لثقافة من الثقافات، والهوية ليست منظومة جاهزة ونهائية، وإنما هي مشروع مفتوح على المستقبل أي أنها مشروع متشابك مع الواقع والتاريخ.

وهناك تأويل لمعنى الهويةكتصور تاريخي وديناميكي للهوية،حيث يرى النقاد أن الهوية شيء يتم اكتسابه وتعديله باستمرار وليس أبدا ما عليه (مفهوم) ثابت أي أن مفهوم الهوية قابل للتحول والتطور، وذلك لأن تاريخ أي شعب هو تاريخ متجدد ومليء بالأحداث والتجارب فالهوية الأصلية، تتغير باستمرار وتكتسب سمات جديدة وهذا يعني أن الهوية شيء ديناميكي.

كما أنها تتحول مع الزمن فهي ديناميكية وهي ترتبط بالأثر تتركه الحضارة عبر التاريخ ويمكن النظر إلى الهوية في صورتها الديناميكية على أنها مجموعة من المقررات الجماعية التي يتبناها مجتمع ما في زمن محدد للتعبير عن القيم الجوهرية (العقائدية) والاجتماعية والجمالية والاقتصادية.

الثقافة: لها مفاهيم متعددة أبرزها: 

- الثقافة بالمعنى التقليدي تعني عملية الإنتاج الأدبي والفكري والفني.

- الثقافة اليوم اتسع معناها فأخذت تشمل مجموعة النشاطات والمشروعات والقيام المشتركة التي تكون الأساس للرغبة في الحياة المشتركة لدى شعب معين والتي ينبثق منها تراث مشترك من الصلات المادية والروحية.

- الثقافة والحضارة: هذان المفهومان يكادان يندمجان مع يعضهما بعد أن اتسع معنى الثقافة وغدت (أصبحت) الحضارة هي الثقافة بالمعنى الواسع للكلمة أو أن الحضارة هي نتاج الثقافة وأصبح كلا اللفظين يضمان القيم وأنماط التفكير في مجتمع ما وهناك بعض العناصر:

المميزة للثقافة:

- الثقافة بوصفها انتماء يعبر عن التراث والهوية.

-الثقافة بوصفها تواصلا من خلال نقل أنماط العلاقات والمعاني والخبرات بين الأجيال.

الهوية الثقافية: كيان يصير ويتطور وليس معطى جاهز ونهائي فهي تصير وتتطور إما في اتجاه الانطواء والانكماش أو في اتجاه الانتشار وهي تغتني بتجارب أعللها ومعاناتهم انتصاراتهم وتطلعاتهم وأيضا باحتكاكها سواء سلب أو إيجاب مع الهويات الثقافية الأخرى.

الهوية الثقافية

يشتق الجدر اللغوي لكلمة ثقافة من الفعل الثلاثي "ثقف" أو "ثقف" بمعنى حذق أو مهر أو فطن (أو فطن) أي صار حاذقا ماهرا فهو "ثقف" أو "ثقفا، "وثقافة) وثقف الشيء أقام المعوج منه وسواه، ثقف الإنسان أدبه وهذبه وعلمه، ويرتبط الفعل "ثقف" بدلالات ومعان أخرى قد تضيء فهمنا لهذه الدلالة الرئيسية، ومن ذلك ارتباطه بإدراك الشخص أو الشيء أو إصابته والظفر به، أو صقله وتسوية، ولقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى "ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقثيلا) [سورة الأحزاب، الآية: 61] وقوله "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" (سورة البقرة، الآية 191 وسورة النساء، الآية 91]والجدر اللغوي يحلي كلمة ثقافة باعتبارها مفهوما انتربولوجيا واجتماعيا مأخوذا عن اللغات الأجنبية ونقل إلى العربية بعد أن لم يكون موجودا أصلا إذ تذكر المصادر أ، أول من استعمل كلمة ثقافة هو العلامة عبد الرحمن بن خلدون، ويعني بها المعرفة المدنية المكتسبة من خلال نمط العيش العمراني المستقر يقول ابن خلدون "وإذا ألفوا العيش والدعة ... لم تعد تفرق بينهم مع العامة من الناس إلا بالثقافة والستارة ...".

المعنى الأنتربولوجي: لكلمة ثقافة هو كل جهد معرفي يقوم به الإنسان فكريا أو حسيا من أجل السيطرة على الطبيعة الجامدة وتسخيرها من هنا انطلق عنان علماء الاجتماع انتروبولوجيا لتعميق المفهوم والتوسع فيه وتعميقه.

