الخلافة البعثية في العراق والشام بقلم:زياد هواش
تاريخ النشر : 2019-08-01
الخلافة البعثية في العراق والشام...

الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" باقية وتتمدد بالفعل !

داعش هي النتيجة الطبيعية والوحيدة لانهيار الدولة البعثية في العراق على يد قوات الغزو الأمريكي لإطلاق مشروع الفوضى الخلاقة الأولغارشي من العراق وسوريا صوب إيران وتركيا وبقية المنطقة العربية وأوروبا الشرقية وقلب اسيا النفطي والغازي وقلب افريقيا الغني بكل المعادن التقليدية والمستقبلية

لم تكن الثورة الإيرانية إسلامية بل جماهيرية وحقيقية بمعنى الثورة الاقتصادية الاجتماعية انها ثورة الأرياف على المدن وثورة الفقراء على الأغنياء وثورة الأطراف على المركز ولم يكن الخميني قائدها بل كان رمزها القومي الذي سرعان ما تحول الى رمزها الديني المذهبي الديكتاتوري المقدس وبالرغم من أنه حاول ان ينقل السلطة في بداية الأمر الى المدنيين ولكنه فشل ثم تراجع وترك إيران بيد رجال الدين المتعطشين للسلطة والمال والمتدثرين بتراث متخمر من القداسة الباطلة والمظلومية الفاسدة سمحت لهم بإلغاء الجميع والسيطرة على كل شيء واستباحة أمّة تاريخية وحقيقية وتدمير حضارة قديمة وتحطيم مجتمع انساني منسجم ومتماسك

ان مادة الشيعية الإيرانية ليست أكثر من خوابي اقبية خمر قديمة لكنائس عريقة اقفل عليها الإسلام الأبواب ثم فُتحت للعامة في لحظة تاريخية فأسكرت الناس وافقدتهم الى الابد صوابهم وعقلانيتهم وهم يتجهون اليوم وغدا الى المحرقة الامريكية_الاولغارشية العظيمة

اسقاط دولة الشاه ووراثة الإسلام السياسي لها وإقامة الخلافة الشيعية في إيران ونجاحها الجماهيري المُخادع والمستمر بقوة البطش والإرهاب والحروب الخارجية فتح الأبواب الواسعة لإطلاق مشروع اسقاط الاتحاد السوفييتي دينيا من الخاصرة الجنوبية من أفغانستان الامتداد الطبيعي لإيران واسقاط الدولة الأفغانية وإقامة الخلافة السنّية الاخوانية المتدثرة بالعنصر العربي "تنظيم القاعدة"

جاء مشروع الفوضى الخلاقة لملء فراغ انهيار الاتحاد السوفييتي في العالم القديم انطلاقا من كتابات دينية متطرفة عرفت بالأدبيات المسيحية اليهودية والتي تم تطويرها أكاديميا على يد صمويل هنتنغتون في رؤيته الملحمية "صدام الحضارات" وغيره من منظري الثقافة الذكورية العنصرية الامريكية البيضاء او فلاسفة الأولغارش المتوحش

كان من الطبيعي للاولغارش العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ان يأخذ بيد تركيا العلمانية الى محرقة الإسلام السياسي وصناعة الخلافة السنّية العثمانية الموازية والمكملة للخلافة الشيعية الفارسية لإطلاق الربيع الفوضوي العربي وإذا كان ما حدث في إيران هو ثورة طبيعية تمت سرقتها محليا ودينيا ومذهبيا وتوظيفها عالميا فان ما حدث في أفغانستان وتركيا كان مخططا أمريكيا مدروسا ومنفذا بدقة والأكيد ان ما حدث ويحدث في تركيا وإيران هو التمهيد للفوضى الإقليمية الخلاقة والدولة الإقليمية الفاشلة أو الدولة المفلسة و المَدِينة والمتناحرة داخليا والمنقسمة دينيا وقوميا عموديا

انهيار الدولة الستالينية الاستبدادية البعثية الثانية في سوريا في آتون الربيع الفوضوي العربي الخلاق كان الشرط اللازم والكافي لإطلاق "دولة الخلافة الإسلامية" او جغرافية المصالح الامريكية في العالم القديم وتحويل الحلم الإسلاموي التاريخي الى حقيقية في الحاضر ونموذجا خلاقا للمستقبل
اذا نجح الإسلامويين مرة في إقامة خلافة فستكون المرة الثانية أنجح !

خلافة داعش قامت في البيئة الحاضنة الطبيعية لها (بيئة حزب البعث) في العراق وسوريا حيث مثلت تجربة هذا الحزب الأولغارشي الاستعماري المُتنكر بالاشتراكية والقومية العربية المقدمة الطبيعية لظهور الخليفة المقدس وريثا للديكتاتور المقدس الذي ترتسم صورته على وجه القمر ويراه الاتباع والمريدين (الأعضاء البعثيين العاملين مواربة) على شكل رؤيا تلهمهم في مقاومته وقوميتهم ووطنيتهم او في وضع مساحيق وارتداء اقنعة على المسرح الذي لعبوا عليه طويلا أدوار الابطال العرب العلمانيين وهم في الحقيقة العملاء والخونة الطائفيين والاقليميين !

داعش باقية كعقيدة وكنموذج في البيئة الحاضنة الطبيعية لها في العراق والشام وباقية كتجربة ناجحة ليتمسك بها الجميع وتمددت الى بقية المذاهب والطوائف في المنطقة العربية والاقليم هناك داعش شيعي وداعش علوي وداعش درزي وداعش اسماعيلي اقل وضوحا وداعش مسيحي وداعش يهودي والأخطر هو الاختراق في الحالة القومية الكردية باتجاه داعش كردي اذا ما نجح في البقاء والتمدد برعاية أمريكية مباشرة فستكون البيئة الإقليمية قد أصبحت بالفعل جاهزة لإقامة "دولة الخلافة الامريكية" او دولة الخلافة الأولغارشية !

