الزوج الثاني بقلم:د. عز الدين حسين أبو صفية
تاريخ النشر : 2019-08-05
الزوج الثاني بقلم:د. عز الدين حسين أبو صفية


قصة قصيرة

الزوج الثاني :::

اشتدت وتيرة  الحرب و لم يتوقف القصف المدفعي وقصف الطائرات خلال ثلاثة ايام متتالية ، و على اثر ذلك دمرت قرية الامل بالكامل تقريبا و التي تقع على الضفة الجنوبية لنهر السلام التي تندفع مياهه من أعالي الجبال المحيطة بالقرية .

افاقت سلمى من إغماءٍ اصابها نتيجة الذهول و الخوف الذي اجتاح كل كيانها الجسدي و النفسي ، فنهضت مسرعة تتفقد منزلها الذي سوىَّ بالأرض .

بدأت و بشكل هستيري تصرخ وهي تحاول البحث عن ما تبقى من أشيائها وأفراد أسرتها ، فلم تجد ما يمكنها من إعادة استخدامه من مكونات وأثاث وفراش المنزل . كانت تزيح الاتربة وبقايا الحجارة عن ما ظنته المكان الذي كان يجلس فيه زوجها و طفليها ، صرخت بصوت هز المكان عندما وجدت أجزاءً من جسد زوجها و قد فارق الحياة مع أحد اطفالها ، و لم تتوقف عن البحث عن طفلها الاخر الذي وجدته على بعد امتار من المكان حيث أدى إنفجار الصاروخ الذي أصاب البيت الى قذف جثته بعيدًا ، انتبهت الى أنين ارشدها الى مكان طفلها الثاني الذي بالكاد استطاعت التعرف عليه بسبب أن معظم جسده كان تحت التراب ، أسرعت خطواتها نحو أنين الطفل و بدأت بإزاحة الاتربة عن جسد الطفل ، فما أن شاهدت عيناه ادركت بأنه طفلها و لا يزال على قيد الحياة ، حملته و اخذت تركض و هي لا تعلم ماذا يمكنها ان تفعل لأجله  ، فبدأت تغرف الماء بكفيها من مجرى النهر و تحاول تنظيف وجه طفلها ، حملته بعد ذلك وراحت تجوب شوارع القرية علها تجد من يساعدها .

استوقفها الحاج خليل أحد سكان القرية و الذي كان يهم باستخدام سيارته المهمشة ليغادر المكان خوفا من تجدد القصف ، قالت له ساعدنا يا حاج خليل فاركبها بالسيارة و فهم منها ما جرى لها و لأسرتها و قال لها لا بد من أخذ الطفل الى المستشفى لفحصه و علاجه .

تم علاج الطفل و تضميد جراحه و لم ينقطع عن الصراخ و الانين .

لم يترك الحاج خليل المرأة و بقي بجوارها حتى تم علاج ابنها و سألها أين تريدين ان أوصلك ، قالت : لا منزل و لا زوج ولا أبناء عندي الآن فكل شيء دُمر بسبب القصف و لا اعلم الى اين سأذهب و قد دمر البيت بالكامل .

اصطحبها معه الى بيتٍ صغير يمتلكه موجود على أطراف ريف القرية و يبعد مئات الامتار عن القرية ، فهيأ لها المكان و قال لها : اعتبري هذا منزلك إلى أن يفرجها الله ، ثم  تركها ،  عاد الحاج خليل إلى المنزل بعد ساعة من الزمن محضرًا معه بعض الملابس و الفراش و أشياء مختلفة من الاطعمة والأدوات المنزلية .

شعرت أم فضل بالأمان و قليلاً من الراحة و لم ينقطع حزنها على زوجها و أبنها و لم يغادرها التفكير كيف لها ان تتمكن من تربية أبنها الذي بقيّ على قيد الحياة .

اخذ الحاج خليل بالتردد على البيت يتفقد أحوال أم فضل و طفلها و يزودها بكل ما تحتاجه من طعام و أشياء أخرى و يترك لها بعض النقود لتشتري ما تحتاجه أثناء غيابه من البقالة التي تقع على ناصية الشارع .

مضت الأسابيع و كان الحاج خليل يتجاذب أطراف الحديث معها و يتذكر المصائب التي خلفتها الحرب و أخذه الحديث ليخبرها عما جرى له و لأسرته في تلك الحرب فذهلت أم فضل عندما سمعته يحكي عن فقدانه جميع أفراد أسرته من زوجة و ثلاثة أبناء و أبنتان و ردموا جميعا تحت المنزل و أنه عندما كان يتركها و يغادر المكان كان يذهب ليتابع رفع الانقاض عن جثث افراد عائلته الذين فقدوا الحياة جميعاً و تم دفنهم في مقبرة القرية المجاورة .

كان الألم و الحزن يعتصر قلبه و هو يسرد قصته لأم فضل التي لم تنقطع عن البكاء .

بدأت أم فضل بالاهتمام  بشؤون المنزل و تجهيز الطعام و تقدمه للحاج عن قدومه لزيارتها التي أصبحت تتكرر يوميا و في أوقات منتظمة ، و كانت تجهز له كل وسائل الراحة والحياة التي تعوضه عن فقدان أسرته و زوجته ، فتقوم بغسل ملابسه و تنظيف البيت .

بدأ الحاج خليل يشعر بالراحة النفسية و بحاجته الملحة لزوجه تعوضه عن حالة عدم الأستقرار التي يعيشها ، وكان يتلمس نفس الشعور عند أم فضل عندما كانا يتبادلا أطراف الحديث مع بعضهما وكان الطفل فضل يجلس في حضنه يداعبه و يمسح بيده على راسه ليشعره بالحنان ، كان الحديث بينهما يستمر الى ساعات الغروب و عندها يغادر الحاج خليل المكان و هو يميل  للرغبة بالبقاء و البيات ، الا ان شعوره وقناعته بأن ذلك يخالف تعاليم الدين يضطره ذلك للخروج .

كان يوماً غزير المطر والبرق والرعد يحبس الانفاس و السيول تجري بشكل منع الحاج خليل من مغادرة المنزل ، فأحضر بعض الحطب و أوقده ومن ثم ادخله للمنزل للتدفئه ، التف الجمع حول النار و جلس الطفل في حضن الحاج خليل و اقتربت أم فضل من النار و أحضرت حرام صوف و وضعته على كتفيّ الحاج الذي ناولها طرفه الاخر لينالها شيء من الدفء ، صمت الجميع و لم تصمت العيون بل بدأت تحكي مالا تتجرأ عليه الألسنة ، فَهِمَ كل منهما لغة عيون الآخر و حاجته لأكمال حياتهما مع بعضهما البعض ، تنهد الحاج خليل لحظة تنهد أم فضل من أعماقها و هي تقول آه :  هنا فاجأها الحاج خليل بقوله تتزوجيني يا سلمى .

فاجأها ذكر اسمها من قبل الحاج خليل مجردًا و قد اذهلها سؤاله لها الذي اشتهت سماعه من قبل ، فقالت وبدون تردد و انا لا يمكن ألاقي أحسن منك  ،طبعاً موافقة .

في اليوم التالي كان المأذون يعقد قرانهما ، و بدأت سلمى و أبنها و زوجها الثاني حياتهم الجديدة يملأها الحب و الحنان ، و بعد أقل من سنة أنجبت سامى أختاً لابنها فضل ، اسمتها امل .

د. عز الدين حسين أبو صفية ،،،