وحسب علم الاجتماع: هو تعريف اصطلاحي يشير إلى طريقة الحياة التي تتمكن جماعة بشرية من تأسيسها لتكون مقبولة من جميع أفراد الجماعة، وملائمة لهم كمجموع، وهي طريقة تتضمن أساليب الإدارة وآلياتها، ونمط التفكير، العيش بما يتضمنه من مسكن ومآكل ومشرب ومن علاقات وأنظمة سلوك تأسس التواصل بين الأفراد وبين الجماعة.

فالهوية: هي مفهوم ثقافي تاريخي يتكون لدى الفرد من خلال ثقافته في مجمل التعريفات التي نتناوله، فهو مفهوم ثقافي تاريخي يتكون لدى الفرد من خلال ثقافته التي يعيش فيها، فدور الثقافة والأخلاق والسيكولوجيا السائدة في كل مجتمع هو تكريس هوية خاصة، كل تكوين ثقافي من خلال عملية تمثل وجودي ووجداني تفرضه طبيعة الثقافية يكتسبه المرء بتقفه بثقافة وأخلاق وبسيكولوجيا معينة نتيجة انتمائه لأمة معينة، لكن هذا الانتماء يحتاج على الدوام التكون النفسي مع عملية اندماج تاريخي وثقافي ونفسي واقتصادي.

تعرف مجموعة من الدول الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي نموا كبيرا، جعلها تبحث عن مصادر وأسواق جديدة يجعل حدودها الاقتصادية يمتد إلى الربط مجموعة من العلاقات مع الدول النامية لكن الجدل الذي يفرض نفسه وبقوة هو أن هذه الدول المتطورة على جميع المستويات الفكرية والثقافية والعلمية دخلت في هوية الدول الأخرى إلا أنها حافظت على هويتها الثقافية الخاصة وأن العولمة لن تقتصر فقط على البعد المالي والاقتصادي بل تعدت ذلك إلى بعد حيوي ثقافي متمثل في مجموع التقاليد والمعتقدات والقيم كما أن العولمة لا تعترف بالحدود الجغرافية لأي بلد بل جعلت من العالم قرية صغيرة.

* فهل تلقى الهوية الثقافية للدول الأخرى الاحترام اللائق من الدول الرأسمالية التي لا يهمها إلا الزيادة في الرأسمال والربح؟

* وما مظاهر وآليات عولمة الثقافة؟

* وهل لقيت هذه المظاهر قبول من طرف الدول النامية؟

تحديد مفهوم الثقافة وهوية الثقافة:

1) تحديد مفهوم الثقافة:

إن مفهوم الثقافة من المفاهيم التي لم تقتصر على عريف واحد وموحد بل أعطيت لها تعاريف متعددة كان أبرزها ذلك الذي عرفها على أنها جميع السمات الروحية والفكرية والفرعية والمادية والعاطفية التي تميز جماعة عن أخرى، وفي شموليتها فهي طريق الحياة والتفكير والتقاليد والمعتقدات والنون والآداب والقيم والبعد التاريخي باعتباره عامل جوهري في مفهوم الثقافة. وليس هناك ثقافة واحدة وإنما تسود أنواع وأشكال ثقافية منها ما يميل إلى الانغلاق والانعزال، ومنها م يسعى إلى الانفتاح والانتشار.

2) مفهوم الهوية الثقافية

إن مفهوم الهوية الثقافية يأتي من جهتين، الأولى خارجية بدأت مع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن العولمة، وتعدد تعريفاتها على مستوى كل المجالات المعروفة وما تمثله العولمة من محاولة لتنظيم أو إعداد نظام عالمي جديد بكل ما يترتب عليه من هذا النظام من سلبيات تطول في معظمها بلدان العالم الثالث. أما الجهة الثانية التي تأتي منها أهمية موضوع الهوية، فهي داخلية وتتمثل في ندرة المقاربات العلمية والموضوعية بهذا الموضوع خاصة في دول العالم الثالث، إضافة لما يعرفه البعض من نقاش في العالم العربي عندما يضع مفهوم الهوية في تناقض مع الحداثة فتصبح الهوية عندهم المرادف للولاء القبلي، وكل ما من شأنه أن يوقف عجلة الحداثة التي نمت في أشد الحاجة إليها كي نفيق من كبوتنا ونلصق بركب التقدم.

لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها جماع الوطن والأمة والدولة، الوطن بوصفه الأرض، والأمة بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة، وكل مس بواحدة من هذه هو مس بالهوية والوطن، والإنسان.

