ميادين حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بقلم:د.عادل عامر
تاريخ النشر : 2019-07-31
ميادين حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني  بقلم:د.عادل عامر


ميادين حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني

الدكتور عادل عامر

المنظمات غير الحكومية هي عبارة عن قنوات يجتمع فيها الأفراد من اجل الدفاع عن أهداف وقيم نبيلة، حيث إن بعض هذا المنظمات قد سبقت في إنشائها منظمة الأمم المتحدة، فقد أخذت دوراً هاماً في ميادين حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني،

كما أنها استطاعت إن تشكل قوة ضاغطة في هذا المجال، وان فعاليات تلك المنظمات العالمية غير الحكومية أخذت مكانة ودوراً حيث أنها عكست التحول العميق في المجتمع الدولي، إذ لم تعد العلاقات الحكومية تعكس مثل تلك التحولات في المجتمع الدولي.

وأصبحت الدبلوماسية التي تمارسها تلك المنظمات غير الحكومية لها دور أساسي وبارز في العلاقات الدولية، بحيث يمكن القول إن مصطلح المنظمات الغير حكومية قد يغطي مفهوم واسع حيث يبدأ من المنظمات المحلية وحتى يصل إلى الاتحادات الوطنية والشبكات الدولية. كما إن القضايا التي تهتم بها تلك المنظمات متعددة ومتنوعة

وقد تكون محلية أو عالمية، وان تلك المنظمات غير الحكومية قد يكون بينها تفاوت في التأثير بالعمل وذلك يكون حسب قدرتها وإمكانياتها وظروف عملها السياسية والاجتماعية، فقد تكون في بعض البلدان المتقدمة لها حرية التعبير مما يجعلها أكثر تأثيراً من البلدان والمجتمعات النامية.

لقد أعطى الاعتراف العالمي والإقليمي دوراً مهماً للمنظمات غير الحكومية، حيث أصبحت جزءاً له أهمية في تعزيز العمل بمجال حقوق الإنسان، وهي تعنى بالقانون الدولي الإنساني، وهذا بذاته اعتراف، حيث لعبت دوراً هاماً في الاعتراف بحقوق الإنسان، وقد تبنت تلك المنظمات العديد من الإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية.

إن المنظمات غير الحكومية جاءت بالأصل كظاهرة أوربية حيث انتشرت بعدها في بقاع العالم، وقد كان للمنظمات غير الحكومية دور مهد له ابتداءً من فترة عصبة الأمم، لكن قيام منظمة الأمم المتحدة قد أعطى دوراً مهماً لهذه المنظمات.

وجاء في إحدى مواد ميثاق الأمم المتحدة على إن: (للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إن تجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تعني بالمسائل الداخلة في اختصاصه.

وهناك الكثير من المنظمات في العالم سوف نتطرق إلى بعض واهم هذه المنظمات غير الحكومية، التي تعنى بالقانون الدولي.

أ‌. منظمة العفو الدولية:

وهي منظمة عالمية مستقلة يعمل أعضائها من اجل تعزيز حقوق الإنسان ويستند عملها على بحوث ومعايير يتفق عليها المجتمع الدولي، تم أنشاء هذه المنظمة في لندن عام (1961م)، وعملت بعد إنشائها بمهمة الكفاح من اجل الإفراج عن الذين سجنوا بسبب أفكارهم أو معتقداتهم المختلفة، وان هذه المنظمة تسعى لمنع انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومات، وان عملها يستند على احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

واهم تلك الحقوق هي ما نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام (1948م).

