مستقبل الشرق الأوسط بقلم: سائد حامد ابوعيطة
تاريخ النشر : 2019-08-03
مستقبل الشرق الأوسط  بقلم: سائد حامد ابوعيطة


بقلم سائد حامد حسن ابوعيطة

مستقبل الشرق الأوسط و طرح إسرائيل كبديل قوي لسد الفراغ السياسي الأمريكي في المنطقة .

هل تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن سياستها في الشرق الأوسط ؟؟؟

و للإجابة على هذا التساؤل يجب تحليل بعض الأحداث على المستوي العالمي و الشرق أوسطي على حداً سواء .


لابد هنا أن نُشِير الى الأسباب الحقيقة في تراجع مستوى العمل السياسي الأمريكي و تخلى الإدارة الأمريكية عن بعض سياساتها تجاه الشرق الأوسط .

إن التراجع الإقتصادي الأمريكي الذي أصبح في السنوات الأخيرة واضحاً بنسبة تقل عن سابقاتها من مجموع الناتج المحلي العالمي أمام قوة الصين الإقتصادية التي تزداد نسبة إنتاجها الإقتصادي بسرعة كبيرة ، أصبح يُشكل تحدياً كبيراً يُثير
قلق و مخاوف الأمريكيين .

كما أن من أسباب التراجع الأمريكي في الشرق الإنشغال الأمريكي بالصِدامات مع الصين في بحر الصين الجنوبي و التحالفات السياسية الصينية الجديدة .

أيضاً انشغال الأمريكيين بخطر كوريا الشمالية و الذي أجبر الرئيس Trump عقد لقاءات مباشرة مع الزعيم الكوري Kim Jong-un الذي بدوره يلوح بتجاربه الصاروخية النووية و البالستية و يملك برنامج نووي متكامل ، يعرض من خلاله
القوة العسكرية من ناحية و رسائل للتهديد من ناحية اُخرى ، مما أجبر Trump على إتباع سياسة التفاوض بعقد لقاء تاريخي للمصالحة مع كوريا الشمالية في 12 يونيو من عام 2018 ،
و يعتبر ذلك تحول تاريخياً في العلاقات مع كوريا الشمالية بزيارة أول رئيس أمريكي لكوريا الشمالية منذ توقيع الهدنة عام 1953 م .

و لا يعني بالضرورة أن هذا تنازل أمريكي ، و لكنها السياسة بكل الأحوال تتطلب الليونة للحصول على المكاسب .

كذلك القوة الروسية في الصناعات العسكرية ، فقد طرحت روسيا نفسها كمنافس قوي في السوق العالمية للأسلحة ، و كذلك تدخلاتها الجديدة في سوريا ، و علاقاتها مع تركيا و إيران و تحالفاتها الجديدة ، يظهر ذلك بوضوح من خلال الدعم الروسي
للسياسة الإيرانية في سوريا و اليمن و مناطق اخري .

أيضاً لابد من الإشارة الى أن الحجم الضخم للتكاليف المادية لتنفيذ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط و الذي يقابله تراجع إقتصادي أمريكي كان سبباً هاماً لتخلي الإدارة الأمريكية عن تنفيذ بعض سياساتها و تدخلاتها في الشرق المتوسط .

فالأموال التي يدفعها الأمريكيين في الشرق للقواعد الأمريكية و الأساطيل البحرية و المطارات العسكرية و الضربات الجوية ... الخ ، أصبحت ذات تكلفة عالية تجعل الأمريكيين يفكرون في تخفيف حجم النفقات لتنفيذ تلك السياسات ،في ظل التراجع الإقتصادي الأمريكي ، و يظهر ذلك أيضا واضحاً في وقف إمدادات الوقود الأمريكي لطائرات التحالف العربي لقصف الحوثيين في اليمن .

كل هذه التحولات تثبت مدى حجم المخاوف الأمريكية ، و يجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى سياسات جديدة في الشرق تجعلها تفكر بالإنسحاب من اللعبة السياسية في الشرق الأوسط ، لتهتم بقضايا جديدة في العالم قد تهدد الأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر .

قضايا عالمية هي الأخطر على مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية ، أمام سياسات جديدة تفرض نفسها على العالم لدول ( كالصين ، روسيا ، كوريا الشمالية ، اليابان ، ) ، أصبحت ذات شأن داخل المنظومة العالمية على المستوى السياسي والإقتصادي و العسكري .

و بالتالي كان لابد من توريث الشأن السياسي الأمريكي في الشرق الأوسط لإسرائيل كحل لسد الفراغ السياسي في المنطقة و التعويض عن الإنشغال الأمريكي بالقضايا العالمية الجديدة ، و هو الأقرب للعمل السياسي بالوكالة أو النيابة عن الامريكيين ، و هو كما يبدو بمثابة موافقة غير علنية يتبناها البيت الأبيض
لتتولى إسرائيل المهام السياسية الجديدة .