علاقة العولمة بالهوية الثقافية

قبل الدخول في شرح علاقة العولمة بالهوية الثقافية لابد من سرد خصائص كل منهما. إن أبرز خصوصية تنفرد بها العولمة كونها تسعى إلى خلق نظام عالمي موحد لا يقبل الخصوصيات ولا التميزات فهي مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي، بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص قد تكون في مجملها معاكسة لخصائص العولمة لكونها تذهب إلى التفرد والتعدد والاختلاف، عكس العولمة التي تنادي إلى الوحدة ويمكن أن نرجع الهوية الثقافية إلى ثلاث نماذج من الهويات الثقافية: هوية فردية داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب، تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي ثم هناك هوية جماعية تدافع الخصوصيات المكونة للجماعة، وأخيرا هناك هوية قومية أو وطنية، تفتخر بعناصرها الحضارية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى، وانطلاقا من هذه الخصائص يمكن تحديد العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية في التنافر والتصادم والصراعات، إذ تسعى العولمة إلى خلق وحدة ومنظومة متكاملة، في حين تدافع الهوية عن التنوع والتعدد، كما يعد العولمة تهدف إلى القضاء على حدود الخصوصيات المختلفة، بينما الهوية تسعى إلى الاعتراف بعالم الاختلافات وترفض الذوبان، وباختصار فالعولمة تبحث عن العام والتفاعل، بينما الهوية هي انتقال من العام إلى الخاص ومن الشامل إلى المعدود.

خصائص كل من العولمة والهوية الثقافية:

تسعى العولمة إلى خلق نظام عالمي نموذجي ووحد لا يقبل التمايزات ولا الخصوصيات، مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي، بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص التفرد والتعدد والاختلاف، فهناك ثلاث نماذج من الهويات الثقافية: هوية فردية تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي.

وسائل وأدوات انتشار العولمة في المجال الثقافي

- وسائل الاتصال والإعلام: تتجلى في القنوات التلفزيونية والفضائية وشبكة الانترنيت والجرائد والصحف والمجلات والأقراص المدمجة والهاتف ...

- وسائل الفنية: الموسيقى والمسرح والسينما والرسوم المتحركة ...

- الأدوات اللغوية: تتمثل في استعمال اللغة الفرنسية والإنجليزية ولغات أخرى في التواصل والإعلام والتربية والتعليم والعمل والأماكن العمومية والخاصة فاللغة حاملة للثقافة والحضارة.

تأثير العولمة على ثقافات المجتمع:

- التأثير اللغوي: استعمال اللغة الفرنسية والإنجليزية في الإدارة والاقتصاد والاتصال وفي المقررات الدراسية وفي التواصل النوعي بين الفئات الاجتماعية في البيت والشارع.

- التأثير الخلقي: يتجلى في انتشار سلوكات العنف والجنس في وسائل الإعلام والسينما والانترنيت بشكل إباحي يتناقض مع الحشمة والعفة التي لا تزال تتشبث بها المجتمعات المحافظة.

- التأثير القيمي: تتزايد محاولات نشر القيم واحدة على صعيد العالمي في الموسيقى والملبس والمأكل، والمسكن والماكدونالدز، والعلاقات الأسرية المتبعة نحو طغيان الفردانية وكذا طغيان ثقافة الاستهلاك الرأسمالي الذي يتواصل في تجدده وتنوع علاقاته.

بعض ردود الفعل تجاه العولمة الثقافة: 

تتشكلفي العالم العربي صورة تنوع فسيفسائي فهو يضم مجموعة من الثقافات واللغات والأعراق المتعددة والمتنوعة غير أن ثمة قيم ومثل عليا تتوحد حولها هذه الأمم والشعوب لتشكل بالنسبة لها إرثا مشتركا ينبغي حمايته والدفاع عنه.

لقد أصبحت جهود البلدان اليوم تتجه نحو خلق تنمية مستدامة لضمان جميع الشعوب حياة آمنة في جو من الأخوة والانسجام، وذلك من خلال استغلال توجيه التنوع الثقافي لصالح جهود التنمية ومحاربة الفقر والأوبئة التي تحتاج مناطق عديدة من العالم. إن التنوع داخل المجتمع الواحد يمكن أن يستغل كحافز للتنمية وللاستقرار إذا ما كرست الجهود الحكومية غير الحكومية لذلك، وهو ما يمكن أن يحدث عن طريق خلق برنامج وأنشطة مهتمة بهذا المجال العام العربي والإسلامي أصبح ينظر إلى العولمة على أساليب أنها أداة للهيمنة والغطرسة وسيطرة القوي على الضعيف وابتلاع السريع للبطيء، وليس الانكماش والانطواء على الذات هو الوقاية من العولمة بل يمكن التعامل مع العولمة على أنها تطورها ما دل في التقنيات ووسائل المعرفة وأن التطور ليس موجه ضدنا بالضرورة وإنما هو لصالحنا إن استخدمناه الاستخدام السليم الذي يمكننا من الحفاظ على هويتنا الثقافية فيما ظل تعاطي إجابي مع العالم والمستجدات الدولية في هذا المجال.