قد ينجح الاكراد في الإفلات من مصير رسمته أمريكا بدقة للعالم القديم لأنهم قوميون تاريخيون وسكان بلاد اصليين في حين لم ولن يستطيع العرب في بلاد الشام او "بلاد داعش" من الإفلات لأنهم غرباء ومتغربين ومنتحلي صفة وفاسدين جغرافيا وتاريخيا ودينيا ومذهبيا وانسانيا أيضا

لا يمكن اقناع الاتراك شعوبا ونظاما ولا الإيرانيين شعوبا ونظاما ولا العرب قبائل وانظمة ولا الاكراد كذلك بأنهم أدوات وينفذون مشروعا استعماريا أولغارشيا معقدا للغاية يتجاوز حتى الولايات المتحدة الامريكية ومصالحها المتوحشة الى مصالح اقتصادية عالمية او ما بعد أمريكية شديدة التعقيد جدا وبأنهم اذا كانوا لا يستطيعون مقاومة حركة التاريخ الرأسمالي الحتمية فانهم يستطيعون بلا كثير عناء ان يحافظوا على تراثهم وتاريخهم وانسانيتهم ومستقبلهم وفرصتهم كأجيال في هوية وطنية وقومية أقل تبعية واكثر تحررا واستقلالية واقل توحشا دينيا ومذهبيا واكثر أخلاقية وحضارة !

في بلاد الشام تقليديا او بلاد سايكس_بيكو عمليا او في بلاد داعش حاضرا ومستقبلا ولقرن من الزمن 1914 الى 2014 دافعت الشعوب والقبائل العربية والمنتحلة للصفة العربية والكارهة لها والحاقدة عليها والراغبة في تغييب ملامحها بالإسلام السياسي الإقليمي و....
دافعت بشراسة عن كيانات سايكس_بيكو باعتبارها الوطن النهائي والكرامة الوطنية والهوية القومية والحقيقة التاريخية والثابت الجغرافي المقدس !

حتى الأحزاب القومية المنتحلة للهوية الكيانية (القوات اللبنانية او المردة او الحزب التقدمي الاشتراكي و....) أو الهوية السورية (الحزب السوري القومي الاجتماعي و....) او الهوية العربية (حزب البعث نموذجا فاقعا ومخجلا و....) كانت كلها نتيجة مباشر لحقيقة سايكس_بيكو ودافعت عنها ولذلك هم جميعهم وعلى رأسهم حزب البعث سيدافعون عن هوية داعش الجديدة التي يحملونها وعن الكيانات الجديدة التي سترسمها "حالة داعش" في تمددها صوب دولة الخلافة الأولغارشية المتوحشة

هذا النص غير معني بالشعوب والقبائل في المنطقة العربية في حلها وترحالها في متاهات الرأسمالية العالمية
بل بالأحزاب العقائدية الدينية والعلمانية السياسية في بلاد الشام والتي تعتقد انها لا تزال باطنية ولا تزال تمارس التقية بنجاح ولا تزال وطنية وقومية وشرعية ودستورية لا يخالطها فساد او عيب وأنها جماهيرية وقادرة على الحشد !

إنها أحزاب وتنظيمات ميليشياوية ذات خصوصيات تتعلق فقط بالهدف الاستعماري منها وتستمد شرعيتها وقوتها وجماهيرها من وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية وفروعها المعتمدة والمحلية في الإقليم والمنطقة ولا تمتلك أي معرفة أو عقيدة أو رؤية تتجاوز الغيبيات الدينية التقليدية اللازمة والكافية لها لتسيطر على جمهورها بالقمع الذكوري المقدس وبتجارة الحريم او الرق النسائي الوثني !

ان يخرج عضو عامل في حزب البعث من اجتماع حزبي تقليدي يتحدث فيه عن الحرب على الإرهاب والمقاومة والوطنية وفلسطين ويشتم أمريكا وإسرائيل وكل تلك البروباغاندا النازية البائسة والتعيسة ثم يذهب الى اجتماع ديني مذهبي ليتحدث فيه عن اية الكرسي التي تمثل كرسي الحكم وعن الرئيس المقدس وعن الغرباء الذين سخرهم الله لنا ويشتم بقية المذاهب والطوائف ويكمل نهاره القومي باستقبال النساء المؤمنات الباحثات عن مستقبلهن في الأبراج وحظوظهن في الزواج والانجاب !
هذه الخلطة البعثية الشامية إذا صح التعبير هي البيئة الحاضنة لداعش التي تتمدد صوب دولة الخلافة بثقة العملاء المحليين بقوة السيد الأمريكي

تكاد تنطبق جغرافية خلافة داعش على جغرافية أحزاب بلاد الشام القومية وبالتأكيد تنطبق جغرافية الدولة الإسلامية على جغرافية (المنطقة الأولغارشية الثالثة) في الوقت الذي ينطبق فيه منطق الأحزاب القومية على منطق داعش باعتباره الوريث الطبيعي والامتداد الوحيد لمشروع استعماري في قرنه الثاني ما كان له ان ينجح كل هذا النجاح لولا أن هذه المنطقة بشعوبها وقبائلها تمتلك كل هذه القدرة على الفشل.
1/8/2019

زياد هواش/صافيتا

..