فراغ سياسي ناتج عن مجموع التحولات السياسية ، تستغله إسرائيل جيداً ، و تطرح نفسها بديلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط ، وفق مبدأ جديد هو التوريث السياسي ، ( قيادة العمل السياسي بالنيابة ) ، لسد الفجوة السياسية بعد تخلى الأمريكيين عن معظم سياساتهم في الشرق ،
و يظهر ذلك مؤخراً في السياسة الإسرائيلية التي تبناها رئيس الوزراء نتنياهو و التي تبدأ بجولات التطبيع السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي بتمثيل رسمي حكومي أو تمثيل غير حكومي ، في مجالات عدة :
( الرياضة ، الثقافة ، التكنولوجيا ، التبادل المعلوماتي ، و التعاون في مختلف المجالات خصوصا التعاون الأمني ضد الإرهاب )
و الزيارات للبحرين و عُمان و المشاركات الرياضية في قطر و أعلان إسرائيل بشكل شبه رسمي عن عقد تحالفات خليجية و عربية جديدة .
لقد هرول العرب و الخليج الى التطبيع لسد الفراغ الذي أحدثته الولايات المتحدة الأمريكية ، و الذي كان واضحاً بتخلي الولايات المتحدة عن التدخل الفعلي في سوريا و تحديد لحجم الضربة الجوية في داخل الأراضي السورية ، و عدم توجيه ضربة
لإيران بسب إسقاط الطائرة الأمريكية من طراز“MQ-4C” مؤخراً بإختلاق Trump الأعذار بوقف الضربة الجوية بعد الإعلان عن القيام بها .

أيضاً عدم التدخل الأمريكي بما يجري على الجبهة اليمنية و هو لا يتعدى حدود الإدانة بوصفه بالوضع الإنساني الكارثي ،
و يظهر ذلك واضحاً بتصويت الكونغرس على وقف مشاركة القوات الأمريكية في الأعمال العدائية بحرب اليمن في 4 أبريل/نيسان 2019 و فوّض الأمريكيين غيرهم لقيادة الحرب في اليمن كحرب بالوكالة تخوضها السعودية و دول خليجية اُخرى ،
أثبت فعلياً التغيرات في سياسة الإدارة الأمريكية في المنطقة .

إن إيران هي العدو الأول للأمريكيين أو إنها المنافس في الشرق الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية إن صح التعبير ، فهي تثير المخاوف و القلق للأمريكيين مهددة بضرب مصالحهم في المنطقة من جهة ، و تثير المخاوف و القلق لدول الخليج و دول
عربيه من جهة اخري ، و ظهر ذلك في التدخلات الإيرانية في المنطقة الذي وصل الى معارك إيرانية بالوكالة في سوريا أو في اليمن أو في العراق ، وما يحدث مؤخراً في مياه خليج فارس و المياه الدولية و الإقليمية من صدامات دوليه مع إيران باحتجاز سفن و إسقاط طائرات و تهديدات إعلامية متبادلة من جميع
الأطراف الدولية و أطراف المصالح المشتركة من دول الخليج العربي و المتحالفة بدورها مع الولايات المتحدة الأمريكية .

ان سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المتقلبة مؤخراً أثارت المخاوف الخليجية في المنطقة من الشبح الفارسي الإيراني كما سببت أزمات جديدة و ظهر ذلك بتصريحات Trump ( المال مقابل الأمن ) ، ( الابتزاز السياسي ) و الذي كان مرفوضا من دول عربية و دول خليجية كالسعودية و قطر و الإمارات ، و
تحت الضغط الأمريكي و التخلي عن العرب و الخليج هرولت دول المنطقة الى التطبيع مع اسرائيل و إقامة التحالفات مع إسرائيل كبديل و خيار أوحد وفقاً للقول القائل ( مكرهاً أخاك لا بطل ) .

إن السياسة المزدوجة الجديدة للأمريكيين بين الترغيب و الترهيب إستطاعت تقريب المصالح و وجهات النظر بين الإسرائيليين و العرب ضد عدو واحد مشترك يهدد أمن
المنطقة و بحسب رؤية جميع الاطراف .

و كل ما سبق من تحولات في السياسات العامة في الشرق الأوسط جعل الأمريكيين يبحثون عن بديلاً لتنفيذ سياستهم في الشرق بأقل تكلفة و أقل خسائر ، و الشريك الدائم و البديل الوحيد هو إسرائيل و التي بدورها دعمت سياسة التطبيع الجديدة
مع العرب و طرحت نفسها المدافع الوحيد للمخاوف العربية من إيران شبح الخليج العربي ، و من خلال إستغلال الفلسطينيين كان لا بد أن تمرر إسرائيل سياستها الجديدة في الشرق باستخدامهم كجسر للعبور ، و بدعم صفقه القرن و التسويق لها عربيا ، و التي بدورها تقدم الإغراءات المالية للعرب ، و رغم الرفض العربي الشكلي للصفقة إلا أن العرب قد شاركوا فيها سواء بالتمثيل بمستوى عالي أو مستوى منخفض .

كل ذلك على حساب الفلسطينيين ...

إن إسرائيل تربط بين سياستها الداخلية تجاه الفلسطينيين مع سياستها الخارجية تجاه العرب و العالم بما يتناسب مع المصلحة الإسرائيلية و بطريقة أو بأخرى سوف يتم تنفيذ الأهداف المرجوة لإسرائيل .

ونستطيع تحليل ذلك بكسب إسرائيل الود العربي ، و التحالف مع العرب ضد عدوهم الحقيقي إيران ، و بنفس الوقت تُغيّر مسار القضية الفلسطينية ، و هي الأهم على الساحة الدولية و العربية .

إن التحالفات الإسرائيلية مع دول المنطقة ما زالت تسير على قدم و ساق دون توقف، و لكن القضية الفلسطينية ما زالت تشكل إحراجاً كبيرا للعرب في تعاملهم مع التحولات والتغيرات السياسة في الشرق الأوسط ..


مقال تحليلي شائك يميل الى الصواب أكثر من الخطأ و يمكن أن تحدث المفاجآت وفقا للتغيُرات و التحولات في السياسات الإقليمية و الدولية ، أو ما يجرى على الساحة الدولية من مستجدات ، بحسب وجهة نظري الخاصة .