خاتمة:

إن الدول النامية والتي تعتبر الدول العربية والإسلامية، واحدة منها، لا يمكنها أن تمنع العولمة الثقافية من الانتشار، لأنها ظاهرة واقعية تفرض نفسها بحكم النفوذ السياسي والضغط الاقتصادي والتغلغل المعلوماتي والإعلامي التي يمارسها النظام العالمي الجديد، لكن لا نستطيع أن نتحكم في الآثار السلبية لهذه العولمة، إذ بذلك جهودا مضاعفة للخروج من مرحلة إلى مرحلة التقدم في المجالات كلها وليس فحسب في مجال واحد نظرا للترابط بين عناصر التنمية الشاملة ومكوناتها.

آليات ومظاهر عولمة الثقافة:

لعل أبرز ما يجسد تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى هو الانتشار الواسع والكبير لشركة "كوكاكولا" ولمطاعم "الهامبرغر" و"الماكدونالدز"، هذه الأخيرة التي تعتبر واحدة من أكبر المطاعم التجارية الأمريكية وهي رمز الإمبريالية الرأسمالية الأمريكية والتي ظهرت لأول مرة في ولاية كاليفورنيا سنة 1940 على يد الأخوين ديك ومورس لكن الانطلاق الحقيقي لهذه الشركة كان على يد روي كروك الذي اشترى المطاعم الصغيرة لماكدونالدز من الأخوين وسجل الشركة كعلامة تجارية صاعدة،ويعتبر عام 1955 هو الانطلاق الرسمي لهذه الشركة حيث بلغ عدد فروعها في الولايات في القرن 20 فرع تم توسعت إلى 500، كما نجد كذلك وسائل الإعلام والاتصال التي ساهمت بشكل كبير في انتشار العولمة في المجال الثقافي وتتجلى هذه المساهمة في القنوات والتيليفزيونية .................. التي بواسطتها يتم بث أفلام ومسلسلات وموسيقى تمثل سلوكيات العنف والجنس بشكل إيباحي يتناقض مع الحشمة والعفة في المجتمعات العربية المحافظة.

وأيضا اللغات الأجنبية خاصة الفرنسية والإنجليزية ساهمت بدورها في نشر عولمة الثقافة حيث أصبحت هذه اللغات مهيمنة في التواصل اليومي بين فئات المجتمع في البيت والشارع والإدارات وغيرها. بالإضافة إلى طغيان ثقافة الاستهلاك الذي يتواصل في تنوعه وإغراءاته.

موقف علي حرب من الهوية الثقافية في كتابه "حديث النهايات".

حيث تناول المفكر علي حرب في كتابه الثري حديث النهايات أبعاد مهمة تشكل حجر الزاوية في فهم المتغيرات من حولنا، ويصوغ من خلال طرحه رؤية ثاقبة ومغايرة للأحداث والحقائق والمشغولات الفكرية ويركز في جزء مهم من كتابه على أن الفكر الحي هو الفكر الصادر على خلق الحدث وإنتاجه وصياغته فيقول:

"إن الفكر الحي هو صلته المنتجة بالحقيقة، قدر ما هو قدرته الفعالة على مواصلة قراءة الحدث وصوغه إنه اعتراف بقوة الحقائق من أجل المساهمة في صياغة الأحداث، ولذا فالذي يفكر صورة منتجة وخلاقة إنها يعيش في قلب المشهد، ويكون على مستوى الحدث، بحيث يهتم بمعرفة ما يجري بقدر ما يراهن على ما يمكن أن يحدث، ورهاني أن أخرج من الدائرة الخانقة والتصنيفات العقيمة التي تسجن العقل داخلها بحيث أعمل بفكري على خرق السقف واختراق الحواجيز بعجل وطني أوسع من مساحته  الجغرافية أو الممارسة هويتي الثقافية بصورة علنية".

كما انتقد علي حرب ما يطرحه بعض المثقفين العرب بخصوص الحديث الساذج عن أن الغزو الفكري هو ما تهدف إليه العولمة بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة خلق التوازن بين آليات الحضارة وإبداعات الثقافة، حيث أن الحضارة تحيل إلى المكان والحاضرة أما الثقافة فتحيل إلى الزمان والذاكرة.

إشكالية الهوية الثقافية

نطرح مسألة الهوية الثقافية أسئلة جوهرية بالنظر إلى تنامي توجهين فكريين رئيسيين يبدوان متعارضين إلى درجة بعيدة. هناك من جهة، الانبعاث العام للأصوليات الدينية والعرفية التي تتبنى تصورات نكوصية للهوية تقوم على العقيدة أو العرق، وتنظر إليها بوصفه حقيقة مطلقة، ومتعالية، وأنها هي ما يشكل ماهية الإنسان، وهناك من جهة ثانية الموجة الصاعدة لثقافة الحداثة التي تنطلق من أن سؤال الهوية أصبح متجاوزا، بالتوازي مع إفلاس الميتافيزياء، وسقوط المعنى، وأن الهوية لا تعدو أن تكون مجموعة من الإسقاطات الوهمية التي يضيفها الفرد على نفسه، وهو ما يعطي الأولوية في انتماء الفرد للعام الإنساني على الخاص المحلي، ويؤدي إلى تنسيب مسألة الانتماء العرقي أو الديني.