وان هذه المنظمة تعمل على التقيد بمبدأ الحيادية وعدم التحيز لأنها منظمة مستقلة عن جميع الحكومات والسياسات، وعن المصالح الاقتصادية والمعتقدات الدينية. كما أنها تعارض أي انتهاكات ترتكبها جماعات المعارضة مثل تعذيب السجناء أو احتجاز رهائن وغيرها من أعمال القتل التعسفي والعقوبات القاسية الغير إنسانية وكذلك مسالة العنف الذي يمارس ضد المرأة، كما تعمل على أعلاء شان جميع حقوق الإنسان المودعة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية. ويعمل في هذه المنظمة نشطاء متطوعون يكرسون وقتهم وجهدهم طواعية، وذلك من اجل التضامن مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

وهم من جميع فئات المجتمع المتنوعة وان آراءهم السياسية ومعتقداتهم الدينية متنوعة، ولكن ما يجمعهم هو إصرارهم على العمل وكذلك لكي ينعم الأفراد في العالم بالحقوق الإنسانية

ويقدر عدد أعضاء هذه المنظمة وأنصارها على ما يزيد عن (140) دولة ، تكرس هذه المنظمة عملها على تعزيز واحترام جميع حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، فهي منظمة تمتاز بالاستقلالية والنزاهة والتجرد ، وترى المنظمة أن حقوق الإنسان لا يمكن تجزئتها ، ويعتمد بعضها على بعض ومن ثم يجب أن ينعم سائر البشر في كل زمان ومكان بحقوق الإنسان كافة ، وينبغي إلا يكون التمتع بطائفة من الحقوق على حساب الحقوق الأخرى ، ولقد تصدت المنظمة قولاً وفعلاً لانتهاكات الحقوق المدنية والسياسية الأساسية للأفراد ، فهي تعمل على ترسيخ واحترام المبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

ويتمثل عمل المنظمة بعدد من المهام منها:

1. أطلاق سراح جميع سجناء الرأي، وهؤلاء هم الذين يعتقلون في أي مكان بسبب معتقداتهم السياسية أو الدينية أو أية معتقدات أخرى أو بسبب أصلهم العرقي أو جنسهم أو لونهم أو لغتهم أو أصلهم القومي أو الاجتماعي أو وضعهم الاقتصادي أو مولدهم أو أي وضع آخر دون أن يكونوا قد استخدموا العنف أو دعوا إلى استخدامه.

2. ضمان إتاحة محاكمة عادلة لجميع السجناء السياسيين على وجه السرعة.

3. إلغاء عقوبة الإعدام والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي يلقاها السجناء.

4. مساعدة طالبي اللجوء الذين يهددهم خطر إعادتهم إلى بلد يصبحون فيه عرضه لانتهاك حقوقهم الإنسانية الأساسية.

5. التعاون مع المنظمات غير الحكومية الأخرى ومع الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية الدولية والإقليمية من اجل إعلاء شأن حقوق الإنسان.

6. السعي إلى ضمان وضع ضوابط للعلاقات بين الدول في المجالات العسكرية والأمنية بما يكفل احترام حقوق الإنسان، وتنظيم برامج لتعليم حقوق الإنسان وتعزيز الوعي بها.

ب‌. منظمة مراقبة حقوق الإنسان:

وهي منظمة أمريكية غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة لها، مقرها مدينة نيويورك، تأسست في سنة (1978م) للتحقق من إن الاتحاد السوفيتي السابق يحترم اتفاقيات (هلسنكي)، وكانت منظمات أخرى قد أنشئت لمراقبة حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم.

وينضوي تحت عضوية هذه المنظمة أكثر من (180) شخصاً من المهنيين الذين يكرسون جهدهم للعمل على مراقبة حقوق الإنسان في شتى بقاع العالم، وفيهم المحامون والصحفيون وأساتذة الجامعات والخبراء المختصون في شؤون بلدان العالم، وهم من مختلف الجنسيات ويقيمون علاقات مع جماعات حقوق الإنسان في العالم.

وقد كانت المنظمة تسمى قبل ذلك بلجنة مراقبة اتفاقية (هلسنكي)، وكانت مهمتها الأساسية مراقبة مدى امتثال دول الكتلة السوفيتية للأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان في الاتفاقية، كما نشأت في ثمانينيات القرن الماضي لجنة لمراقبة الأمريكيتين بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، وسرعان ما تطورت المنظمة ونمت في أنحاء أخرى من العالم، إلى إن توحدت جميع اللجان عام (1988م) فيما بات يعرف بمنظمة مراقبة حقوق الإنسان.

