مشهد من عدوان ٢٠١٤ لا يمكن أن ينسى بقلم:عبدالهادي مسلم
تاريخ النشر : 2019-07-30
مشهد من عدوان ٢٠١٤ لا يمكن أن ينسى بقلم:عبدالهادي مسلم


مشهد من عدوان ٢٠١٤ لا يمكن ان ينسى
بقلم / عبدالهادي مسلم
تاريخ ٢٨ – ٧ -٢٠١٤ يوم ما زال محفوفا بخاطري ولا يمكن أن أنساه يوم  أن خرجت من منزلي مع أطفالي وزوجتي مذعورًا وخائفًا ومذهولًا لا أعرف إلى أين أتجه من جحيم القذائف التي كانت تصب لهيبها على منازلنا في الحي الذي أسكنه شرق حرم سكة في مخيم البربج من قبل دبابات الاحتلال المتمركزة شرق المخيم  والتي أصابت  عددًا من منازل جيراني أبو جاسر النجار وصافي وأدت إلى  تضررها وتضرر منزلي  ولولا الرعاية الإلهية لحدث مكروها ولسقط شهداء وجرحى .

لحظات عصيبة وسط صراخ الأطفال وحالة الهلع والخوف المسيطرة في المكان، زوجتي تقول لي اتصل على أي سيارة ولكن ترددت عدة مرات خوفا على حياة السائقين فاتصلت  زوجتي على الإسعاف ولكنه عندما قارب الوصول لمنزلي قصف بعدة قذائف تحذيرية فعاود الرجوع.

حل الظلام ونحن في حالة من الهلع  والحارة تكاد تكون أشباحًا إلا من بيت جارانا الشهيد أنيس، حيث أنه لم يستطع الخروج من منزله بحكم التجاء أطفال وزوجات إخوانه ووالده الشهيد لوجود فيه ملجأ وعلى اعتقاد أن المكان أمن

قررت الخروج من المكان خوفا على حياة أفراد أسرتي، لأني عندي يقين جازم إن الليلة ستكون على ليلة سوداء، وعندما ابتعدنا عن البيت ما يقارب ١٠٠ متر ونحن نجري وسط استمرار إطلاق القذائف ولا أعرف أين نذهب وإذ بجار لي جالس على حائط منزله يقول لي وين رايح يا أبو إسماعيل تعال وريح عندي واللي بفعلوا ربنا كلوا خير فقبلت خاصة أن أطفالي وبناتي يحتاجن من يخفف عنهن”

كانت الليلة الثانية من فجر  عيد الفطر ٢٩ -٧ عنيفة القصف بامتياز، فالمدفعية والطائرات لم تنل قسط استراحة؛ حتى أن جدران المنزل يكاد أن ينهار والشبابيك تكاد أن تتطاير من شدة القصف نظرت في السماء بها كأنها نهار،  كنت أحاول أن أغفو ولكن من شدة القصف لا مكان للنوم .

بعد الساعة الثانية فجرًا في نفس هذه الليلة وإذ  بانفجار ضخم بدون أي تحذير  يهز المنطقة وعلى إثره تطايرت الشبابيك وقطع من الحجارة، خرجت على الفور أنا وجاري إبراهيم زعتر لمعرفة مكان القصف ولم يكن بمخيلتي أن يكون البيت المستهدف بيت جاري صاحب النخوة والكرم والأخلاق الحميدة.

كانت الصدمة ونحن نتفحص ونبحث عن مكان القصف وإذ بطفلة مصابة تمسك قدمها وتصرخ وتقول قصفوا بيت والدي أنيس والعائلة كلها استشهدت فنظرت إلى المنزل وإذ به أنقاض وكومة من الحجارة فبدأت بالصراخ على الجيران ليهبوا لانتشال الجرحى والأطفال والنساء من تحت أنقاض البيت.

حضر الشباب والجيران وغربان الطائرات تحلق فوق المكان  ومن خلال فتحة من البدروم بدأنا في انتشال الأحياء والجرحى والشهداء.

حاولت التواصل مع سيارات الإسعاف والدفاع المدني ولكن حجم الأماكن والمنازل المستهدفة وأعداد الشهداء والمصابين في المحافظة الوسطى  وقلة الإمكانيات أدى إلى تأخر وصول هذه السيارات فقمنا كشباب بإخراج كل المتواجدين باستثناء الشهيد أنيس، حيث لم نستطع رفع أعمدة الباطون والحجارة عن جسده.

 لا يمكن أن أنسى منظر الطفل الشهيد محمد الذي حملته بين يدي وحاولت أن أقدم له الإسعاف  وأنشط قلبه الذي توقف ولكن للأسف كان الوقت متأخر فلقد استشهد وهو نائم وكذلك لا يمكن أن أنسى منظر وجه والد الشهيد أنيس الذي كان يشع نورًا  عند إخراجه من الملجأ .

أذكر أنني عندما تواصلت مع إذاعة محلية خرجت عن المعهود وبكيت على الهواء مباشرة لأني إنسان قبل أن أكون صحفيًا حتى أن بعض الإخوة لاموني على ذلك.

 عاودت طائرات الاحتلال قصف المنزل مرة أخرى وجعلت المكان كله أقرب إلى ساحة حرب من حجم الدمار الذي لحق بالمنازل ومن ضمنها منزلي، وبعد أن انتهى رجال الدفاع المدني من مهمة في المغازي لمنزل مستهدف راح ضحيته ٧ أفراد من عائلة بدوي حضروا إلى المكان في ساعات الصباح وبدؤوا في إزالة الأنقاض والبحث عن جثة الشهيد أنيس حيت وجدوه على عمق مترين من شدة الانفجار وجثثه لم يصلها أي تشوه باستثناء جرح في البطن.

كانت لحظات صعبة أثناء إخراج  جثة الشهيد.. رئيس بلدية مخيم البريج أنيس أبو شمالة الذي  استشهد هو ووالده وابن أخيه بينما أصيبت بقية أسرته.

وبالرغم من مرور عدة سنوات على انتهاء العدوان إلا أن آثارها ما زالت باقية وما زال الجرح ينزف في كل مكان وما زالت روح الشهيد أنيس ترفرف في المكان.. رحم الله الشهداء الذين ارتقوا إلى العلا وادعوا الله أن يجمعنا معهم في عليين.