ورغم تعارض هذين الموقفين، فإن العلاقة بينهما لا تخلو من تقاطعات، إن جانبا واسعا من الخطاب الهواياتي، يعبر في تعبيراته الأكثر محافظة، حيث يتم تصريفه باسم مقولة الحقوق الثقافية التي تنهل من مرجعيات الحداثة، ومن الثقافة الديموقراطية والمواثيق الدولية المعاصرة ما أن نفي وجود "هوية" بمعناها الثابت والمتعالي لم يمنع الثقافة الديمقراطية من أن تفرد الكثير من أدبياتها للحقوق الثقافية. نحن إذن جبال مساحة تقاطع مشتركة بين هذين الموقفين. وإن كانت وجود هذه المساحة يدل على شيء، فإنما هو يدل على أن القضية لا يمكن أن تحسم في أحد الاتجاهين بمعزل عن الآخر. فالهوية تخضع لصيرورة زمنية تجعلها تتجاوز نفسها باستمرار دون أن تفقد بعض عناصرها الأساسية، فهي تزاوج في كل لحظة بين الاستمرارية والقطيعة وهذا ما سنراه في قضية حوار الثقافات.

حوار الثقافات ضرورة إستراتيجية

تشكل الثقافة باعتبارها كل التصورات والقيم والرموز، والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تثبت هوية وحضارة كل مجموعة بشرية عن باقي الجماعات الأخرى، مكونا أساسيا في بناء العلاقات الدولية، وإحقاق تواصل فعال يساهم في تطوير المنظومة الدولية، وخلق أفق أكثر نضجا، يسمح بتعايش سلمي يشهد كينونته من الفهم العميق والمنفتح، والموضوع لواقع التنوع الثقافي.

فالتنوع الثقافي شرط أساسي للإنسانية، وهو نتيجة حتمية لتعدد الحضارات وثقافاتها منذ أقدم العصور، مما يعني أن الحديث عن النمط الأحادي للثقافة يظل حديثا بدون جدوى. وهو ما يؤكده محمد عابد الجابري بنفيه وجود ثقافة  معولمة فالعالم زاخر بالتنوع الثقافي، وأي محاولة تسعى إلى إلغاء الخصوصيات المحلية، وإحلال محلها خصوصيات كونية لا يمكن أن تدخل إلا في إطار المستحيل لذلك، يجب الإيمان في المجتمع الدولي أن العلاقات الدولية لا يمكن أن تقوم إلا من منظور التنوع الثقافي وأن حوار الثقافات ضرورة استراتيجية عالمية، تتطلب التكافؤ والمنافسة، والاعتقاد بحق الآخر في امتلاك خصوصيات تنسجم مع وضعه العقائدي، والاقتصادي والسياسي والمذهبي والابتعاد عن الأحكام الجاهزة غير الخاضعة للتمحيص، بل ورفض كل دعوة عنصرية تسند إلى مفهوم التفوق الثقافي الذي للحوار شكل عموديا يجسد منطق المتفوق والمتفوق عليه والاعتماد على الحوار القائم على أسس الحجة والبرهان.

إن الدول التي لا تؤسس علاقاتها على مبدأ التنوع الثقافي، لا يمكن أن تكون دولا ديمقراطية في تصورها للعلاقات الدولية. وهو ما يسجله التاريخ اليوم، حيث تتأسس جل العلاقات الدولية على عنصرية التفوق، تفوق يركب عليه من أجل السيطرة والهيمنة.

ويمكن أن نجسد بشكل قوي، الفكر الأحادي، والرافض لخاصية التنوع في "ظاهرة العولمة" المفهوم الشبح سيطر على الفكر المعاصر بمختلف توجهاته لما يتضمنه من محو للخصوصيات الثقافية، واستفزاز كل الطاقات الفكرية الداعية إلى التشبث بالميراث التي تجعل من الهوية هويات حقيقية، تمثل كل مجموعات بشرية في الكرة الأرضية إن العولمة بمظاهرها الهدامة للعلاقات الإنسانية تشكل بدون مواربة، انزلاقا فعليا لطمس الهويات الإنسانية، وإحلال هوية واحدة، هي الهوية الأمريكية. فقول مادلين أولبريث في هذا الإطار "إننا قادرون، بفضل طور قامتنا، أن نرى أبعادنا الأخرى".