وبالإضافة إلى مقرها الرئيسي والدائم في نيويورك فقد فتحت لها المنظمة مكاتب في لندن وبروكسل وموسكو وسان فرانسيسكو وهونغ كونغ وواشنطن ولوس انجلوس، وأقامت مكاتب مؤقتة عند الضرورة.

وأهداف المنظمة تتلخص في أنها تعمل على رصد ما تقترفه الحكومات من أفعال في مجال حقوق الإنسان، بغض النظر عن توجهاتها السياسية وتكتلاتها الجغرافية السياسية ومذاهبها العرقية والدينية، وذلك بهدف:

1. الدفاع عن حرية الفكر والتعبير.

2. السعي لإقامة العدل والمساواة في الحماية القانونية وبناء مجتمع مدني قوي.

3. محاسبة الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان.

4. كما تتطلع المنظمة إلى كسب تأييد الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بأسره من اجل تعزيز الحقوق الإنسانية لكافة البشر.

ويجري باحثو المنظمة التحقيقات لتقصي الحقائق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، ثم تنشر نتائج التحقيقات على شكل كتب وتقارير سنوية، الأمر الذي تغطيه وسائل الإعلام المحلية والعالمية ويساعد على إحراج الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان أمام العالم. وتقدم المنظمة أحدث المعلومات عن الصراعات أوقات الأزمات مثل شهادات اللاجئين بهدف خلق رأي عام ورد فعل دولي إزاء الحروب في العالم.

وهناك أمثلة على نجاح المنظمة في تحقيق أهدافها ومساعيها:

1. نجاحها في اعتماد معاهدة تحظر تجنيد الأطفال في الجيوش.

2. فازت المنظمة بجائزة نوبل للسلام عام (1997م) إثر جهودها لمناهضة استخدام الألغام الأرضية.

3. ونجاحها في إنشاء محكمة جرائم حرب.

4. ونجاحها في الاستقلال المالي، فهي تعتمد على التبرعات من المؤسسات الخاصة والأفراد، ولا تقبل الدعم المالي الحكومي.

وأصدرت المنظمة تقريريها الدولي لعام (2006م) الذي استعرضت فيه أوضاع حقوق الإنسان وحال حرية التعبير والصحافة في (68) بلد في العالم. وعكس التقرير قلق المنظمة بشأن لجوء الحكومات الأمريكية لممارسة التعذيب كوسيلة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب، كما رصد التقرير ما يسمى مناطق الاضطراب في العالم، التي تشهد أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، ومن بينها أوزبكستان، السودان، ميانمار، كوريا الشمالية، تركمانستان، جمهورية الكونغو، التبت والشيشان.

ت‌. المنظمة العربية لحقوق الإنسان:

تأسست هذه المنظمة عام (1983م) وهي منظمة غير حكومية، ويهدف عملها إلى حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في الوطن العربي طبقاً للمعايير الدولية التي استقر عليها إجماع الأمم المتحدة والمواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها البلدان العربية.

وقد حصلت على الصفة الاستشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة عام (1989م)، كما وقعت المنظمة اتفاقية مع حكومة جمهورية مصر العربية عام (2000م). كما إن هذه المنظمة لا تنحاز وفق نظامها إلى أي نظام عربي، كما لا تضع نفسها في موقع المعارضة ولا في موقع التحالف لأية حكومة عربية وهي ليست ضد الحكومات إلا بقدر ما تمارس من انتهاكات لحقوق الإنسان، وليست مع المعارضة إلا بقدر ما تنتهك حقوقها.

إن عضوية هذه المنظمة مفتوحة لجميع مواطني الأقطار العربية وذلك عند اقتناعهم بأهداف هذه المنظمة، وان تمويلها يعتمد على اشتراكات وتبرعات الأعضاء وهي لا تقبل الدعم المالي من الحكومات أو الهيآت ذات الطابع الحكومي.

كما إن لهذه المنظمة فروع في كثير من الدول العربية وخارجها، وتتكون هيئات المنظمة من مجلس الأمناء وهذا المجلس يختص برسم السياسات التفصيلية إلى المنظمة، وللجنة التنفيذية تنفيذ تلك السياسات، كما أن لها هيئة عليا يتولى الأمين العام تسيير أمورها إلى جانب رئيس المنظمة.