قفا نحك
"بساتين" الشرق الأوسط
تعرف طهران ان لا حرب مقبلة على المنطقة، وان دونالد ترامب لن يتغابى الى هذا الحد في معركته "النووية" معها، فهو يراهن على التدرج في عقوباته الاقتصادية لإجبارها على تغيير نهجها النووي، والتراجع عن هيمنتها الاقليمية، من دون ان يدخل بلاده في حرب جديدة. ينسجم في ذلك مع تعهده للأميركيين، خلال حملته الرئاسية السابقة، استجلابا لتأييدهم ترشحه لولاية ثانية، في 3 تشرين الثاني 2020. ولأن ايران تعرف ذلك تصعد في تهديداتها اللفظية، وايحاءات السيطرة على أمن بحر الخليج باقتياد بواخر، ومحاولة تسيّد مضيق هرمز.
من اليوم وحتى انجاز الانتخابات ستكثر واشنطن عروض التفاوض، وفتح الابواب مواربة، بما لا يرضي طهران، ليكون بيد ترامب، اذا أعيد انتخابه، ملف عامر بـ "النيات الحسنة" يقدمه للرأي العام المحلي والعالمي ليبرر أي تشدد، أو عمل عسكري، قد يلجأ اليه، إلا اذا عجل تشديد العقوبات بليونة ايرانية مفاجئة، عبر مفاوضات بالواسطة أو تحت الطاولة.
هذا الواقع هو أساس عروض "مرجلة" ايران حاليا، سواء باقتياد الناقلات، أو زعم السيادة على مضيق هرمز أو رفع تخصيب اليورانيوم، والامتداح الذاتي لقدراتها العسكرية وتوقع "أفول شمس أميركا"، و"انهاء الامبراطورية البريطانية في البحار"، و"امتلاك أسلحة سرية لا تقدر واشنطن على مواجهتها".
عمليا، يبدو لبنان، بأزمته الممرحلة، رهينة، كناقلتي النفط البريطانيتين، من وضع الموازنة ونقاشها في مجلس الوزراء، إلى "وحام" بعض الوزراء على اعادة النقاشات الى بداياتها، ثم مجلس النواب، وبينهما لجنة المال والموازنة، ثم تهديد مصيرها بحماسة جبران باسيل للاطاحة بالمادة 80 فيها، وتهديده بان تزال "والا عمرها ما تكون موازنة"، كما قال عمه الرئيس قبل أعوام، عنه: إما يوزّر الصهر أو عمرها ما يكون في حكومة.
لكن هذه الصورة المحلية لا تخفي بُعدها الاقليمي. فلبنان واقع تحت رحمة "الاستعمار" الفارسي، منذ ما قبل الخروج السوري، وبالشراكة معه، منذ زمن الرهائن الأجانب، وتفجير السفارة الأميركية ومقري المارينز الأميركيين والمظليين الفرنسيين، لإسقاط الحل الأميركي لأزمة لبنان وإحلال آخر ايراني، لا نزال نعيشه. وتكرر الامر باشعال حرب 2006 لإعطاء "حماس" دفعا في حرب غزة، ولتشطب قمة مجموعة الثمان، في 15 آب من السنة، الملف النووي الايراني من جدول أعمالها، وهو ما حدث.
في المواجهة "النووية" الراهنة، ما الذي يحول دون رغبة طهران في استخدام ورقة لبنان مجددا، لاسيما في وجه فرنسا وأوروبا، مع ما تعنيه من تحريك هجرة السوريين وغيرهم، من لبنان، إلى القارة العجوز، بعد شل الدولة بالتمسك بالمجلس العدلي، وإلا ما معنى حرص الحزب وحلفائه على انعقاد مجلس الوزراء، حسب أقوالهم، والتمسك في الوقت نفسه بإحالة قضية "البساتين" على المجلس العدلي. انهم ينفثون الأنفاس الحارة والباردة معا، فتجمد الأمور في مكانها.
راشد فايد
بيروت في 31/7/2019
[email protected]
بساتين الشرق الأوسط بقلم:راشد الفايد
تاريخ النشر : 2019-08-04