استنتاج:

إن الثقافة وإن كانت معطى كونيا نظرا لوجودها في كل الحضارات والمجتمعات، فهي تتعدد بتعدد هذه المجتمعات نفسها كل حسب تاريخه ومحيطه. إلا أن كثير من الأشكال الثقافية تؤدي إلى صراعات ونزاعات بين الجماعات والشعوب لكن عندما يتم تجاوز هذا الصراع، يحصل الارتقاء إلى مستوى التعايش السلمي ويسود الاحترام المتبادل والتسامح.

حول مجتمع المعرفة

تعد المعرفة هي القاعدة الأساسية اللازمة لإنجاز مشروعات التنمية الإنسانية في شتى المجالات لأنه وسيلة ضرورية لتيسير وتنويع الخيارات المتاحة أمام الأفراد لتنمية قدراتهم وطاقاتهم وإمكانياتهم والسمو بأوضاعهم.

لذا تتناول هذه الورقة مجتمع المعرفية من حيث:

1- المفهوم

2- خصائصه

3- سماته

4- أبعاده

5- متطلبات بنائه

وفيما يلي تفصيل ذلك:

1- مفهوم "مجتمع المعرفة"

مفهوم "مجتمع المعرفة" يقصد يه توافر وتشجيع مستويات متقدمة من البحث العلمي والتنمية التكنولوجية التي توفر المادة المعرفية لجميع أفراد هذا المجتمع بلا استثناء وبدون تمييز بحيث يتم حث هؤلاء الأفراد على تعلم كيفية تحقيق الاستفادة المتكاملة والشاملة من المواد المعرفية المتوافرة وتوظيفها واستثمارها وإدارتها بشكل مناسب.

2- السمات العامة "لمجتمع المعرفة":

يتسم مجتمع المعرفة بعدد من السمات منها ما يلي:

* الانفجار المعرفي:

يتسم مجتمع المعرفة بتوافر وتشجيع مستوى عال من التعليم والنمو المتزايد، كما يتسم باستغلال مراكز البحوث الموجودة بالمجتمع بحيص تكون قادرة على ؟إنتاج المعرفة على نطاق واسع.

* سرعة الاستجابة للتغيير:

يتسم مجتمع المعرفة بتحول مؤسسات المجتمع بعيدا عن أدوارها التقليدية بحيث تمارس دور الهيئات (الذكية) التي تحقق سرعة اكتشف التيارات السلبية داخل المجتمع التي تهدده بالفشل وقد تحوله بعيدا عن أهدافها.

* التطور التكنولوجي:

إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تلعب الدور الرئيس في مجتمع المعرفة، فهي التي تساعد على قيام مجتمع المعرفة وتدعم خصائصه ومقوماته حيث يتسم مجتمع المعرفة بسرعة اكتساب القدرات والمعارف الجديدة.

* انهيار الفواصل الجغرافية والتنافس:

التنافس في عاملي الوقت والعمل في كل من مواقع مجتمع المعرفة هو السمة الأبرز له.

3- خصائص "مجتمع المعرفة"

لقد أصبح ينظر إلى مجتمع المعرفة على أنه المجتمع الذي تغلب عليه الصفات التالية:

1- المعرفة هي المصدر الرئيسي المؤثر والفاعل في الحياة اليومية للأفراد والمجتمع.

2- تختلف المعرفة عن المصادر المادية الأخرى إذ أنها قابلة للتزايد وتنمو بالشراكة وتعدد المستخدمين.

3- يعمل مجتمع المعرفة على تحديد المعلومات والمعرفة وإنتاجها، وتحويلها، ونشرها، واستخدامها من أجل التنمية البشرية. 

4- يهيئ مجتمع المعرفة الطرق الضرورية لجعل العولمة تخدم البشرية وتساعد في رخائها.

5- المعرفة هي المصدر الرئيس للقوة السياسية لمجتمع المعرفة.

6- للطاقة البشرية قيمة مميزة لدى مجتمع المعرفة، وذلك بجعل البشر هم المصدر الرئيسي للإنتاج والإبداع.

4- أبعاد "مجتمع المعرفة"

1- البعد الاقتصادي

المعلومات في مجتمع المعرفة لها بعد اقتصادي يؤثر في السلع أو الخدمات المتاحة وتوفر قيمة مضافة لها في مختلف مجالات المجتمع الاقتصادية ونشاطاته المختلفة مما يساهم في خلق وزيادة فرص العمل وتمكين المجتمع من المنافسة.

2- البعد التكنولوجي:

يتأثر مجتمع المعرفة بتوفير البنية اللازمة من وسائل الاتصال وتكنولوجيا الاتصالات وجعلها في متناول الجميع. 

3- البعد الاجتماعي:

يسود مجتمع المعرفة درجة معينة من الثقافة المعلوماتية التي تهدف إلى زيادة الوعي بتكنولوجيا المعلومات ودورها في الحياة اليومية من حيث الكم والكيف وسرعة التطوير.

4- البعد الثقافي:

يتيح مجتمع المعرفة تقديرا واسعا للمعلومات والمعارف والاهتمام بالقدرات الإبداعية للأفراد وتوفير حرية التفكير والإبداع.

5- البعد السياسي:

يتيح مجتمع المعرفة فرص متنوعة لإشراك الجماهير في عملية اتخاذ القرارات، كما تتيح حرية تداول المعلومات، ويوفر مناخا سياسيا قائم على الديمقراطية والعدالة والمساواة والمشاركة السياسية الفعالة.

5- متطلبات بناء "مجتمع المعرفة"

يتطلب مجتمع المعرفة بنية تحتية تضم ما يلي:

بنية مادية: مثل قاعات الاجتماعات ولوحات المناقشة.

 بنية تحتية تكنولوجية: مثل تقنيات تقاسم المعلومات والقوائم البريدية الإلكترونية والبوابات السيبرانية (القائمة على الانترنيت)، وصفحات الويكي وحجرات المحادثة وعقد المؤتمرات المرئية (فيديو كونفرانس) والاجتماعات التخييلية الافتراضية، وبيئات التطوير من خلال التعاون، والتعلم عن بعد.

الخلاصة:

صدر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في عام 2005 بعنوان (من مجتمع المعلومات إلى مجتمع المعرفة)، وقد ورد فيه تحت عنوان (لا يمكن اختزال مجتمعات المعرفة إلى مجتمع معلومات).

وقد أفرز التقرير التالي: "لا ينبغي لبروز مجتمع عالمي للمعلومات، باعتباره ثمرة لثورة التكنولوجيات الجديدة، أن ينسينا أنه لا يصلح إلا وسيلة لتحقيق مجتمع حقيقي للمعرفة، فازدهار الشبكات لا يمكن له وحده، أن يقيم قواعد المعرفة. لأنه إذا كانت المعلومات فعلا وسيلة للمعرفة، فليست هي المعرفة. على الرغم من ظهور هذا المصطلح منذ ثلاثين عاما، إلا أن التطورات التي حدثت في تلك الفترة كان لها تأثير كبير على مجتمع المعرفة، وهذا لا يتأتى إلا بالانفتاح وتقبل الآخر بوعي عقلاني ومنطقي ناقد، لكن هذا لا يتأتى إلا بمعرفة من نحن؟ وكيف نبني ذواتنا؟ وهل نملك قدرات علمية قادرة على خلق قارة علمية تظاهي الدول المصنعة، والمبدعة على المستوى العلمي والمعرفي، وهل نحن قادرون على الانخراط في العالم المعولم.

العولمة:

تعني جعل الشيء ما عالمي الانتشار في مداه أو تطبيقه، وهي أيضا العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات (سواء التجارية) أو جعل الشيء دوليا، تكون العولمة عملية اقتصادية في المقام الأول، ثم سياسية، ويتبع ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية وهكذا. أما جعل الشيء دوليا فقد يعني غالبا الشيء مناسبا أو مفهوما أو في المتناول لمختلف دول العالم. وتمتد العولمة لتكون عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط، مع إزاحة أسوار وحواجز محدودة بين الدول وبعضها البعض.

مقاييس العولمة:

تستخدم العولمة للإشارة إلى:

تكون القرية العالمية: أي تحول العالم الكبير إلى ما يشبهالقرية لتقارب الصلات بين الجزاء المختلفة من العالم مع ازدياد سهولة انتقال الأفراد، التفاهم المتبادل والصداقة بين "سكان الأرض".

العولمة الاقتصادية: ازدياد الحرية الاقتصادية وقوة العلاقات بين أصحاب المصالح الصناعية في بقاع الأرض المختلفة.

التأثير السلبي للشركات الربحية متعددة الجنسيات، أي استخدام الأساليب القانونية المعقدة لمراوغة القوانين والمقاييس المحلية لاستغلال للقوى العاملة والقدرة الخدماتية لمناطق متفاوتة في التطور مما يؤدي إلى استنزاف أحد الأطراف (الدول) في مقابل الاستفادة والربحية لهذه الشركات.

العولمة الثقافية:

العولمة الثقافية تعني الارتباط الثقافي بين المجتمعات والأعراق أو بمعنى آخر انتقال الأفكار والعادات الثقافة من المجتمع إلى مجتمع آخر. العمليات الانتقالية الثقافية بين المجتمعات تختلف في الأهمية ودرجة التأثير، على سبيل المثال الهيمنة الإعلامية في العالم فقد تعود للإعلام الأمريكي، فمن هذا المنطلق نستطيع الجزم بأن الثقافة الأمريكية لها تأثير أكبر على ثقافة المجتمعات الدولية بحكم السيطرة الإعلامية أيضا أفلام هوليود(أو ما يعرف بالأفلام الأمريكية) هي الأفلام الرائدة في عالم الإنتاج السينمائي، فلهذا تجد أن الثقافة الأمريكية لها تأثير على ثقافات المجتمعات الأخرى (التأثير هنا قد يكون سلبي وقد يكون إيجابي.

معارضي العولمة:

هناك الكثير من معارضي العولمة لما بها من مساوئ وهناك أمثلة عليها إذا تحدثنا من الناحية الاقتصادية 

1- الاستغلال: وهو الاستقلال الدول الكبرى لدول العالم الثالث لأخذ المواد الخام.

2- الإسراف في الاستهلاك: وهو جعل المواطنين تحت ظل السكرة الإعلامية وينتج عنه الإسراف وشراء الكماليات.

3- الاقتصاد لقلة من الأقوياء: هو السيطرة الاقتصادية والإكثار المالي لقلة من الناس وهذه الآفة تندرج من الاستقلال، حيث أو الموارد المستخدمة لا تضاهي سعر السلعة المنتجة.

تحديات العولمة وآثارها على العالم العربي

إن ظاهرة العولمة تثير جدلا واسعا وتتعدد بشأنها الآراء وأختلف حولها الدارسون في علم الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع. وقد ازداد الحديث عن مصطلح العولمة مع زوال المعسكر الاشتراكي وانفراد أمريكا بقيادة العالم كقائد للمعسكر الرأسمالي، ويدل هذا المصطلح على نظام جديد للعالم وعلى حركة دمج العالم وإلغاء الفواصل والحدود الجغرافية والزمنية والموضوعية بين الدول والمجتمعات وأصبحت كل المجتمعات تعيشها أو تعانب منها بدرجات متفاوتة حتى التي تعيش حالة من العزلة. مما جعل أغلب الدول تنتهج نظام اقتصاد السوق وما ترتب عن ذلك من تحرير للتجارة وإلغاء القيود على حركة رأس المال.

لقد ارتبطت العولمة بالثورة العلمية والتقنية الحديثة، وبدا وكأنها ستقود العالم إلى الرخاء والقضاء على الفقر وتوفير الثقافة الحديثة ووسائل الاتصالات، حيث قادت الدول الصناعية حملة لإقناع الدول النامية بضرورة دخول دائرة العولمة وتغيير توجهاتها السياسيةبما يتماشى مع مقتضياتها ولاشك أن العولمة أثرت على العالم العربي وعلى مختلف بناه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

أولا: ما العولمة

يتميز مفهوم العولمة بالغموض والتعقيد وعدم التنافس بين النظرية والواقع الذين هما بنفس الدرجة من الغموض، فإذا كانت العولمة تشير إلى مجموعة من التصورات التي جاءت بعد الحرب الباردة، وتهدف إلى إزالة الحدود والفواصل بين دول العالم – وهذا الأمر يعد واقعا معاشا إلا أن الجانب التنظيري بقي متخلفا عن هذه التصورات ولم يساير ما حدث على الساحة العالمية من تغيرات مما ترك المجال واسعا لبعض القوى والأطراف التي أرادت التحكم في مسار العولمة ووضع ما تريده لها من مفاهيم ومحاولات لتحديد المعالم النظرية التطبيقية التي تتناسب وطموحاتها التوسيعية وخدمة مصالحها، وهذا ما يتجلى بوضوح في عصرنا الحالي، لأن العرب لم يستطيعوا أن يسييجوا فكرهم بوعي علمي ومنطقي، بل أبدعوا لغة التقادم والكتابة بالسلطة، والكرسي، لذا عملت هذه الشعوب المحاصرة على إسقاط كل الأصنام الموشومة بالديكتاتورة، معلنة أن لا صوت يعلو فوق أصواتهم، ولكن رغم هذه الصيغة الخريفية لم تأتي بأبنية جديدة، بل ظلت تحاكي القديم المصنع، لذا نطالب بدمقرطة المعرفة والعلم، وأن يكون الإنسان هو سيد نفسه، ولغته وأن يحس في وطنه حرا، وطليقا.

وفي الخير نشكر الدكتورة الباحثة بن المداني ليلى بجانب الدكتور الغزيوي بوعلي على هذه المجهودات المبذولة قصد تنوير المنابر الثقافية، والمواقع الآلية، وفتح للقراء إمكانية التأويل والمعرفة حول الهوية والثقافة والمعرفة، والعولمة.

إنجاز الدكتور الغزيوي بوعلي 
 إنجاز الدكتورة بن المدني ليلة
فاس